لا أعتقد أن بإمكاني الخوض في مناقشة الفتاوى التي تخص تنظيم الأحكام الأسرية أو حتى غيرها، وليس الدافع الخوف أو الوجل في ذلك، لكنما هو تركي لعقلي أن يتحرك في النظر والفحص فيما هو موقعي الذي يسمح لي بأن أخوض في هذا الشأن أو أمتنع عن الخوض، لأنني أدرك تماماً أن لي قدراً من العلم وقدراً من الفهم يحددان المواقع التي يمكن لعقلي أن يتحرك فيها والمواقع التي يجب أن يمتنع عن التحرك فيها لعدم القدرة على ذلك. وهذا الإدراك يجعلني في حال فهم تام أنه ليس لي أن أناقش الطبيب فيما وصف لي من دواء، وفيما هي نتائج فحصه لي في حال مراجعتي له وأنا أشكو من مرض ما، حتى يكون لي رأيي الخاص ووصفي الخاص أو نتائج فحصي الخاصة في قبال ما توصل إليه الطبيب لأن ذلك اختصاصه هو وليس باختصاصي، هذا الفهم ينعكس تماماً على الامتناع عن مناقشتي للعلماء في فتاواهم لعدم اختصاصي في الأمر، إنما هو اختصاصهم. «هذه الحال التي نعيشها هي نفسها التي كان يعيشها الإنسان قبل نصف قرن أو قبل عشرة قرون في مراجعته للحكيم (الطبيب) وهي باقية لم تتغير بتغير الزمن». أعتقد أن هذا هو إعمال العقل عينه، وليس القبول لإعمال العقل فحسب، ومن إعمال العقل أنّ لكل جماعة ما قائداً هم يختارونه على ثقة تامة بأنه الأصلح لقيادتهم، وليس من العقل ألا يستجيبون لدعوته حين يدعوهم للدفاع عن مصالحهم أو قيمهم أو دينهم، سواء كان هذا القائد سياسياً أو رجل دين، وإن تلبية جميع الذين حضروا «مسيرة الأربعاء» هي من صميم ذلك، فهم على ثقة تامة بصوابية ما دعا إليه المجلس العلمائي، ولذلك هم لبوا ما دعوا إليه. ولي الحق في أن أحكِّم العقل وأن أثير بعض الأسئلة: لماذا استخدم لفظ «تحشيد الناس» في توصيف مسيرة الأربعاء ولم يستخدم لفظ «التعبير عن الرأي» أو «إيصال صوت المتظاهرين»؟ لماذا قيل «إرهاب الحلال والحرام» وليس «تنظيم الحلال والحرام لحياة الإنسان»؟ لماذا التأكيد دوماً أن العلماء ضد التقنين وليسوا مع التقنين؟ لكن بضمانة دستورية دائمة. لماذا ترك النص الديني للفقهاء هو محاولة تجريد الإنسان من منحة عظيمة وهي العقل والتفكير، وليس إقراراً باختصاص الفقهاء؟ هذه الاسئلة نابعة من نعمة العقل التي أُعطيناها، وهي تعبير عن كيفية التفكير بواسطتها، وليس المطلوب منا أن نستخدمها في تضليل الناس ومحاولة التشويش على عقولهم وإخفاء الحقيقة. وأتساءل هنا: لو كانت الجموع التي شاركت في «مسيرة الأربعاء» بكمها شاركت في مسيرة مؤيدة للتقنين كالتي نُظمت من قبل الذين اعتصموا في يوم الأربعاء، أو من قبل المجلس الأعلى للمرأة، أتوصف بما نالها من أوصاف؟ أعتقد أننا لو تركنا الأمر للذين يدّعون استخدام العقل وتفعيله لأدخلونا في متاهات دعاواهم ولربما أوصلونا إلى أن للمثليين حق الاقتران، بحجة أننا بحاجة إلى النظر في متطلبات أولئك الناس وحاجاتهم العصرية وإلى مواءمة قانون الأحكام الأسرية مع تلك المتطلبات، وها هي إحداهن توصلت بحسب فهمها إلى رأي يقول: إن الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة يجب أن تكون أرملة وليست عذراء، أو ليست هذه أضحوكة؟!
سيدعلي سلمان
العدد 1208 - الإثنين 26 ديسمبر 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1426هـ