العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ

المجتمع الدولي لا يجرؤ على كبح جماح «إسرائيل»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين المحتلة، تدور محركات الجرافات الإسرائيلية مجددا، استعدادا لهدم عشرات المنازل الفلسطينية في قلب القدس، ويتزامن ذلك مع تسارع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، والذي سيتيح الفرصة -عبر قرارات الضم الجديدة لآلاف الهكتارات من الأراضي المحتلة - لزيادة 35 ألف نسمة إلى المستوطنات الكبرى، وسيؤدّي إلى شطر الضفة الغربية إلى شطرين شمالي وجنوبي، ويمهّد لفرز جديد يُسقط ميدانيا ما يسمّى مشروع الدولة الفلسطينية القابلة للحياة...

وبين عمليات الهدم المتواصلة في القدس، وتطويقها بالمستوطنات، وقضم المزيد من أراضي الضفة، تهوي السلطة الفلسطينية ومعها مشروع الدولة واقعيا، فيما تعلن الإدارة الأميركية عن إرسال المزيد من المدرّبين الأمنيين إلى هذه السلطة لإعطاء الدروس في كيفية التصدي الأمني للمقاومة... في الوقت الذي يكفّ الاتحاد الأوروبي عن الحديث عن هذا الزحف الاستيطاني الذي يوشك أن يغيِّر الخريطة الفلسطينية كلها، ولا تنطلق إلا بضعة كلمات خجولة من فرنسا تتحدث عن أن العمليات الاستيطانية الجديدة مثيرة للقلق. أما ما يسمّى المجتمع الدولي الذي لم يستخدم كلمة واحدة تدعو إلى وقف الاستيطان، فقد كفّ حتى عن استخدام تعبيراته السابقة التي يطالب فيها بتجميد الاستيطان، حيث لا يجرؤ أحدٌ على دعوة «إسرائيل» إلى وقف أيّ مشروع من المشاريع التي باشرت بتنفيذها، فيما تتعالى الأصوات الغربية التي تدعو العرب والمسلمين إلى التخلّي عن أي مشروع يرى فيه الغرب تهديدا للعدو ولو بعد عشرات السنين.

ومن الطريف أن كيان العدو الذي قام قبل سنوات بمناورات عسكرية مشتركة مع تركيا وأميركا، في نطاق التخطيط لاستهداف التجربة العسكرية الإيرانية، يبدي في هذه الأيام انزعاجه من المناورة التركية - السورية الأخيرة، ويعتبرها تطورا مقلقا... وخصوصا بعد الموقف التركي الحاسم والرافض للعدوان الإسرائيلي على غزة، وهو الموقف الذي لم يعرف العرب كيفية استغلاله، ولم يحرّكوا ساكنا لاجتذاب تركيا إلى حضنها الإسلامي الدافئ، للاستفادة من موقعها الاستراتيجي المؤثِّر في المنطقة لحساب قضاياهم، تماما كما فعلوا مع إيران، وقد كان من اللافت أن يعبّر أحد الكتّاب والمحللين العرب عن أن «الدولتين اللتين تمثلان الصفوية والعثمانية، وكانت لهما مشاكل كبيرة مع العرب، تحتضنان قضيتهم وتدافعان عنهم»، بخلاف ما يتحرك به العرب في مواقعهم الرسمية.

وفي مشهد عربي آخر، تتوالى المهزلة في مسألة معاقبة المجاهدين الذين عملوا على تهريب السلاح إلى غزة، ليدخل على خطها عاملٌ جديد يتمثل بالأمم المتحدة، حيث يطير مبعوث الأمين العام لمراقبة القرار 1559 «لارسن» إلى القاهرة لإثارة القضية، ودفعها إلى التّفاعل من جديد، من خلال إعلانه بأن المسألة تمثل «ظاهرة خطيرة» وتمسّ بسيادة الأراضي المصرية.

ونحن نتساءل عمّا إذا كان دور الأمم المتحدة هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو افتعال المشاكل بين الدول والمجموعات السياسية، ولماذا لا تكون المنظمة الدولية حريصة على سيادة الأراضي السورية التي اخترقتها طائرات العدو لتقصف إحدى المنشآت في «دير الزور»، كما اعتدت عليها الطائرات الأميركية لتغتال الفلاّحين والعمّال في «البوكمال»؟ ولماذا لا تكون الأمم المتحدة حريصة على سيادة السودان التي تنتهكها الطائرات الإسرائيلية فتقصف أهدافا في البحر وفي منطقة «بورسودان»... ولماذا لا تحرّك ساكنا أمام هذه الاستباحة الإسرائيلية للأجواء اللبنانية يوميا، وأمام استباحة العدوّ الأمنية للساحة اللبنانية، في شبكاته الاستخبارية العاملة على العبث بالأمن اللبناني الداخلي؟!... أم أن للأمم المتحدة أيضا أجندتها الإسرائيلية؟!...

إننا، وأمام هذا الموقف الغريب للأمم المتحدة، والذي يرتقي إلى مستوى التحريض وإثارة القلاقل بين العرب، وخصوصا في حركة «لارسن» المعروف بإخلاصه لـ «إسرائيل»، وانتمائه لها على حساب الأمم المتحدة نفسها، ندعو المنظمة الدولية لإخراج نفسها من هذا المأزق الذي حشرت نفسها به، وكادت أن تتحوّل إلى موقع يعمل من خلال التخطيط والتوجيه الإسرائيلي؛ لأن المسألة ترقى إلى مستوى الكارثة التي ينبغي تداركها قبل أن تنعكس نتائجها على غير صعيد في المنطقة التي تقف على حافة اللهب، والتي تحتاج إلى من يطفئ نيرانها لا إلى من يُشعل الملفات لحساب المحتلين والطغاة.

أما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي طافت المنطقة في الأسبوع الفائت، فلم تخرج - في تصريحاتها ومواقفها - قيد أنملة عن سياسات إدارة بوش، وخصوصا لجهة إعلانها عن أن إدارتها لن تتعامل مع أية حكومة فلسطينية تضم حركة حماس، ولا تلتزم بشروط الرباعية، ومن بينها نبذ العنف والاعتراف بالعدو، فهي تريد من الفلسطينيين أن يلقوا السلاح وينزلوا عند شروط المحتلّ، حتى دون إقرار العدوّ بحلّ الدولتين أو اعترافه بالشّعب الفلسطيني، أو خضوعه للقرارات الدولية في إزالة المستوطنات والجدار العازل، لأنّه يراد أن تبقى «إسرائيل» خارج نطاق أي التزام حيال قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، كما يراد لها أن تستخدم كل أساليب العنف والإرهاب والمجازر فيما هو عنف الكيان الوحشي الذي تجلّى في الحرب على لبنان وعلى غزة، من دون أن يطالبها أحد بنبذ العنف أو أن يجرؤ أحد على محاسبتها...

إن أميركا الإسرائيلية لا تزال على حالها، مع إضافة جرعة جديدة فيما هو الخطاب السياسي الذي يستهدف إعادة الثقة العالمية بها، ولا تزال تتطلّع إلى تكريس زعامتها الإمبراطورية على العالم، وإن كان الثمن سحق شعوبٍ بأكملها، وإسقاط منظومة حقوق الإنسان كلها، وتدمير السلم العالمي كله على مذبح مصالحها ومصالح العدو. ولذلك فإننا نريد للعرب وللبنانيين ألا ينخدعوا أمام الوعود الأميركية؛ لأن ما تحمله وزيرة الخارجية الحالية لن يختلف في العمق عما كانت تحمله «رايس» التي ملأت الدنيا ضجيجا بالحديث عن المخاض الجديد للشرق الأوسط الذي كان ثمنه تدمير لبنان وغزة، وعن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، ثم ذهبت مع إدارتها ومشروعها إلى حيث لا عودة.

أما في لبنان، فقد مرّت جلسة الحوار الوطني من دون أن يصل الحاضرون إلى أية نتيجة في خلافاتهم المزمنة، وفي مسألة الاستراتيجية الدفاعية التي تفرض عليهم أن يفكّروا في الوسائل الواقعية لتقوية الجيش الوطني والأجهزة الأمنية المسئولة عن الأمن الداخلي، لأن الظروف الصعبة المحيطة بالبلد داخليا وخارجيا، تحتاج إلى صنع القوة القادرة على حمايته من الخارج كما من الداخل...

ولكن المتحاورين جهدوا على أن يبرزوا كشخصيات حضارية منفتحة بعضها على بعض، وحريصة على التهدئة، وإن كان حديث الصالونات الخاصة يختلف عن أحاديث اللقاءات العامة التي تنطلق فيها المواقف السياسية التخوينية والتحريضية التي تدفع بالتابعين والأصحاب والمقرّبين إلى الاستفادة من الخطاب السياسي المتوتر بافتعال المشاكل، والانخراط في عمليات الاعتداء، والإساءة إلى السلم الأهلي على مختلف المستويات، بما يجعل الساحة الداخلية تهتز لمجرد أن تنطلق الصافرة مع بداية هذه المباريات الرياضية أو عند نهايتها، وكأن الصافرة السياسية والعصبية هي التي تحدد مسار الأمور في لبنان، حتى تلك التي لها طابعها الرياضي الصرف.

إننا نقول للمتحاورين: إنه لمن الجميل أن تبرزوا بشخصيتكم الانفتاحية في اللقاءات الحوارية الداخلية، ولكن من الأجمل أن ينعكس ذلك على القاعدة الشعبية التي تتثقّف بخطابكم الانفعالي تارة، وبما تسرّونه لها من كلمات تثير العصبية تارة أخرى، وماذا ينفع بعدها أن تتحدثوا عن التهدئة، وأن تعقدوا لقاءات الحوار التي تملأ الفراغ السياسي في الزمن الضائع على مستوى لبنان والمنطقة.

وإننا، أمام مناسبة خروج الضباط الأربعة الى الحرية، ندعو اللبنانيين الى العمل للحفاظ على وحدتهم وتماسك ساحتهم الداخلية، وعدم الانجرار وراء أية انفعالات قد تنطلق من هنا وهناك، وندعو الدولة بمؤسساتها المعنية الى وقفة تأمل تقود الى مراجعة حقيقية على جميع المستويات، حيث لا يمكن وضع ما جرى في دائرة السجال السياسي الذي يتحرك بين هذا الفريق أو ذاك؛ لأن المسألة تطاول ركنا أساسيا من أركان الدولة والكيان، والذي لا يمكن للبلد أن يستمر من دون ترميمه وإصلاحه.

كما نريد للبنانيين، من كل الفئات والتيارات، أن يتواضعوا في أحلامهم أمام مسألة المحاكم الدولية والقضاء الدولي؛ لأن التجارب العربية والإسلامية مع هذه المحاكم ومع هذا القضاء تختزن أكثر من مرارة فيما هي المصداقية التي قد تتحرك تارة بفعل ظروف ضاغطة، وتختفي أخرى بفعل حالات طاردة... ولذلك فليست المسألة في أن نمحض هذا القضاء ثقة مطلقة أو نسلب منه إمكانية الصدق، بل أن نبقى مع قضايانا ونحفظ بلدنا؛ لأن ثبات الموقف فيما يتصل بقضايا الوطن والأمة هو الذي يعيد المسألة برمتها إلى دائرة الحقيقة، ويبعدها عن حالات المسخ والاختزال.

إننا نريد للبنانيين جميعا أن يخرجوا من دائرة الاتهام السياسي وغير السياسي؛ لأن المسألة هنا وهناك قد تُستغل لاستصدار أحكام على أساس الاتهام الذي قد ينطلق من دون دليل... إننا نريد للجميع أن يخرجوا من هذه التجاذبات التي تُحدث اهتزازا في البلد ولا تخدم العدالة في أيّ وجه من وجوهها.

أما الانتخابات النيابية، فقد تحدثت صحيفة أميركية عن أن هذه الانتخابات هي الأغلى في التاريخ لأن بعض الدول تصرف مئات الملايين من الدولارات من أجل إنجاح فريقها السياسي، والسؤال هو: هل إن هذه الملايين سوف تحل الأزمة المعيشية للمواطنين عندما تدخل الأصوات في سوق المزاد؟ إلى ذلك، فإننا نلاحظ أن بعض التسويات التحالفية التي يجري التوصل إليها لا يبحث أصحابها عن الكفاءة السياسية والمعرفة القانونية، بل عن الحجم الذي يملكه هذا الشخص الذي يدخل في داخل الائتلاف من الأصوات التي تدخل في الصناديق... ثم يحدثونك عن الديمقراطية في لبنان!! أما إذا أطلقت مشروع الديمقراطية التوافقية، فإن البعض يهاجم الفكرة لأنها لا تتوافق مع الإرادة الشعبية المنتخبة على قاعدة الأكثرية والأقلية في عملية الديمقراطية... وإذا طالبتهم على هذا الأساس بالديمقراطية العددية التي تتحرك في الالتزام بالاستفتاء الشعبي، فهناك الويل والثبور وعظائم الأمور، لأنها تسيء إلى مسألة التعايش عندما تملك طائفة أعدادا من الناس أكثر من طائفة أخرى...

ولذلك، فإن الديمقراطية اللبنانية تبقى ديمقراطية عجائبية تستوعب ما لا يُستوعب من إملاءات الخارج، وتضيق بشعبها في الداخل، وتستمر لغزا غير قابل للحل وعقدة عصيّة على الحلحلة، لأنه يراد للبلد أن يستمر في الدور المرسوم له، ليكون عبئا على أهل الطموح، وفخا لطلاب الحرية والعزة والكرامة.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً