العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ

الإيرانيون والغربيون وبيادق الشطرنج السويسري

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوع من الآن كانت مدينة جنيف (جنوب غرب سويسرا) تشهد اجتماعاً مهماً. مفاوضون من إيران، ومثيلهم من ست دول هي الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين وألمانيا، ومعهم مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون. الموضوع المُنَاقَش بينهم هو البرنامج النووي الإيراني الذي يُتَفَاوض عليه منذ أزيد من سبعة أعوام.

النقطة التي وَدَدتُّ إثارتها في مقال اليوم هي حول الملابسات المُحيطة بالاجتماع والتي بيَّنَت أنه خَضَعَ لثلاثة مستويات من الحديث، ومن وجهات للنظر ووجهات النظر المُضادة سواء أكانَت تعكس رؤية الجانب الإيراني أو دول 5 + 1 إن أكانت مُتَّحِدة أم مُتفرّقة الرأي حيال ما يجري.

الأول هو المُعلَن منذ ما قبل إجراء المفاوضات سواء من الجانب الإيراني أو الغربي، والثاني ما قَنَصَهُ الصحافيون من فلتات للسان أو حتى إيماءات وإشارات من المسئولين، والثالث ما سُرِّبَ عنه سواء من أشخاص كاشفين لهويتهم أو متسترين عليها خوفاً من ردات فعل قد تصدر ضدهم. المستويات الثلاثة أظهرت تباعداً في هوامش الموضوع، وتغايراً في أصله أحياناً.

ما يهُم من تلك المستويات بالنسبة لي هو المُتغاير منها. وخصوصاً أنها تسبق اجتماعاً تكميلياً لذات الموضوع المُتفاوَض عليه بينهم سيُعقد في مدينة اسطنبول التركية (شمال غرب) نهاية شهر يناير القادم. وبعضها لايزال مُحيِّراً ويحتاج إلى تفسيرات مُحدّدة وصريحة.

المُتغاير الأول: أن المتفاوضين لم يُناقِشوا موضوع إخراج اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب بدرجة 3.5 إلى روسيا وفرنسا للحصول على وقود مُخصَّب بنسبة 19.75 يُستخدَم في مفاعل طهران النووي وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية, وبهدف معالجة 800 ألف إيراني يعانون من أورام سرطانية. وهو أمر غير مفهوم لحد الآن وخصوصاً أنه كان لبّ الخلاف بين الطرفين، والذي أدّى إلى صدور قرار أممي وإلى تسوية برازيلية - تركيّة للموضوع.

فهل أن الغرب تجاوز ذلك وقَبِلَ بالاعتراض الإيراني حول انقلاب معادلة التبادل القاضية بحاجة إيران إلى 116 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 19.75 في المئة وهي كمّية تتطلّب 800 كيلوغرام من يورانيوم مُخصّب بنسبة 3.5 في المئة، في حين أن الغرب يطلب 1200 كيلوغرام، أي بزيادة 400 كيلوغرام عن الكمية الأصلية، أم أن الغرب رَفَعَ من سقف مطالبه دون أن يكشف عنها، أو أنه أجَّلها إلى اجتماع اسطنبول رغم عدم وجود جدول أعمال له!

أقصى ما قِيْل في هذا الشأن وبشكل غير رسمي ولا من جِهة معروفة (سوى أنها فرنسية اللسان) أن مناقشة هذا الموضوع يتطلّب إجابة إيرانية لتساؤلات 5 + 1 «التسعة» عن عرضها المضاد الذي قدمته للغرب، وعن الزيادة الطَّنِّيَّة في اليورانيوم الخاص بها (ثلاثة أطنان) والتي زادت عن مخزونها السابق عندما قدّم الغرب عرضه لإيران في غرّة أكتوبر 2008 بفينا.

لكن التفسير الفعلي للأمر هو أن طهران باتت خارج هذا الفضاء من التفاوض، إذ تراه مُنتفِياً من أصله، وخصوصاً أنها أعلنت في السابق قيامها بعمليات التخصيب للحصول على يورانيوم مُخصّب بدرجة 20 في المئة، وأصرّت عليه حتى بعد اتفاقها مع تركيا والبرازيل في مايو/ أيار الماضي. وهو ما يعني انتقال التفاوض على نقاط وسطور جديدة لم يُعلَن عنها إلى الآن.

المتغاير الثاني: أن الجانب الإيراني لم يستثمر لا من قريب ولا من بعيد ولم يطلب تفسيراً حتى من تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والتي قالت بأن «الولايات المتحدة ليس لديها مانع في أن تحافظ طهران على قدرات تخصيبية إذا ما أوضحت وضعها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية». رغم أن موضوع التخصيب هو أساس الخلاف بين الطرفين، وجاء المفاوضون الستة على أساسه إلى جنيف!

