العدد 2982 - الخميس 04 نوفمبر 2010م الموافق 27 ذي القعدة 1431هـ

هل يستطيع القادة الدينيون لعب دور بنّاء؟

حنا سنيورة - ناشر صحيفة «الجيروساليم تايمز» ورئيس غرفة التجارة الأوروبية الفلسطينية والرئيس التنفيذي 

04 نوفمبر 2010

في رسالة جاءت في ختام أسبوعين من اجتماعات السينودس الفاتيكاني حول الشرق الأوسط، أعلن الأساقفة المشاركون أنه يتوجب على إسرائيل عدم استخدام المفهوم التوراتي عن أرض الميعاد أو الشعب المختار لتبرير بناء مستوطنات جديدة في القدس، أو المطالبة بالمزيد من الأراضي في الضفة الغربية. كما عبّر البيان عن الأمل بأن يصبح حل الدولتين حقيقة.

وقد ورد في البيان النهائي للسينودس: «لقد توسطنا في وضع مدينة القدس المقدسة. وينتابنا القلق الشديد حول مبادرات أحادية تهدد تركيبتها وتعرضها لخطر تغيير توازنها الديمغرافي. إن اللجوء إلى المواقف اللاهوتية والتوراتية التي تستخدم كلمة الرب لتبرير خاطئ للظلم هو أمر غير مقبول».

وقد أثار رجال الدين من السينودس القضية مع اليهود الذين يستخدمون التوراة لتبرير بناء المستوطنات في الضفة الغربية.

يشكّل الدين، كما هو مذكور أعلاه، جزءاً من المشكلة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وبما أن الدين جزء من المشكلة، فيجب أن يكون كذلك جزءاً من الحل، وله أهمية خاصة في حل النزاعات حول الأماكن المقدسة، ويستطيع أن يرشد الطريق إلى تقبّل حلول تتعلق بالأماكن المقدسة الإسلامية واليهودية في القدس.

لقد فضّل القادة الدينيون حتى يومنا هذا البقاء على الهامش. وقد برزت محاولات سابقة خجولة للتعامل مع القضايا الدينية على أساس محلي وإقليمي من الخوف من أن يتم استغلال الدين لأهداف سياسية في مضمون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ويعتبر استخدام الدين بأسلوب إيجابي في هذا النزاع مماثلاً لأن نطأ على «أرض بكر».

يشكّل «مجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة» مبادرة مكونة من قادة مسلمين ويهود ومسيحيين يمثلون المؤسسات الدينية الرسمية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد كرّس هؤلاء القادة جهودهم منذ العام 2005 لمنع استخدام الدين كمصدر للنزاع وتشجيع هدفه بالعدالة والتسوية والسلام. وقد أحرزوا تقدماً في إرساء قواعد التناغم وفتح خطوط التواصل بين المؤسسات الدينية الرسمية في الأراضي المقدسة. إلا أنهم الآن أقل ظهوراً أمام الشعب، ولم يتمكنوا من ترجمة عملهم إلى قبول عام أكثر اتساعاً من التسامح والتفاهم.

برأيي أن القادة الدينيين هم الهيئة الأكثر مصداقية لنشر رسالة السلام، بأن الطروحات الدينية المتنوعة تستطيع التعايش لأنها تملك السلطة لترجمة الكتب المقدسة. إضافة إلى ذلك فإن القادة الدينيين لا يترشحون للانتخابات، وهم بالتالي مؤتَمنون من جانب اتباعهم وقادرون على التأثير على التطرّف الديني والحدّ منه، وعلى بناء علاقات متناغمة. يملك كل دين القدرة الكامنة على زرع بذور التغيير في الشعور العام بين المؤمنين.

يجب تشجيع القادة الدينيين ودعم جهودهم في تسلّم مسئولية إرشاد الجمهور نحو التعايش السلمي، وكذلك لعب دور نشط في تشكيل الرأي العام. ويتوجّب عليهم مجابهة التطرف الديني والقادة السياسيين لردعهم عن استخدام كلمة الرب لغاياتهم السياسية، لإدامة النزاع وإشعاله.

تتباعد الطروحات في نزاعنا، وأحياناً كثيرة تؤدي إلى نزع الشرعية عن الآخر وإضفاء الشيطانية عليه. يُستخدَم الدين في الوقت الحاضر من قبل هؤلاء الذين يطالبون بالملكية الحصرية على الوطن والأماكن المقدسة، بدلاً من أن يشكّلوا أداة للتسامح والتسوية والحاجة لأن يتشارك الطرفان في ملكية الأرض واحترام الحاجات الدينية للأديان الثلاثة.

من المهم جداً تشجيع اللقاءات عبر الأديان في الوطن وفي المنطقة بشكل عام. هذه الجهود بدأت فعلاً، وضمت الشيخ السدر من الخليل والحاخام ديفيد روزن من القدس والمطران يونان من الكنيسة اللوثرية في القدس. وقد عمل رئيس أساقفة كانتربري على مباشرة الاتصالات بين الرؤساء الدينيين في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى لقاء في الإسكندرية حضره رئيس الحاخامات السفارديين في إسرائيل ومفتي الأزهر من مصر وكبار رجال الدين المسلمين من فلسطين ورؤساء العديد من الكنائس المسيحية في القدس. وقد وقّع المشاركون في هذا الاجتماع «بيان الإسكندرية»، الذي ينصّ بوضوح على أن كافة الديانات التي يمثلها الرؤساء الدينيون تعارض العنف، وأن كل زعيم ديني سوف يبحث عن أساليب جديدة للتعاون مع الآخرين لمنع العنف.

وفي فلسطين، يقوم محمد دجاني بنشر رسالة حركة الوسطية. ويأتي تعبير «الوسطية» من القرآن الكريم ويعني الاعتدال والاتزان. وتكرّس حركة الوسطية رسالتها لتوسيع المعرفة بالاعتدال في الإسلام وتطبيقها في المجتمع والمؤسسات التعليمية والنشاط السياسي.

كان الدين حتى وقتنا الحاضر مصدراً للخلاف بدلاً من أن يكون مصدراً للسلام. وقد أدى النزاع على الأرض والحدود والنزاع السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إساءة استخدام التفسيرات الدينية، بدلاً من الاستفادة من المواقف المعتدلة حيال الوطن، والأماكن المقدسة في القدس الشريف بشكل خاص. وفي حالتنا بالذات، يتوجب على القادة الدينيين تكثيف جهودهم لإقناع أتباعهم بأن الله ينادي من خلال كلمته بالتقبّل والتفهّم والتوازن والسلام. إن الأصوات المتطرفة تسيء تفسير هذه الرسالة.

العدد 2982 - الخميس 04 نوفمبر 2010م الموافق 27 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً