العدد 1143 - السبت 22 أكتوبر 2005م الموافق 19 رمضان 1426هـ

حكاية مسلية عن الإنسان

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

في زيارتي لمحلات بيع الطيور والحيوانات لإضافة بعض أسماك الزينة لبيتي، لما تجلبه هذه الهواية من هدوء للأعصاب، شاهدت بعض المناظر المؤذية والتي أثارتني حقا. كلاب وقردة مربوطة بالسلاسل، وموضوعة بأقفاص صغيرة الحجم، وخصوصا الأرانب فإن أقفاصها بالكاد تحتوي أجساد هذه الحيوانات فهي لا تستطيع الوقوف أو القفز أو التعليق للقردة كما تفعل أقرانها على الأشجار. لقد كان الكلب هادئا وتبدو عليه علامات الحزن والاكتئاب، وحاولت اللعب معه، ولكنه لم يستجب بتاتا نظرا كما يبدو لقرفه من كل شيء! أما القرد فلقد كان مشغولا وبقدرته الوحيدة للحركة وهو مد يده لخارج القفص لالتقاط بعض الحبوب الخاصة للطيور، رميت له كغذاء بدلا من الموز والفول السوداني. وهو أيضا كان شديد الكآبة وغير مستعد لأية دعابة. فلا يكفي سجنه وربطه، ولكنهم أيضا غيروا طبيعة طعامه... اختصارا للمصروفات كما يبدو! كيف يسمح بهذه المعاملة القاسية لهذه الحيوانات؟ لقد نهى ديننا الحنيف عن العنف ضد الحيوان وما أكثر الأحاديث النبوية الشريفة التي تحتم الاعتناء بها ومراعاتها وعدم المساس بها أو تعذيبها. فأي ظلم يقع على حيوان أبكم لم يقترف أي ذنب سوى ضعفه وعدم استطاعته الدفاع عن نفسه أو أقرانه من الحيوانات. كم من الجرائم ترتكب بسبب المال وسطوته على الإنسان. أنا على ثقة بأنه توجد في بلادنا المتحضرة القوانين الواضحة لحماية الحيوانات وطريقة بيعها، ولكن أين من يطبقها؟ أين هي الرقابة على هذه المحال؟ هذه حتما مخالفات قد تتطلب إعادة النظر لإعطاء التراخيص للمخالفين في الإساءة في الطريقة التي تعرض فيها الحيوانات للبيع وتغريمهم لسوء المعاملة. كما توجد بحسب علمي جمعية لحماية حقوق الحيوانات، وهي تقوم مشكورة بإيوائها والاهتمام بها... ولكن يبدو أن نشاطها محدود بسبب عدم وجود متطوعين "كعادة كل الجمعيات الأخرى في البحرين لا شماتة". وأنا على هذه الحال من الحزن والكآبة، سرت فجأة بجسمي قشعريرة وأنا أتذكر كيفية تعامل بني البشر مع بعضهم بعضا. وما فعله الأميركان في سجون العراق، وكيف ربطوا أيدي وأرجل السجناء بالسلاسل وهم عراة، وكيفية ضربهم وتعذيبهم في فضيحة القرن؟ هؤلاء الغزاة المتوحشون... كيف غزوا منطقتنا واستباحوا كل المحرمات.... وزرعوا الدمار والموت فيها. كيف لي أن أحزن على الحيوانات وأنا أرى سجناء العرب والمسلمين في غوانتنامو من دون أية محاكمة على رغم أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته. كيف تستطيع دولة عظمى في هذا القرن أن تنتهك كل الحقوق الإنسانية والتغاضي عنها. فما يحدث في أقفاص الحيوانات هنا من سجن واهمال، يحدث كل يوم للإنسان وأمام أعين وأنظار العالم. ففي الوقت الذي تنتفض الشعوب وتتظاهر وتحتج... ولا من مجيب، نرى الحكومات ساكتة دون حراك... كسكوت الموتى، لأنها حكومات دكتاتورية تخاف على كراسيها فقط. أن الحيوان مميز في مثل هذه الحالة عن الإنسان فهو يباع ويشترى، وقد ينتقل إلى بيت يحسن معاملته ويرتاح بأن يسترد بعضا من حريته، أما الإنسان فلا يوجد له حتى أضعف الأمل بأن يشتريه أحدهم ويطلق سراحه. وما لا تعرفه هذه الحكومات الضعيفة أن سجن مواطنيها ودون محاكمة علنية على جرائمهم المزعومة. لهو أكبر إهانة لدولهم... وإذلال أكبر للشعوب المغلوبة على أمرها. وفي النهاية هنالك أمل وحيد قد ينقذ هؤلاء المساجين، وهو بأن يصلوا في أن يسخطهم الله ويحولهم إلى حيوانات عندها... قد يتعطف عليهم أولاد الحلال ويفكوا أسرهم حينما يشترونهم. هي سخرية الزمان فتشتكي من ظلم الإنسان للحيوان... الأبكم. في الوقت الذي يشتد استبداد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان... ودون وجه حق في ذلك الاستعباد والظلم. * كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1143 - السبت 22 أكتوبر 2005م الموافق 19 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً