العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ

إنفلونزا السياسة في البحرين

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جديد تصدّرت وسائل الإعلام أخبار اكتشاف الأجهزة الأمنية المختصة في البحرين «خلية إرهابية كانت تخطط وتستعد للقيام بأعمال إرهابية في مملكة البحرين وبعض الدول الخليجية، كما تم ضبط أسلحة وذخائر عبارة عن رشاشي كلاشنكوف وصندوقي ذخيرة خاصين بهما، ومسدس ماركة بريتا وصندوق ذخيرة خاص به».

لن نقف على مدى قدرة خلية هنا أو هناك أن تنفذ «مخططا إرهابيا»، فذلك من شأن الأجهزة التي اكتشفت. لكننا سنتوقف عند قضية أهم من ذلك وهي أن مثل هذه الأخبار تأتي ولم يكد يمضي بضع أسابيع على طيّ ملف قضية أمنية أخرى شائكة استغرقت عدة أشهر، من أجهزة السلطة المختلفة، وأطراف المعارضة بكل أطرافها، وكان محورها «ضبط مخطط إرهابي تنوي القيام به مجموعة بحرينية».

ومن يتابع تاريخ البحرين المعاصر يكتشف أنه على امتداد نصف القرن المنصرم، يصعب أن يمر عقد من الزمان على البحرين، دون أن تكتشف السلطات مخططا إرهابيا... فهل المشكلة في المصطلح أو الخطاب المستخدم، أم أن هناك مشكلة أخرى؟

قبل المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك، كان «قانون أمن الدولة» هو «الملجأ» الوحيد الذي «يلوذ به» المتهمون، الذين يمضون فترة تصل إلى خمس سنوات من خيرة سنوات عمرهم، يطلق إثرها سراحهم دون تهمة محددة ضدهم أكثر من «اكتشاف أجهزة أمن الدولة نيتهم القيام بالفتنة».

لا أحد ينكر على جلالة الملك سعة صدره، وكيف في الإمكان إنكار ذلك على من قاد البلاد من ظلمات قانون أمن الدولة إلى فضاء المشروع الإصلاحي الرحب، بما أفرزه ذلك من ميثاق عمل وطني، ودستور. لكن، وعلينا ان نحذر منقوى ربما يصعب عليها أن تعيش في النور، وتصر على أن تمارس أنشطتها في الظلمات كي تتمكن من شد البلاد نحو الخلف، وتفريغ المشروع الإصلاحي من محتواه.

ان الإعلان المتكرر عن «اكتشاف المؤامرات»، ووضع اليد على «خلايا إرهابية» تخطط للقيام بأعمال «تخريبية» تتجاوز البحرين في بعض الأحيان كي تصل إلى بلدان خليجية مجاورة، كلها تصريحات تستدعي التأمل والتفكير. ليس هناك أسهل من إطلاق التهم، التي تُدخل البلاد في دوامة سياسية تتصارع فيها أطراف مختلفة بين من يحاول أن يثبت تلك التهم، أو من يبذل أقصى جهده من أجل نفيها، وتبرئة من ألصقت بهم.

وكما يبدو فإن هذه الاكتشافات تحولت إلى ظاهرة تتميز بها البحرين. هذه الحالة البحرينية تجعل من شعب البحرين بؤرة مناسبة لإفراز ونشر فيروسات أوبئة «تخريبية» سياسية، وقد يؤدي تكرار مصطلحات خطيرة من هذا النوع الى الصاق خصلة بالمواطن البحريني ليست من خصاله، والتي هي «الإرهاب» شأنه في ذلك شأن الانفلونزا التي تنشرها الطيور أو الخنازير.

هذا «الفيروس البحريني» له تأثيرات وبائية سياسية واقتصادية خطيرة على البلاد ومستقبلها يمكن حصرها في نقطتين أساسيتين هما:

1. بث شعور بعدم الاستقرار السياسي؛ إذ يبقى حبل التأزم السياسي ممتدا على أشده ، بوعي أو بدون وعي، والسلطات قد تجد نفسها مضطرة بين الحين والآخر، ومن أجل إثبات قوة وجودها وإحكام قبضتها على سير الأمور... وقد تجد نفسها مضطرة إلى البحث عن سبب أو مبرر يبيح لها الإقدام على إجراءات من شأنها، من وجهة نظر أجهزة السلطة، بث الخوف في صفوف المواطن، كي يدع التفكير في تصعيد أشكال معارضته، أو تطوير قائمة مطالبه. مقابل ذلك، يسود المواطن سلوك يدفعه إلى افتعال معارك سياسية وهمية كي يحسس أجهزة السلطة بنشاطه ويجعلها في حالة تأهب كامل. محصلة ذلك حالة تأزم مستمرة تقود إلى عدم استقرار، تكون محصلتها الطبيعية انحراف أجهزة الدولة عن قيامها بدورها الصحيح الملقى على عاتقها، بما في ذلك الواجبات الأمنية، وانخراط المواطن في أنشطة سياسية هامشية تستنزف قواه وتحرفه عن أهدافه الاستراتيجية نحو أهداف مرحلية، محدودة الأفق، ضيقة النظر.

2. الركود الاقتصادي، فالحديث المتكرر عن وجود «خلايا إرهابية»، تكون نتيجته المنطقية، أن البحرين تربة خصبة للأعمال الإرهابية، نظرا إلى توطن «فيروس الإرهاب» في سلوك مواطنيها، الأمر الذي من شأنه تخويف الاستثمارات الأجنبية، التي لا تجد ما يغريها بالاستثمار فيها، وما هو أسوأ من ذلك، أن الاستثمارات الوطنية ذاتها تشرع في البحث عن شطآن أمان بعيدة عن مصادر «الإرهاب» والقلاقل التي تتولد عنها. كل ذلك يقود إلى حالة فراغ استثماري ينجم عنه ركود اقتصادي يولد بشكل تلقائي كل أمراض الأخرى من ارتفاع نسب البطالة، وتراجع النمو، وجميعها من العوامل المحفزة لكل أشكال التخريب التي تعلن عنها الأجهزة وتقول ان بوسعها أن تضع حدّا لها، من خلال الإعلان بين الفينة والأخرى عن مثل تلك الخلايا.

محاربة «الاتفلونزا البحرينية» هذه ليست بالأمر المستحيل، بل وليس الصعب. بل إن الدواء في متناول اليد، والخطوة الأولى على طريق الوصول له هو تعزيز حضور القوانين والأنظمة وتمسك الجميع بها وحرصهم على تفعيلها. الأمر هنا لا يقف عند بعض السلوكيات ذات الطابع الإعلامي، بقدر ما هو برنامج وطني، يلتزم به الجميع، مواطنين أم أجهزة دولة. جينها لن تجد التي يحلو لها أن تنشط في الظلام، العتمة التي تسترها، وسيعمل الجميع في العلن، والمستفيد من وراء ذلك كله المواطن البحريني الذي يبحث عن شطآن الأمان وأكره ما يكره اللجوء إلى العنف الذي هو تهمة ألصقت به ظلما.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً