قال «التقرير»، وهو نشرة اقتصادية تصدر أول كل شهر عن «غلوبل هاوس - البحرين»، إن الاقتصاد العالمي يتجه للدخول إلى منطقة الهدوء، بعد أن تجاوز الخطر الذي اعتراه في الشهور القليلة الماضية، والذي كان هدد التقدم الذي تحقق في مجال التنمية بالسنوات العشر الأخيرة في الكثير من البلدان.
ورأى «التقرير»، الذي حصل ملحق «الوسط» الاقتصادي «مال وأعمال» على نسخة منه أمس، أن «العالم تجاوز مرحلة الخطر، فقد انتهى (الأسوأ) على مختلف الأصعدة وفي معظم الأسواق، ولاسيما في منطقة الخليج».
وعلى رغم أن تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية 2009، الصادر عن البنك الدولي، يشير إلى تقلص معدل النمو في البلدان النامية في العام 2008 بمقدار النصف قياسا بالعام 2007، لكنه أبقى الباب مفتوحا أمام شيء من النمو، «ما يعني أن الظروف جاءت أقل وطأة مما اعتقد البعض».
وأيد التقرير ما جاء به حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما قال في 19 الشهر الماضي، إن «ذروة الأزمة الاقتصادية أصبحت من الماضي».
وحمَّل الشيخ محمد المبالغة الإعلامية التي تبعت الأزمة المالية الأضرار التي أصابت الإمارة، والتي اعتبرها «استهدفت دولة الإمارات كنموذج لدولة عربية اتحادية ناجحة ومزدهرة، وهو لم يكن نقدا أو إشارة إلى سلبيات»، كما تقتضي المهنية.
ومن المعروف أن هناك «فزعة» عالمية من جميع الدول الغنية من دون استثناء، فضلا عن المؤسسات والمنظمات كالبنك وصندوق النقد الدوليين لإنقاذ العالم، والتي تعهدت برقم فلكي من الدولارات، والتي أوضح التقرير أنها «على رغم ضخامة الموقف، ستكفي لشراء الديون المتعثرة والنهوض بالشركات، وبالتالي عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران، لكن ما تبقى الآن هو الثقة بالأسواق ليخفف المستثمرون من تحفظهم وخوفهم على أموالهم، ويعودوا لضخ المبالغ والتوجه نحو المشروعات، ولاسيما التنموية منها».
وأشار التقرير إلى أن التكهنات كثرت بشأن الأزمة المالية التي عصفت باقتصادات العالم، فتوالت القرارات كما توالت الدراسات والتنبؤات للخروج من عنق الزجاجة، أمام اعترافات رسمية بأنها عادت بروسيا وأميركا إلى سنوات خلت وزعزعت اقتصادات أوروبا وآسيا، لكنها جاءت أقل وطأة في منطقتنا ولاسيما دول الخليج العربي».
ويقول خبراء الاقتصاد، إن تداعيات الأزمة ستستمر حتى منتصف العام 2010، على أبعد تقدير، وعدَّ تقرير «غلوبل هاوس - البحرين» نفسه ضمن هذا التصور «لكن البعض الآخر والذين كانوا أكثر تشاؤما رأوا أنها لن تنتهي قبل سنة 2015، إذا ما ظهرت في الفترة المقبلة تطورات تزيد من سوء الوضع، وهو أمر مستبعد».
ويعتمد الدارسون للشأن الاقتصادي العالمي على مجموعة من الدلائل والإشارات التي يمكن رصدها لمعرفة متى تبدأ الأزمة بالانتهاء. وأوضح التقرير أن في مقدمة هذه الدلائل «الاتجاه الذي سيسلكه مؤشر (ستاندرد أند بورز 500)، والذي يجب أن يستقر لمدة ثلاثة أشهر على أقل تقدير. وفي الوقت الحالي فإن هذا المؤشر الأميركي المهم مازال يسجل الخسائر، حيث أغلق مطلع شهر مارس/ آذار الماضي على انخفاض بنسبة 7 في المئة، لكن هذا التراجع قد يكون قليلا أو بالكاد يذكر قياسا بما حدث له في الربع الثالث والرابع من 2008، ما يعني أن هناك بعض التعافي لكنه يسير ببطء». وأضاف أنه إذا استقر هذا المؤشر لفترة من الزمن فذلك يعني أن المستثمرين قد تجاوزوا مرحلة الصدمة جراء الأزمة.
أما المؤشر الثاني، بحسب «غلوبل هاوس - البحرين»، فهو يتمثل في سوق مبيعات السيارات، فمعظم الشركات تسجل تراجعا شهريا في مبيعاتها يصل إلى 45 في المئة، لكن المراقبين لسوق المركبات يتوقعون أن تستقر تلك الأرقام خلال عام، بحيث تقتصر التراجعات على ما بين 10 في المئة و20 في المئة، وإذا ثبتت تلك التكهنات فذلك يعني أن بعض التحسن طرأ على الأسواق، وأن المستهلك عاد لشراء منتجات استهلاكية مرتفعة الثمن، والتي تسمى بـ «السلع المعمرة».
وقال التقرير «مع أن كثيرا من شركات السيارات العملاقة دخلت في مشاكل مالية صعبة، استدعى معظمها تدخلات حكومية، في حين لوح البعض الآخر بإشهار الإفلاس، فإن ضخ مئات المليارات من الدولار سيعدل بلاشك الحال وينهض بالصناعة من جديد».
ومن المؤشرات، شكل سوق السندات المالية للدول النامية، فإن استطاعت تلك الدول الحصول على السيولة بسهولة من الأسواق العالمية، فسيعني ذلك تحسن الأسواق الدولية بالنسبة إلى إقراض الهيئات السيادية.
ومن المعلوم أن منطقة الخليج تعد رأس حربة هذه الدول، وهي مازالت تنتج النفط، الذي تعدلت أسعاره مؤخرا ليصعد إلى 58 دولارا للبرميل (أمس)، كما أنها تحتفظ بكثير من السيولة من جراء الفوائض المالية التي حققتها في السنتين أو الثلاث الماضية، ما يعني أنها ستعيد بالنهاية الثقة، وتدفق رؤوس الأموال.
ومن الدلائل التي تشير إلى تحسن الأوضاع ما ينجزه صندوق النقد الدولي للحصول على تعهدات مالية من الدول الغنية للدول الفقيرة وهو ما استطاع أخذه في اجتماعات ضمت مسئولي هذه الدول في الأشهر القليلة الماضية، حيث تكفلت بالكثير من الأموال، ما سيكون الدليل الثالث على قرب انتهاء الأزمة.
أما المؤشر الرابع، في تعداد التقرير، فيتمثل في قدرة الصين على مواصلة النمو فوق مستوى 6 في المئة، لأن تراجع النمو دون ذلك الحاجز سيدل على أن الطلب على المنتجات الصناعية الرخيصة قد تراجع في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، الأمر الذي سيعكس تفاقم الأزمة في تلك الاقتصادات الكبرى.
وبيَّن التقرير أن نجاح خطط الإنعاش الاقتصادي، وخاصة في الولايات المتحدة، يشكل المؤشر الخامس الأساسي إلى أن الأزمة المالية اقتربت من نهايتها، «وذلك لن يتحقق إلا بعد أن تتراجع معدلات تسريح العمال في الوظائف العامة، وتتزايد الوظائف المتوافرة في القطاعات الجديدة المقترحة، مثل البناء والطاقة البديلة».
وأسف التقرير أن «هذا أمر تستبعده الأنباء التي ترد من أميركا، فقد أظهر تقرير حكومي حديث أن 651 ألف أميركي فقدوا وظائفهم في شهر فبراير/ شباط الماضي ليرتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته منذ 25 عاما بنسبة 8.1 في المئة».
وهذا يبقى فيما أسماه التقرير «بلاد ما وراء المحيطات»، لكنه تساءل «ماذا عن بلداننا العربية والخليجية؟»، مجيبا «المعلوم أن بعض تسريحات العمالة حدثت هنا أو هناك، لكن المتتبع لها سيجد أن غالبيتها جاءت في مؤسسات دولية لها فروع في منطقتنا، إضافة إلى قطاع المقاولات الذي يعتمد على العمالة الآسيوية، والذي كان شهد فورة غير طبيعية في السنوات الماضية، وما أصابه - بحسب الخبراء - عملية تصحيح لا أكثر».
وبيَّن أن «معظم (التفنيشات) إذا لم يكن جميعها طالت العمالة الأجنبية العاملة في دولنا، ما يعني أن المواطنين مازالوا بأمان، وهو أقل الخسائر، من وجهة نظرنا». كما قال إن المؤشر السادس سيظهر عندما تتراجع استثمارات الحكومة الأميركية في شركات التأمين والبنوك إلى ما دون مستوى مئة مليار دولار شهريا، دون نسيان ضرورة أن تتراجع حاجة الشركات الكبرى إلى عمليات إنقاذ كبيرة ومكلفة وهو أمر مستبعد بحسب الأرقام التي توردها التقارير اليومية، فقد توقع خبراء انهيار قرابة 100 مؤسسة مالية حتى نهاية العام الحالي، في حال استمرار تهاوي المصارف الأميركية على ذات الوتيرة الراهنة، والتي فاقت 14 مصرفا منذ مطلع العام».
بدأت حكومة دبي الشهر الماضي، إعادة النظر في استراتيجيتها الشاملة للأعوام 2007 - 2015 لتحقيق معدلات نمو واقعية تراعي تطورات الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الإمارة، في وقت انتهت الحكومة من صرف نصف قيمة برنامج السندات (10 مليارات دولار) على الجهات المستحقة، فيما ستكمل صرف النصف الباقي خلال أسابيع.
وطرحت دبي برنامجا لإصدار سندات بقيمة 20 مليار دولار في فبراير/ شباط الماضي.
وتقول دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، بحسب موقع «الأسواق.نت»، إن خطة الاستراتيجية الجديدة، ستتضمن إعادة رسم الأولويات بالنسبة إلى القطاعات التي سيكون لها دور أكبر في قيادة عجلة النمو في المرحلة المقبلة.
ويأتي في مقدمة هذه القطاعات، الخدمات اللوجستية التي تتمتع فيها دبي بميزات تنافسية كثيرة، أولها الموقع الجغرافي، ووجود شركة كبرى بحجم طيران الإمارات، والموانئ المختلفة التي تحتاج إلى مزيد من التفعيل، والتي يمكن أن تسهم في حسم المنافسة الإقليمية في هذا المجال. كما تعتبر قطاعات الخدمات التعليمية والصناعات عالية التقنية، ذات أولوية أيضا.
وقالت حكومة دبي في نهاية شهر ابريل/ نيسان الماضي، إنها ستواصل الوفاء بالتزامات عقودها، ومنها عقود مع مقاولين ولن تحد من عدد الشركات المرخص لها بالعمل في المقاولات في الإمارات.
وكان حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أعلن في 3 فبراير/ شباط 2007، ملامح خطة دبي الاستراتيجية، التي تستهدف ترسيخ مكانة الإمارة الاقتصادية، والمحافظة على معدلات النمو، والوصول إلى تحقيق ناتج محلي إجمالي يبلغ 108 مليارات دولار، ورفع معدل حصة الفرد من الناتج الإجمالي المحلي إلى 44 ألف دولار في العام 2015.
بحسب اعتقاد «غلوبل هاوس»، أنه يتضح مما سبق جليا، أن الأزمة أنهت أكثر من 70 في المئة من مسيرتها، ما يعني أن العالم بدأ يعد تنازليا للخلاص من أسوأ معضلة مالية يشهدها منذ فترة الكساد العظيم في العام 1929.
ومع ضخ المليارات، أو التريليونات من الدولارات، قال التقرير إن «الحفرة» المالية ستهدم، والديون المتعثرة ستسدد بلاشك، وستعود الحياة إلى طبيعتها، لكن بشكل مختلف هذه المرة، حيث سيظهر نظام عالمي جديد، لكن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت، مقدرا إياه «بأن لا يتجاوز منتصف العام المقبل».
ويعتقد التقرير بأن «أسواق الخليج التي تأثرت بسبب الحملة الإعلامية الشرسة التي شُنت عليها، وخصوصا دبي، ستعود إلى سابق عهدها، ولاسيما أن التطمينات التي أطلقتها الجهات المعنية وعلى رأسها حاكم الإمارة ستؤخذ على محمل الجد، كونها مرتبطة بإجراءات حقيقية وسريعة».
وأكد أنه «يجب على المؤسسات والشركات العاملة في المنطقة وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهيئات الرقابية والجهات الرسمية، تعلم الدرس مما حصل، بحيث سيصبح مطلوبا منها لزاما التنبه إلى ما يعرف بـ (الحوكمة) وتطبيق قواعدها وأنظمتها حتى تنأى بنفسها عن أي أزمات مستقبلية».
وقال «جميعنا يعلم أن الدول التي كانت تطبق قوانين صارمة فيما يتعلق بشروط القروض وتحركات رؤوس الأموال حافظت على أسواقها وكانت أقل عرضة مما حدث في مواقع أخرى، وقد تكون البحرين وسلطنة عُمان على رأس هذه الدول».
وأضاف أنه يبقى دور الحكومات، التي يطلب منها في هذه الظروف المساهمة بشكل أكبر في التنمية، والتركيز على المشروعات الخدمية والأساسية التي من شأنها تحفيز النمو وتوفير فرص العمل وإعادة الثقة إلى الأسواق.
ورأى أنه يجب على المستثمرين والشركات التنبه إلى اعتماد «الحوكمة» نظام عمل لا غنى عنه، بحيث يطبق في جميع المعاملات والإجراءات، وخصوصا عند تعيين مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، كونها من يقع على عاتقها المسئولية، وهذا ينطبق على الشركات المساهمة أو المقفلة، وحتى العائلية.
ودعا التقرير إلى التوجه إلى المشروعات ذات الطابع الإنتاجي ومحاولة الابتعاد عن الاستثمار في الأوراق المالية، مع عدم تصفية ما بحوزتها حاليا، للحفاظ على تماسك الأسواق، وهدوء الأسعار.
كما دعا إلى عدم الالتفات إلى التقارير الإعلامية التي وصفها بـ «الهدامة»، وخصوصا «تلك القادمة من الغرب، والتي - على ما يبدو - تريد النيل من أي تجربة عربية ناجحة، سواء على صعيد الدول أو الشركات والمؤسسات، وعلى الحكومات دعم الأسواق وطرح المشروعات التنموية، التي من شأنها تعزيز الثقة لدى المستثمرين ورؤوس الأموال».
العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