بل إن المفاوض الإيراني وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي رفض لقاءً ثنائياً يجمعه بوكيل وزارة الخارجية الأميركية للشئون السياسية وليام بيرنز والذي كان يُمثّل الولايات المتحدة في الاجتماع رغم طلب الأخير لهذا الاجتماع.

الأكثر من ذلك أن جليلي رفض أيضاً الاجتماع بممثلي فرنسا وبريطانيا وألمانيا في المفاوضات، كما رفضَ مؤتمراً صحافياً مشتركاً، واكتفى بثلاثة لقاءات منفردة، واحدة مع الممثل الروسي، وثانٍ مع الممثل الصيني، وثالث مع مسئولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون.

وهنا يتبادر إلى الذهن مدى القدرة على توصيف الموقف الإيراني من العلاقة مع الولايات المتحدة وبالخصوص فيما يتعلّق ببرنامج طهران النووي، وهل أن الإيرانيين لديهم خط اتصال منفرد مع واشنطن، أم أنهم معنيون أكثر باستمرارية الاستمرار في التفاوض حسباً للوقت وترحيل ما يطرأ من أوراق إلى اجتماعات قادمة. لكن الأهم من كل ذلك هو أن الإيرانيين فعلوا الأمر لغاية محسوبة لديهم يُمكن أن تُفسَّر لاحقاً.

المتغاير الثالث: هو التساؤل عن مدى التزام الدول التي أصدرت القرارات العقابية ضد إيران بتلك القرارات. فالمعروف أن إيران صَدَرَت بحقها (ومنذ العام 2006 ولغاية اليوم) خمسة قرارات أممية بسبب البرنامج النووي الإيراني، وهي القرار 1696 (صدر في أغسطس/ آب 2006) والقرار 1737 (صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2006) والقرار 1747 (صدر في مارس/ آذار 2007) والقرار 1803 (صدر في مارس /آذار 2008). والقرار الجديد 1929 (يونيو 2010). يُضاف إليها قرارات من جانب واحد صادرة عن دول مختلفة كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

إلاّ أن مضابط التجارة الدولية بيّنت بأن حجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي زاد بنسبة 14 في المئة خلال الأشهر السبعة الأخيرة. فإذا كانت هذه الدول لم تأخذ الحيطة إزاء المعاملات التي تشمل بنوكاً إيرانية، ولا على منع إيران أو رعاياها والهيئات المسجلة فيها أو من قبل الأشخاص أو الهيئات العاملة بالنيابة عنها من الاستثمار، ولا تجنّب تقديم خدمات مالية، ومن ضمنها التأمين وإعادة التأمين، أو نقل أي أصول مالية أو أصول أخرى أو موارد انطلاقاً من أراضيها حسب نصوص القرار الأممي الأخير، فمن هي الدول التي يجب عليها أن تلتزم بتلك القرارات إذاً. أم أن ما يدور في الإعلام شيء، وما يجري تحت الطاولة شيء آخر؟!

هذه مجرد إثارات رصدتها حول اجتماع جنيف الأخير بين الإيرانيين والغرب والذي دامَ يومين. وربما يكون اجتماع اسطنبول القادم أكثر تفسيراً لما أثير. لكن يبقى أن المفاوضات والسياسات عادة ما تحمل في أحشائها ما هو مُعلَن وما هو مُضمر. والأخير هو الأحق بأن يُتَّبَع ويُرصَد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:23 ص

      استنتاج شخصى

      شاهدنا مقابلة الصحفين مع السيد جليلى لن نسمع منه لا من قربب و لا من بعيد ما تطرقة إليها فى المقال . ؟؟

    • زائر 3 | 11:54 م

      من صحيفة الحياة اليوم

      وقبول الدول الغربية عقد اللقاء في اسطنبول إشارة «إيجابية» في اتجاه كل من ايران، التي تريد إدماج تركيا بصفتها دولة كبيرة في المنطقة ما فتئ تأثيرها يتزايد في القضايا الساخنة التي تمس الاستقرار والأمن الاقليميين، كما تستهدف الإشارة تركيا المرشحة لأن تكون مكان تنفيذ صفقة تصدير اليورانيوم الايراني في مقابل الوقود الروسي الفرنسي.

    • زائر 2 | 11:31 م

      فمن هي هذه الدول

      اعلنت ايران ان دول اخرى ستشارك في المفاوضات فمن هي هذه الدول ؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 11:25 م

      تحليل وقراءة

      شكرا على هذا التحليل وهذه القراءة

اقرأ ايضاً