العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ

عاشوراء والمصالحة مع الذات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استضاف «مشروع عاشوراء المنامة» الرابع مساء السبت الماضي، ندوةً للباحث التاريخي سالم النويدري عن شاعر بحريني قديم اسمه عبدالله بن أحمد الذَهَبَة، بالتعاون مع الأوقاف الجعفرية. بدأت الندوة بكلمةٍ لوزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة، أشار فيها إلى حرص الدولة دائماً على «رعاية الحريات الدينية باعتبارها إحدى واجباتها الأساسية وجزء من حماية هوية هذا الوطن». وألمح إلى ما تحظى به ذكرى عاشوراء من اهتمام رسمي يتناسب ومكانتها، وأضاف: «إن ذكرى إحياء استشهاد الإمام الحسين (ع) تشكّل محطة تذكّرٍ واستلهام للمعاني والقيم النبيلة التي جسدها الإمام، وهو ما يجب المحافظة عليه وصونه بما يناسب قدر ومنزلة صاحب هذه الذكرى الذي قال فيه النبي (ص): (حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط)».
بعد هذه الكلمة الطيبة، قدّم الباحث النويدري عرضاً سريعاً لشعراء البحرين الأوائل الذين ارتبطوا بالرثاء الحسيني عبر القرون، كابن حماد (999 هـ / 1590 م)؛ وماجد الصادقي (1320هـ / 1902 م)؛ وعبدالنبي بن مانع (القرن 12 هجري / 18 ميلادي )، وإبراهيم آل نشرة (جد أسرة التاجر المعروفة وعاش في القرن الثامن عشر الميلادي)؛ والشيخ حسن الدمستاني (1181 هـ/ 1767م)، الذي يعتبر من أبرز أعلام هذا الفن، فقصيدته «أحرم الحجاج» سارت بها المواكب والركبان.
الشاعر الذهبة عاش توفي مطلع القرن العشرين، وله مسجدٌ في مسقط رأسه جدحفص، عند نهاية الشارع المفضي لإشارات الدَّيْه. وله ديوانٌ مفقودٌ من 4 مجلدات، ولم يبقَ من تراثه إلا قصائد معدودات، وقرَنه بعض معاصريه بالشاعر الكبير السيد حيدر الحلي. وقد رحل إلى القطيف، وله عائلةٌ هناك في قرية «الكويكب»، ثم هاجر إلى مسقط واستقر أخيراً في لنجة ببر فارس حيث توفي. وقد أرّخ له العلامة آغا بزرك الطهراني ونقل قطعةً من شعره.
الشاعر المحتفى به ما هو إلا اسمٌ عابرٌ من طابورٍ طويلٍ من شعراء الرثاء، هذا الفن الإسلامي الأصيل الذي تعود جذوره إلى عهد الرسول الأعظم (ص) وأيام الغزوات الأولى. وهو تراثٌ ضخمٌ يمتد من حسّان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك الأنصاري، إلى الكميت الأسدي وسليمان بن قتّة ودعبل الخزاعي والسيّد الحِمْيَري والشريف الرضي وأبوفراس الحمداني وعشرات غيرهم.
في البحرين، هناك كوكبةٌ من الشعراء عبر القرون، كانت ومازالت تتعاطى هذا الأدب الإسلامي، في بيئةٍ دأبت على إحياء ذكرى عاشوراء سنوياً. هذه الطبقة التي تكتب الشعر الفصيح والعامي، أثّرت وتؤثّر في الوجدان الشعبي وتسهم في صياغة الفكر العام، ومع ذلك يتم إسقاطها من الذاكرة العلمية والبحثية، وكأنها غير موجودة من الأساس.
في منتصف الثمانينيات، قرأت دراسة علوي الهاشمي «ما قالته النخلة للبحر»، التي تطرّق فيها لدراسة الشعر المعاصر في البحرين، وكان غريباً جداً أنه أسقط كل التراث الحسيني من كتابه، مع أن بداياته كانت مع هذا الشعر، وقد وعى على الدنيا وصوت الخطيب الحسيني بمأتم الإحسائيين يتسلّل من نافذته. وهي إشكاليةٌ تتكرّر لدى الكثير من الدارسين والباحثين في جامعة البحرين الوطنية... فكيف يخلو قسم الأدب من دراسةِ مكوّنٍ أساسي من التراث.
إن تاريخ البحرين العلمي والأدبي لا يبدأ بالتعليم النظامي مطلع العشرينيات، ولم تكن البحرين قبل ذلك بلقعاً ثقافياً، بل يرجع قروناً لتلك الحوزات والمدارس الدينية التي خرّجت علماء وفقهاء وشعراء وخطباء ومتكلّمين، وحافظت على بقاء البحرين واحةً علميةً خضراء، تهفو إليها قلوب المثقفين في الخليج حتى الآن.
إن موسم عاشوراء يكشف لنا كم نحن بحاجةٍ إلى إجراء مصالحةٍ - لن أقول مع الآخر لأننا شعبٌ واحدٌ - مع الذات.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 8:34 ص

      الفرزدق؟؟؟؟؟

      اعتقد ان الفرزدق ليس من شعراء الرثاء بل هو مشهور بحروبه الشعرية ضد جرير. كل ما لديه قصيدة واحدة في مدح الامام السجاد عليه السلام كما أظن. ربما لهذا السبب لم يذكره قاسم في مقاله.

    • زائر 13 | 7:50 ص

      يقول الفرزدق

      سهل الخليقة لاتخشى بوادره ..... يزينه اثنان حسن الخلق والشيم >>>>
      أين من يدعون محبته من ذلك فكما هو معلوم أن من نحبه نسير علي نهجه ونقتدي به وللأسف كل من يدعي هذا الحب ليس له نصيب ولو واحد بالألف من سيرته وأخلاقه ... وليترك كل متعصب الغضب جانباً ويراجع نفسه هل لديه ولو 1% من سيرته ونهجه وأخلاقه .. أسئلكم بالله راجعوا أنفسكم واتركوا التعصب جانبا ان كنا نحبه نقتدي به وبعمله لاأن نقوم بعمل لم يذكر انه قام به نهائياً فكيف يكون هذا الحب ومن الذي اقتديتم به ..!!!

    • زائر 12 | 5:03 ص

      وأين الفرزدق !!!

      هذا الذي تعرف البطحاء وطاته والبيت يعرفه والحل والحرم . هذا إبن خيرعباد الله كلهم هذا إلتقي النقي الطاهر العلم . هذا إبن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا . وليس قولك : من هذا ؟ بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم . كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم . سهل الخليقة لاتخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والشيم . حمال أثقال أقوام إذ إفتدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم . ماقال : لاقط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم .

    • زائر 10 | 4:31 ص

      نحتاج لباحثين ومتخصصين

      اتمنى لو تؤسس لجنة من المختصين في التاريخ والمجال الادبي والقيام بعمل موسوعي لحفظ الادب الحسيني البحراني الذي يشكل جانب من هوية وتاريخ واصل هذا البلد الممتد بهويته الى بداية الاسلام وقد قام مشكورا الشيخ محمد مكابيس من قريةالديه بعمل جيد في هذا المضمار حيث ارخ لبعض ادباء البحرين في الماضي والحاضر .. نحن نعيش طمس لهويتنا ودثر لتاريخنا فأتمنى ممن يجد في نفسه الكفاءة من المتخصصين عمل لجنة لحفظ هذا التراث وتعريف الاجيال به وبتاريخنا واصالتنا . شكرا سيد قاسم

    • زائر 9 | 1:56 ص

      فرع اصيل وعريق ولا يمكن الاستغناء عنه إلا بالغقصاء المتعمد

      كاتبنا السيد قاسم يتكلم عن امتداد هذه المدرسة العريقة من الشعر العربي، واخونا القارئ رقم 1 يتكلم عن الاستغناء عنه. هذا الفرع فرع اصيل وقديم ويمتد لايام الرسول كما قال الكاتب وليس دخيلاً او زائداً يمكن الاستغناء عنه. الاشكالية هي في العقلية الاقصائية التي تبعد هذا الفن وتعامله بالاهمال والاقصاء. فمتى يستقيم الظل ؟ ومتى نفلح في انجاز المصالحة مع الذات؟

    • زائر 8 | 1:36 ص

      اضحكتني ابكيتني يا قاسم|مازن البحراني

      اقتبس( فكيف يخلو قسم الادب من دراسة مكون أساسي من التراث).
      سيدنا عن أي مكون تريد ان يكون له قسم؟
      ان كان هذا المكون ينزع سواده.
      ان كان هذا المكون تحارب سماعاته .ان كان هذا المكون يضيق على منتسبيه.فهل تريد ان يصل هذا المكون الى قسم الادب في جامعة البحرين( الوطنية!) سيدنا كأنك تحلم؟او تهجر،يبدوا انك تهجر ،انت تهجر
      نعم سيكون لك مكون انت وجماعتك لحالكم يقول لك سنضعكم انتم ومكونكم في قسم التاريخ من جامعة البحرين الوطنية ،وسيكون لمكونكم ركن ونحن محنطين على اننا سكنا في أرض تسمى دلمون

    • زائر 5 | 12:07 ص

      مصالحه الذات

      مصالحت الذات يجب ان تنبع من داخل النفس البشريه، لقد لاحظنا بعض الشباب يذهب للعزاء ولكن غير ملتزم بالصلاه بل وهناك من لا يصلي، وفئة اخرى من الجنسين تذهب الى منطقة العزاء ليس للاستفادة و المشاركه بل للمعاكسات و عرض الازياء بل البعض يعمل الفواحش في هذا الشهر الفضيل. اذا يجب علينا ان نبحث عن المصلحه الذاتيه و هي التقرب الى رب العالمين و ليس لاشهوات.
      و للمحافظ على التراث الاسلامي و التراث العلوي و الحسيني يجب على أتباع المذهب الاهتمام باللغه العربيه و التاريخ الاسلامي.
      سيد احمد

    • زائر 4 | 11:16 م

      البحرين وكربلاء

      البحرين قطعة من كربلاء اذا أتيتها في عاشوراء ليس فقط في المظاهر بل يخيم الحزن والاسى على أهلها
      وتتفاعل مع كل الأحداث الاسلامية هذه هي البحرين الأصيلة وستبقى كذلك مهما غطتها شوائب تعود ناصعة
      ببركة أهل البيت ع

    • زائر 3 | 10:09 م

      البجرين وكربلاء

      ان للبحرين تاريخ عظيم وحافل بتأثره بالأحداث العالمية لما لهذا الشعب
      الأصيل من وعي وتفاعل مع القضايا وقضية الملحمة الكبرى للحسين غ
      لها دور بارز فالجسين وأصحابه حير العقول

    • زائر 2 | 8:50 م

      أجودي//الرثاء الحسيني ليس مكون، بل جانب. وممكن الاستغناء عنه في الدراسات!

      الرثاء الحسيني
      ليس القاعدة التي
      لا يمكن الاستغناء عنها في الادب.
      او حتى في الثقافة بشكل أوسع.
      مالرثاء الحسيني
      الا جانب من جوانب عده
      في الثقافة العربية....

اقرأ ايضاً