العدد 1194 - الإثنين 12 ديسمبر 2005م الموافق 11 ذي القعدة 1426هـ

العرب والعنتريات التي ما قتلت ذبابة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الملح فوق شفاهنا والجرح كبير. دعيت إلى كلمة في جامعة البحرين وتحدثت فيها بمحاور عن سر تطور الغرب وتخلف العرب. وتلك حقيقة ­ بلا شعوبية ­ ان العقل السياسي العربي يعاني من ترهل زائد ويحتاج إلى رجيم حاد في العنتريات التي ما قتلت ذبابة. وطننا العربي وطن الانقلابات وعسكرة السلطة والعواطف أيضاً. الإسلاميون يمتلكون قدرة على تحشيد الجماهير لكنهم لم يستطيعوا تحويل هذه الجماهير إلى برامج عملية ولو من اجل الوصول إلى الخبز ومازالوا يعيشون على أحلام الاندلس والعهد الذهبي للعباسيين. صراخ يتلوه صراخ وهكذا هي العملية ما طرحه عنترة بن شداد في المبالغات الخرافية من استعراض العضلات على طريقة (السقوط على أسوار بغداد) نطرحه في السياسة. أخطاء الحركات القومية والاشتراكية نكررها الآن بصورة أخرى والشيوعيون عندما خرج كوربتشوف بنقده لهم عبر البروستريكا القيت عليه الحجارة لأن الأحزاب لا تحب النقد خوف كشف المخبوء من الأخطاء، ولا يحبون تغيير قناعاتهم الخائبة وقديماً قيل: الأغبياء وحدهم هم الذين لا يغيرون أفكارهم. يتغير العالم وتتغير توازناته والشعارات هي هي والأفكار كجدوع النخل لا يحركها شيء. من من حركاتنا امتلكت جرأة مراجعة حساباتها وخطابها إسلامية أو شيوعية أو قومية؟ كل حركاتنا ملائكية، وعلى رغم الأخطاء السياسية مازالت تكرر العبائر ذاتها. كم محرقة خاسرة دخلتها أحزابنا العربية إلى الآن نتيجة سوء تقدير الموقف؟ إلى الآن هناك شيوعيون لم يخرجوا من صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي ويفكرون في رجوعه وينظر له ولعودته تماماً كوهم عدم التصديق بسقوط سور برلين أو سقوط الطالبان، والقوميون مازالوا ينتظرون تولى صدام للسلطة وعودة البعثيين للحكم والإسلاميون ينتظرون عودة الخلافة العثمانية وتحرير الغرب من كفره وتحويل العالم إلى دار سلام بعد ان كان دار حرب ودار سلام... وهكذا دواليك أوهام في أوهام والأجر على الله ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، بتطبيق مبسط مسطح لهذه القاعدة الجميلة، ليس مهماً كم شخصاً سيموت كم شخصاً سيقتل كم شخصاً سيسجن مادام هناك دلاء من الأجور المنتظرة، كل البيوتات الإسلامية عصية على النقد من سلفية وشيعية وسنية الا ما رحم ربي. والويل لمن ينتقد لأجل البناء ولو كان نقداً حريرياً لأن جلد المثقفين ورجال الدين أنعم من ان يلامسه النقد الجميل. السر في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا أطول من قامتنا. حياتنا قائمة على الارتجال والبركة من حكومات ومعارضات، لا تخطيط ولا تنمية واقعية معرفية مدروسة والدليل ان ما تبنيه الحكومة الحالية أو الوزير الحالي تهدمه بمشروعات جديدة الحكومة الجديدة أو الوزير الجديد ليثبت ذاته والمواطنون الغلابة يدفعون الثمن، سؤال مهم: كم جيفارا نخرج ­ كعرب ­ في العام الواحد بل في الشهر الواحد؟ وهذه الجماهير المسكينة ­ ضحية الفساد الإداري والمالى والواقع الاقتصادي الخانق تذهب ضحية الاوهام ­ تدفع ثمن هذه التناقضات. كم جيفارا يخرج علينا عبر القنوات بعضلات عنترية ليبيعنا الوهم ونذهب بلا وعي لنصفق له في الساحات العامة تماما كمثل اولئك الأغبياء الذين يرددون للشاعر في المناسبات العامة أحسنت أحسنت وهم لم يفهموا بيتاً واحداً من شعره وما أسهل صناعة الأبطال من التمر في العالم العربي وفي الوقت ذاته ما أسهل سقوطهم انهم مثل التمر نأكله إذا جعنا. لقد تحولت فلسطين إلى (دجاجة من بيضها الثمين يأكلون وقميص عثمان الذي به يتاجرون) نحن نعيش شعوذة سياسية و(جيفاراتنا) كل منهم يمتلكون بلورات سحرية، لكنها للأسف بلاستيكية تزيدنا والفقراء الماً على الالم وجرحاً على الجرح. نحن لسنا مختلفين على ضرورة الخبز أو الشفافية أو الرقابة في العالم العربي فكاذب من يقول ان بطن الجائع بطن مستقر فهؤلاء الجوعى ابناؤنا من حقهم علينا الترافع عن آلامهم لكن السؤال أي الطرق هي الأنسب والأسلم وطنياً وشرعاً ومنطقياً؟ المشكلة ان الكثير اختبئوا تحت اللحاف مخافة الإدانة أو التشهير على رغم ان التداعيات ستقع على الجميع، وهكذا في كل محطة تاريخيه قدرنا هو الهواء فلا ظهر ركب ولا ضرع حلب، ذلك لأننا لا نرضى بدور غير ادوار البطولة ولو كانت البطولة مزيداً من الآلام والأوجاع ولأن عقلنا ­ حكومات وشعوب ­ عقل تبريري لا نقدي سنضفي على المآسي الوان التبرير وسنحولها إلى (تابو) لا يتحمل المس أو النقد كحالنا أمام أية كارثة فزلزال كارثة وهزيمة 67 اسميناها نكسة أي خففناها وجعلناها (لايت كارثة). الحرب العراقية الإيرانية جعلنا منها الطريق إلى الجنة، غزو العراق للكويت بررناه وخرج جمهور عربي يصفق للفتح الجديد في انفصام حاد، إذ في الظهر فلسطين تذبح، قتل الحريري بحثنا له عن ضحية جديدة لأننا كعرب لا نتقن الاغتيالات ومسالمين على رغم ان مخابراتنا العربية ما قصرت فعدد ما قتل من العرب على أيدي العرب أكثر مما قتل من قبل الأجانب والواحد منا لو طلق زوجته سيكتشف ان الغرب الكافر وراء الطلاق، الغرب له دور مأسوي في بعض حياتنا، لكننا نحن أيضاً لنا دور فلننقد ذاتنا. والتمييز العنصري يمارسه العرب ضد بعضهم أكثر من الذي مارسه البيض ضد السود في جنوب إفريقيا وانظر للوزارات العربية الأقباط مثالاً حياً لذلك. الشوفينية تلعب في ذاكرتنا والنظرة النمطية حاضرة في التوصيف. والعقل دائماً في ثلاجة الآخر على الطريقة الجاهلية (إذا غضب غضب معه ألف سيف لا يسألونه فيما غضب) ونرجسينا هرموناتها في زيادة وانظر كوارث العنف وسفه ادعاء الحقيقة تماماً كما كانت نرجسية عمر بن كلثوم: ونشرب ان وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا إذا بلغ الفطام بنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا ومن قبل 1400 سنه ونحن في نرجسيتنا. كل العالم غبي متخلف سينهار إلا نحن. لذلك تقدموا وتخلفنا.

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1194 - الإثنين 12 ديسمبر 2005م الموافق 11 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً