العدد 2996 - الخميس 18 نوفمبر 2010م الموافق 12 ذي الحجة 1431هـ

الوسطية في الاستقرار السياسي (3)

سعد الدين العثماني open [at] alwasatnews.com

- علاقة متوازنة مع الأنظمة:

يتبنى التيار الوسطي منهج المشاركة في مؤسسات المجتمع، وخصوصاً في المؤسسات السياسية. كما يتبنى الإصلاح وفق الآليات الديمقراطية والنضال السلمي، ويعمل على توسيع دائرة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية. كما ينبذ التيار الوسطي العنف ولا يقبل بالنضال السلمي السياسي والاجتماعي بديلاً.

وقد تميزت العلاقات بين الأنظمة والمجتمعات وبين الأنظمة والحركات السياسية في كثير من فترات تاريخنا المعاصر بالتوتر، وأحياناً بالصدام. وأدى ذلك إلى حالات من عدم الاستقرار ومن العنف والعنف المضاد، أهدرت فيه أموال وجهود وأرواح دون طائل. ثم تبين أن الخاسر الأكبر في كل تلك المعارك هو الأوطان والشعوب. وكان الأولى أن تصرف كل تلك الجهود للبناء والتنمية والإصلاح. وفي المقابل وجدت حركات ذابت في الأنظمة واستسلمت لإملاءاتها، ولم تفرز برامج إصلاح مستقلة قادرة على التأثير بفاعلية في إصلاح الأوضاع.

والطريق الوسط هو أن تكون الحركات السياسية مستقلة في توجهاتها، قوية في مبادئها وبرامجها، معارضة للسياسات الخاطئة، منحازة إلى المصالح الحقيقية المشروعة لأوسع الفئات الشعبية وللمصالح الوطنية والقومية، وفي المقابل تكون مرنة في تنزيل برامجها، حريصة على الأمن العام وعلى الاستقرار، خطها الأحمر في ذلك مصلحة الأوطان وأمنها، تاركة قنوات الحوار والتعاون مفتوحة مع الجميع فيما هو مشترك وصالح عام.

ولا يعني المنهج الوسطي التخلي عن خيار المقاومة ضد الاستعمار أو الاحتلال، كما لا يعني الاستسلام لهيمنة القوى العالمية المناهضة لخيارات استقلال الشعوب. فالخنوع لم يكن قط إلا إفراطاً في الحقوق وتضييعاً لها.

3 - التغيير بالتدرج لا بالطفرات:

يعد تبني التدرج في تنزيل المشروع الإصلاحي سمة بارزة للتيار الوسطي. وهو جزء أصيل من منهج الإسلام في معالجة اختلالات الواقع. ذلك أن تطور الواقع من حالة مثقلة بالتخلف إلى واقع اجتماعي حيوي مشبع بالقيم الدينية السليمة وبالقيم الحديثة، يتطلب أمرين اثنين على الأقل هما:

- الانتقال التدريجي نحو القيم المرادة، دون قطائع أو هزات.

-الحفاظ على التوازن بين القيم الحديثة والقيم الإسلامية، فلا يقع الميل المفقد الهوية والذاتية الحضارية.

وكل حركات الإصلاح التي استعجلت التغيير، ولجأت إلى أساليب منافية لمنطق التدرج بتجاوز المراحل والقفز عليها وعلى معطيات الواقع، باء مشروعها بالفشل، لأن السلطة الحقيقية ليست بالتسلط على الناس وإنما بإقناعهم وكسب قلوبهم.

4 - حل النزاعات داخل المجتمعات دون عنف:

يؤدي كل من الغلو والتشدد إلى الكثير من التأثيرات السلبية الفردية والجماعية تزداد حدتها على قدر حدة ذلك الغلو والتشدد، وتؤجج العنف والنزاعات المختلفة.

- فعلى المستوى الفردي يكون الشخص المتشدد عرضة للارتباك وسوء التوافق، أما التوازن والاعتدال فيؤديان إلى التوافق النفسي والاستقرار والشعور بالأمن، وبالتالي الميل إلى سلوك الوسائل السلمية لتسوية النزاعات وقلة الميل إلى الأساليب العنيفة.

- وعلى المستوى الجماعي تعتبر الوسطية معينة على تفادي النزاعات وعلى حلها وتجاوزها بأقل الخسائر، كما تفيد في احتواء السلوكيات الجماعية المتشددة، والتي هي مدمرة في كثير من الأحيان.علاوةً على أن هذا الميل الوسطي مصلحة اجتماعية واقتصادية وسياسية تشيع الطمأنينة والفاعلية والحماس للعمل والإنتاج وتعمق الثقة بين الفاعلين. والسر في ذلك هو أن الوسطية تسهل التفاوض والتسويات وبلورة حلول توافقية لجملة من المشكلات المستعصية والقضايا العالقة، وتمكن بالتالي من حل النزاعات داخل مجتمعاتها سلميّاً دون عنف.

وينعكس الانحراف عن الوسطية على مختلف مستويات وصيغ الاجتماع البشري اضطرابات وأنواعاً من القلق يمكن أن تذهب بالاستقرار وتزرع الفتن والمخاوف. وهذا قد يثير ردود الأفعال ويضيف انفعالاً إلى انفعال وتطرفاً إلى تطرف، وفي بعض الأحيان عنفاً إلى عنف.

وبعد...

ليس المقصود في هذا المقال التوقف عند جميع التأثيرات الإيجابية للوسطية على الوضع الاجتماعي والسياسي، ولكن المهم هو إدراك حاجة العصر وحاجة وضع الأمة الإسلامية إلى الوسطية لتحقيق نهضتها وتنميتها. فلا تنمية بدون استقرار، ولا استقرار بدون وسطية. وإن من واجبات المسلمين اليوم إبراز وسطية الإسلام ترشيداً للفهم والممارسة، ومعالجة مختلف تشوهاتهما.

إقرأ أيضا لـ "سعد الدين العثماني"

العدد 2996 - الخميس 18 نوفمبر 2010م الموافق 12 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً