العدد 1153 - الثلثاء 01 نوفمبر 2005م الموافق 29 رمضان 1426هـ

أبعد من جريمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التعليقات التي صدرت عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشأن القرار الدولي 1636 أوضحت الكثير من الجوانب التي تريد الدول الكبرى تمريرها بذريعة البحث عن قتلة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. فالكلام الذي قيل بعد صدور القرار يستهدف سلسلة نقاط تتصل بمساحات جغرافية واسعة تتجاوز حدود لبنان. فهو تخطى مفاعيل القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن محذرا من تعديل الدستور اللبناني والتمديد للرئيس اميل لحود. فالقرار ذاك تعرض لبعض المسائل الحساسة المتعلقة بالشأن المحلي وامتداداته الأفقية والإقليمية مهددا الصيغة التوافقية بالخراب الأهلي. وبعد ذلك جاءت جريمة اغتيال الحريري وصدر بشأنها القرار 1595 الذي كلف لجنة تحقيق دولية لتحديد الجهة التي خططت ونفذت "العمل الإرهابي". القرار الجديد أخطر من القرارين السابقين فهو يستفيد من المفاعيل السياسية السابقة ويراهن على نتائج تدويل الأزمة دافعا بالعلاقات الإقليمية إلى زاوية ضيقة من الصعب الخروج منها من دون تنازلات مؤلمة وقاسية. وهذا بالضبط ما قصدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس حين طالبت الحكومة السورية باتخاذ ذاك "القرار الاستراتيجي" والقيام "بتغيير سلوكها بصورة جذرية". ماذا تعني رايس بالقرار الاستراتيجي؟ وما صلة الاستراتيجية و"تغيير السلوك" بجريمة اغتيال الحريري؟ كل هذه الإشارات تؤكد تلك الهواجس والمخاوف المتأتية من استغلال واشنطن لجريمة الاغتيال لتمرير مشروعات كبيرة تتصل بموضوع إعادة هيكلة المنطقة سياسيا وأمنيا ودستوريا لتتناسب "التغييرات" مع المتغيرات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد احتلال أفغانستان والعراق. الأهداف إذا ومن خلال قراءة تصريحات وزراء خارجية الدول الكبرى الثلاث تعقيبا على صدور القرار 1636 تتجاوز موضوع الجريمة وتذهب مباشرة إلى تعيين النقاط الاستراتيجية المطلوب من دمشق التكيف معها حتى تنسجم مع متطلبات مشروع "الشرق الأوسط الكبير". جريمة الاغتيال الشنيعة يجب أن نقرأ تفصيلاتها السياسية في سياق رؤية شاملة تمتد من أفغانستان إلى السودان. وهذا المشروع ليس سرا، إذ سبق أن أعلنت عنه واشنطن مرارا في تسريبات صحافية أو تصريحات علنية أو في تقارير صدرت عن "البنتاغون" وحددت فيها الخطوات الواجب اتخاذها لحماية "الأمن القومي" الأميركي. هذا الكلام لا يعني تشجيع الجهات المعنية والمستهدفة على عدم التعاون مع "لجنة التحقيق الدولية" ولا يهدف طبعا إلى التقليل من خطورة الجريمة وتداعياتها والتغطية على تلك الأخطاء والثغرات التي ارتكبت في لبنان في الفترة الأخيرة. إلا أن الحق يقال. ولابد من توسيع دائرة الرؤية حتى تستطيع الأطراف المطلوب رأسها قراءة تفصيلات الصورة في إطار مشهد جغرافي يطاول دول المنطقة. التعاون مع "لجنة التحقيق" تحول إلى سياسة دولية أقرها مجلس الأمن بإجماع دوله واستنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة... وهو فصل يعطي حق استخدام القوة في حال لم تتعاون الأطراف المعنية بالموضوع. التعاون إذا هو من المخارج المحتملة ويمكن أن يعطي المزيد من الوقت للتعرف على بعض الجوانب الخفية أو الغامضة وربما يساعد على كشف "شبكة" الاختراق التي سهلت أو نفذت الجريمة لتوريط المنطقة في كارثة كبيرة. عامل الوقت يمكن المراهنة عليه لتطويل فترة البحث والتدقيق لكشف كل الثغرات التي نفذت منها الشبكة لتضرب ضربتها. وهذا طبعا مشروط بوجود "طرف ثالث" أو "طابور خامس" فعلا. وفي حال انفضح أمره تكون سورية التفت حول "المصيدة" الدولية التي وضعت لها. عملية الالتفاف باتت صعبة ولكنها ليست مستحيلة وخصوصا أن القرار 1636 يتضمن فقرة توضيحية "مرفق خاص" تشرح طبيعة عمل اللجنة التي تألفت من جميع أعضاء المجلس للاضطلاع بالمهمات المنصوص عليها في القرار. فالفقرة التوضيحية قد تتحول إلى "ملاذ آمن" في حال أحسن التعامل معها لأنها تعطي فرصة للبحث والتدقيق في الأسماء مع صلاحيات الرفض أو الموافقة. وهذه الفرصة تتصل بالوقت واحتمال تمديد عمل "لجنة التحقيق" مرات ومرات حتى تنجلي جوانب الحقيقة. القرار الدولي الجديد وضع سورية في دائرة مقفلة وضيق عليها الزوايا لكن "المرفق الخاص" أعطى فرصة للمناورة وفتح الباب أمام احتمال وضع التحقيق الدولي في مساره الصحيح... وصولا إلى كشف الحقيقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1153 - الثلثاء 01 نوفمبر 2005م الموافق 29 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً