العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ

بوش... والهروب إلى الخارج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

جدد الرئيس جورج بوش خطابه "العنتري" ضد العالم الإسلامي محذرا مهددا ومنذرا سورية وإيران وغيرهما بالويل والثبور بتهمة إيواء شبكات "القاعدة" والفرق الأصولية وتسليحها وتمويلها لزعزعة استقرار الحكومات المعتدلة. هذا الخطاب الحماسي أثار المخاوف وخصوصا أنه جاء في مناسبة محلية وهي محاولة تغطية الفضيحة التي طالت أهم رموز إدارته، نائبه ديك تشيني. كلام بوش إذا لم يطلق من فوهة بركان وإنما تم تنظيمه وترتيبه في وقت كانت المحكمة الفيدرالية تبحث تلك الاتهامات التي ذكرها المحقق المستقل القاضي باتريك فيتزجيرالد في تقريره عن أكاذيب وتسريبات مدير مكتب تشيني. فالتحقيق شكل ضربة لأركان "البيت الأبيض" وأثار الشكوك بشأن إدارته وكشف أمام دافع الضرائب حقائق متعلقة بسياسات خارجية اعتمدت الكذب والخداع والغش واختلاق الأزمات لتبرير الاستراتيجية الهجومية التي قررتها "البنتاغون" منذ العام .2001 فضيحة المتطرف "من جناح الصقور" سكوتر ليبي لن تتوقف أمام باب مكتب تشيني. فهذه ليست الورقة الأولى التي تنكشف وإنما هي ورقة قوية من الصعب تغطيتها وإخفاء معالمها كما حصل مع "صقور" استقالوا أو أقيلوا أو نقلوا إلى مواقع أخرى في "البنك الدولي" أو في الأمم المتحدة. فضيحة ليبي من الوزن الثقيل وهي لا تقل خطورة عن تلك الفضائح التي بدأت صغيرة وكبرت كما حصل سابقا مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، فالتهم تقريبا متشابهة وهي لا علاقة لها بالسياسة الخارجية وإنما تتصل بالتضليل "الكذب" وهي تهمة كبيرة في القانون الأميركي ويصعب على المحكمة تمريرها وبيعها. الغش والخداع والنفاق والكذب والافتراء والاعتداء والنصب والاحتيال والبيع والشراء والابتزاز والتشهير، كلها نقاط مقبولة في مسألة تصميم السياسة الخارجية. فالقانون هنا لا يطال الإدارة في هذا الموضوع مادامت تدعي أمام دافع الضرائب أنها تخدم مصلحة أميركا الاقتصادية وتوفر للناس الرخاء والمال والأمان والأمن الوطني والشخصي. القانون الأميركي لا يحاسب الرئيس وطاقمه على سياسته الخارجية لأن مصلحة الدولة فوق الجميع. إلا أن القانون يتدخل حين تنتقل تلك المفاهيم المسموح بتصديرها إلى الخارج إلى الداخل وتبدأ الإدارة بتسويقها محليا. فالقانون هنا فوق الدولة، فهو يتدخل لأنه يشكل الأساس الدستوري للدولة ويضمن لها وحدتها واستمرارها وقوتها. فالدولة من دون دستور تصبح غابة تتحكم فيها المافيات. نظام المافيات "اللوبيات" مسموح العمل به في أميركا وهو يلعب سلسلة أدوار في الضغط والتحريف والتحريك وأحيانا يسهم في رسم القرارات وصنع السياسة. إلا أن نظام المافيات في الولايات المتحدة ليس فوق القانون، فهو في النهاية يخضع لسلطة الدستور ولا يستطيع تجاوزه إلا إذا استغل بعض الثغرات أو تحايل عليه. هذا الفارق بين حسابات السياسة الخارجية والمحاسبة الداخلية يوضح إلى حد ما ذاك الالتباس بين دولة القانون في الداخل وقانون الدولة في الخارج. والافتراق المذكور بين السياستين يكشف الكثير من النقاط الغامضة وغير المفهومة في وقائع اغتيال الرئيس جون كيندي أو اضطرار الرئيس نيكسون إلى الاستقالة لأنه كذب في مسألة التنصت على مقر الحزب الديمقراطي. فهذه الحوادث "العلامات الفارقة" تؤكد ازدواجية السياسة الأميركية وعدم تطابق المفاهيم المعمول بها في الداخل وتلك الأيديولوجيا "اللفظية" المعتمدة في الخارج. إدارة بوش بدأت سياستها منذ العام 2001 على الكذب والغش والخداع والنفاق واختلاق الأعذار واختراع الأزمات لتغطية سياسة الحروب التي خططت لها المافيات "اللوبيات" في الكونغرس والبنتاغون. إلا أن هذه الإدارة جدد لها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومنحها دافع الضرائب ثقته لأنها أقنعته بأنها تدير مصالحه الخارجية بأسلوب يحسن من معاشه وظروف حياته. هذه السياسة شيء والكذب على الشعب الأميركي داخليا شيء آخر. ولذلك ظهر الرئيس بوش في خطابه الأخير أكثر توترا وأطلق تلك التهديدات "العنترية" اللفظية والفارغة لشد الانتباه إلى الخارج وإلهاء الناس عن مشكلات أخذت تزحف إلى باب مكتب نائبه. كلام بوش الأخير خطير وفيه الكثير من الوضوح في تعيين أهدافه المقبلة. وخطورة مثل هذا الكلام أنه يأتي في إطار انفضاح سياسته الداخلية. فالهروب وسيلة. وأحيانا تتجه الإدارة الأميركية إلى التصعيد الخارجي خوفا من الاضطرار إلى الاستقالة الداخلية كما حصل مع نيكسو

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً