مؤشرات مثيرة للقلق في البلاد التي ابتكرت بالفعل الثورات الشعبية الحديثة والتي طالما كان لاحتجاجات الشوارع فيها تاريخ ناجح من إجبار السلطات على الرضوخ. وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية احتجز عمال فرنسيون غاضبون رؤساءهم رهائن ورشقوا غيرهم بالبيض ودمروا مبنى إداريا عاما وأيقظوا شبح الاضطراب الاجتماعي الذي نسف حكومات سابقة متعاقبة. وقال رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان أخيرا والذي لحقت بحكومته أضرار مميتة بسبب أعمال الشغب التي وقعت في المدن العام 2005 واحتجاجات في الشوارع بشأن عقد عمل للشبان في العام التالي «هناك مجازفة بقيام ثورة في فرنسا. لكن إلى أي مدى يعتبر حقيقيا التهديد بأن يسبب الغضب الشعبي بشأن الأزمة المالية شرخا اجتماعيا خطيرا في ثاني أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو». ويقول المتخصص في علاقات العمل والعلاقات الاجتماعية بمعهد سيانس بو في باريس، جي جرو، «لم نعد في فرنسا في الوقت الراهن. وأضاف بل إنني أود أن أذهب لأبعد من هذا. الوضع أقل عنفا كثيرا مما كان عليه منذ وقت طويل مضى، شهدنا اشتباكات مع عمال في الثمانينات في قطاع الصلب كانت أكثر عنفا من هذا،وعلى الرغم من هذا فإن الأزمة المالية وحكاياتها اليومية عن جشع الشركات والمصارف المتهورة وإغلاق المصانع والأسر المكروبة غذت ارتيابا فرنسيا كامنا في الأسواق الحرة المتحررة شديدة الليبرالية».
وحيث أن ذكريات الاحتجاجات الصناعية السابقة وعنف أعمال الشغب التي وقعت العام 2005 في الضواحي الفقيرة بالمدن لم تغب أبدا عن الأذهان فإن الطبيعة الدراماتيكية للكثير من تصرفات المحتجين سيطرت بكل تأكيد على عناوين الصحف. وتابع مشاهدو التلفزيون مشاهد مؤثرة الأسبوع الماضي حين حطم عمال من شركة كونتيننتال الألمانية للإطارات التي تغلق مصنعها في كليروا بشمال فرنسا نوافذ ومعدات في المصنع وفي مكاتب حكومية ببلدة كومبيين القريبة. واحتجز أكثر من 12 مسئولا بشركات في مناطق مختلفة من البلاد في مكاتبهم لنحو 40 ساعة في موجة من احتجاز رؤساء الشركات لخصت مخاوف الموظفين الذين يواجهون خطر فقد وظائفهم في الأزمة. وتراوحت التصرفات من قطع عشوائي للتيار الكهربائي فرضه العمال على مجموعة أي دي أف للطاقة إلى دفن رمزي للوظائف قام به موظفو سوني في جنوب غرب فرنسا احتجاجا على إغلاق المصنع التابع للمجموعة اليابانية في بونتو سور لادور. لكن قضية ما إذا كان هذا يرقى إلى كونه ثورة مسألة أخرى.
ويقول أخصائي علاقات العمل بمعهد سوبيرييير دو ترافاي، برنار فيفييه: «لا تعني ست حالات خطف أحيطت بدعاية كبيرة أن فرنسا سقطت في أيدي البلاشفة، وأضاف في فرنسا لدينا ثقافة علاقات العمل حيث الحواجز أهم من المفاوضات.إنه تقليد قديم».
وأضاف «الاتحادات تلعب دورا للتهدئة في هذا. وراحت مجموعة من الحكومات والساسة السابقين ضحية لاحتجاجات حاشدة في الشوارع كان أبرزها من وقت ليس ببعيد حكومة رئيس الوزراء آلان جوبيه الذي ينتمي إلى يمين الوسط العام 1995،
لكن على النقيض من أعمال العنف التي اتسمت بها العلاقات الصناعية الفرنسية في السبعينات حين أشاع نشطاء ماويون تكتيك احتجاز المديرين رغما عنهم تعتبر الحوادث الأخيرة بسيطة». وقال فيفييه: «كان هناك الكثير من أعمال العنف في مصانع كثيرة... كان هذا أسوأ كثيرا مما يحدث اليوم... كانت هناك وفيات وجرائم قتل وكان هناك عنصر إيديولوجي ثقيل أيضا، وضخ الرئيس نيكولا ساركوزي مليارات الدولارات لمكافحة الأزمة حيث أن نحو نصف مليون فرنسي انضموا إلى قوائم العاطلين على مدار العام الماضي وكثيرا ما أحدثت الاحتجاجات صدى واسع النطاق وإيجابيا».
ويقول نصف الفرنسيين الذين استطلعت آراؤهم من المقبول أن يحتجز الموظفون الذين يتم تسريحهم رؤساءهم بل إن ساسة مثل رئيس الوزراء فرانسوا فيون ممن ينددون بأعمال العنف حرصوا على قول إنهم يتفهمون الغضب. لكن ما ينقص هو الشعور بحركة موحدة وراء إحساس بالإحباط والمخاوف من المصانع الفردية المهددة بتسريح العمال. وقال جرو لدينا عدد من الصراعات المحتدمة جدا لكنها كلها منفصلة عن بعضها بعضا.
وأضاف الأزمة الاقتصادية لا تؤثر على العمال بالطريقة نفسها في الوقت نفسه، وإذا لم نضع هذا في أذهاننا فإننا نجازف بتكوين صورة مغلوطة تماما عن الوضع.
العدد 2426 - الإثنين 27 أبريل 2009م الموافق 02 جمادى الأولى 1430هـ