العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ

الشيخ: لا توجد لدينا حركة تشكيلية في الخليج وأوهام الفنانين لم يعد لها أيُّ رنين

على هامش معرض «السجنجل» الذي نظمه بجمعية البحرين للفن المعاصر

الجفير - منصورة عبدالأمير 

19 يناير 2011

لا يؤمن الفنان التشكيلي أنس الشيخ بوجود علاقة وثيقة بين الدال والمدلول في أي عمل فني، يرى أن العمل الفني قابل لقراءات متعددة تتنوع بحسب الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية للمتلقي، لكنه في الوقت ذاته يرى أن من يقدم العمل «عليه أن يضعه في إطار أو سياق معينين يمكن قراءته فيهما» ويشرح كلامه مستشهداً بعبارة «آه يا ليل، آه يا عين»، إذ يقول «لا يمكننا قراءة هذه العبارة باعتماد العلاقة بين الدال والمدلول، بل إننا نستطيع أن نكتشف ضعف الارتباط الموجود في أذهاننا بينهما. إنهما عبارتان مهمّتان تشكلان جزءاً من قاموس التراث الغنائي العربي، وترتبطان في أذهاننا بحالة الحزن وهجر الحبيب وما إلى ذلك، لكن الأغاني الحديثة كسرت هذا المفهوم بإيقاعاتها السريعة وجعلت في العبارة نوعاً من الفرح».

الشيخ ترجم قناعته تلك في عمل فني شارك به في المعرض الجماعي الرابع للممارسات الفنية المعاصرة وهو المعرض الذي نظمه الشيخ، وشاركه فيه 16 فناناً بحرينياً، احتضنت قاعة جمعية البحرين للفن المعاصر بالجفير أعمالهم طوال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

في المعرض الذي انطلق تحت اسم «السجنجل» فعّل الشيخ أفكاره وقناعاته حول الدال والمدلول بأن نظم معرضاً تبدأ فكرته من نص يرافق أعمالاً فنية قدمها 17 فناناً يقول عنها الشيخ إنها تندرج تحت مفهوم الفن المفاهيمي Conceptual Art وهو كما يشير «أحد أشكال الفن المعاصر غير المألوفة لدينا. الفنان هنا يستخدم تقنية مغايرة، هو هنا لا يرسم ويستخدم ألواناً، بل يلجأ لتقنيات الكمبيوتر مثلاً أو الديجيتال أو البرنت، كما يتعاطى مع خامات مختلفة ليست مجهزة لتقديم عمل فني لكن الفنان يستغلها لتقديم فكرته».

نحن إذاً أمام معرض مغاير يقدم فيه المشاركون مشروعاتهم تحت مسميات مختلفة من بينها «السر، ملمس الكلمات، سرير الراحة، اللغة الجديدة، لا، احذر وجودك كالأسيتون قابل للتبخر، أنجلو عربي، كلمات متقاطعة، عديم الفائدة، آه يا ليل أه يا عين، هنا وهناك، صنع في إسرائيل، ناصية كاذبة، أنت محاصر».


تأويلات النص أولاً ثم الشكل

ولا تتوقف الغرابة عند المسميات وحسب لكن المعرض كما يقول عنه الشيخ يعتمد النص المكتوب أساساً، الناحية الشكلية تأتي في المقام الثاني «يجب الاستعانة بالنص كمدخل للعمل، من يحب أن يعرف سياق الفكرة عليه أن يقرأ النص. وهنا تأتي القراءات المتعددة التي تختلف باختلاف الخلفية الثقافية والاجتماعية لكل متلقٍّ».

ويعرج الشيخ مرة أخرى على إشكالية الدال والمدلول والتأويل «هناك من يرى أن التأويل المفتوح يشكل فوضى وأنه يجب أن يكون ضمن سياق نص، وأنه لكي أتوصل للسياقات التي جاء ضمنها النص عليَّ أن أحلل النص وأتعرف على خلفيات كاتبه أو كيفية تشكله. في المقابل هناك من يرى أن العمل الفني مستقل وليس له علاقة بخلفية الفنان أو تاريخ الكاتب، وأن المتلقي يحكم على النتيجة بغض النظر عن أي سياقات أخرى».

وبحسب الشيخ فإن «هذا الاتجاه يسمى «الفن المفاهيمي Conceptual Art» وهو قائم على الأفكار وليس الأشكال، الشكل هو الجزء الثاني في الأهمية. هذه الأعمال ليست قائمة على مهارة الفنان اليدوية في رسم الأشكال والتعبير عنها وما إلى ذلك، لكنها أعمال تكسر مفاهيم الفن التقليدية الكلاسيكية، ولا تقوم عليها وهكذا يمكن للأشخاص الذين يأتون من خارج إطار مفهوم الفن التشكيلي الاشتغال عليها».

هكذا فإن المشاركين في «السجنجل» لم ينطلقوا جميعاً من خلفية الفن التشكيلي، لهم مشارب عديدة لا تتوقف عند أيٍّ من أنواع الفنون التشكيلية، والشيخ يضيف «أتجاوز إشكالية الانتماء لأي جمعية معينة كما أتجاوز انتماءات الفنانين المشاركين معي وقناعاتهم، سواء الشخصية أو الدينية أو الفنية. ما دام لديهم ما يريدون قوله وينسجم مع المجموعة فهذا هو الأهم لدي».


الفن المفاهيمي... فن قضايا الشارع وهمومه

بالنسبة إلى الشيخ فإن قيمة الفن المفاهيمي تنطلق من قدرته على «جعل الفن غير منعزل عن المجالات الأخرى، إنه يهدم الحواجز بين الفن والمجالات المعرفية الثانية، كل المجالات قابلة لأن تدخل وتتفاعل مع بعضها البعض. وهكذا يمكن للفنان من خلال هذا الشكل الفني أن يناقش قضايا تمس جوانب سياسية أو اجتماعية، أن يكون قريباً من المجتمع، وأن يتجاوز عزلته وبحثه عن الشكل الجمالي فقط وعن علاقات الأشكال أو الألوان بعضها ببعض أو هدمها وإعادة بنائها. حتى القيود والمسافات بين من هو الفنان أو غير الفنان أو الدخيل على الفن، كلها أصبحت تتلاشى. كل إنسان يستطيع أن يعبّر عن أفكاره وقناعاته بأيِّ شيء من الأشكال. حتى في الغرب الآن لم يعد ممكناً تحديد مفهوم الفن، بسبب ظهور هذا النوع من الاتجاهات والأفكار والرؤى المتعددة».

هذا الشكل الفني القريب الممتزج مع هموم المجتمع وقضاياه هو الأساس لمشروع الشيخ الفني ككل الذي يذكر أنه «يقوم على خطين: خط المعارض وخط التفاعلات. في خط التفاعلات أكون مع الناس وأقدم أفكاري معهم، أسعى لتقديم أشكال فنية عبر المعارض التي أنظمها والتي يوجد فيها نوع من التفاعل مع الناس بأن أقدم الأفكار بطرق فنية غير تقليدية، بل عبر طرق معاصرة أسلط من خلالها الضوء على بعض قضايا المجتمع بشكل تلقائي، يتفاعل معه الناس بسبب اختلاف طريقة تقديمه».

وتعليقاً على تنظيمه للمعرض يقول: «هذه ليست مهمتي، أنا لست قيماً أو منظماً للمعارض لكن الظروف دعت أن أقوم بهذا الأمر. بدأت الفكرة لديَّ حين قمت بعمل معرضي الشخصي الأول في 2001 تحت اسم «ذاكرة الذكرى» في جراج سيارة في حي بحريني وضمنته صوراً من ذكريات الطفولة. حين قدمتُ المعرض شعرتُ برغبة في تقديم المزيد من هذه النوعية من الأعمال القريبة من الناس، وعرفت حينها أنه إذا رغبت في تقديم هذا الشكل من أشكال الفن وأن أجعل له حضوراً في الوسط البحريني فيجب أن أعمل بشكل جماعي وليس فردياً. فقمت بتنظيم أول معرض جماعي في العام 2002 في قاعة جمعية البحرين للفن المعاصر مع أربعة فنانين هم وحيدة مال الله، وهنادي الغانم، ومحسن غريب، وأنا الرابع، وهكذا تواصلت المعارض حتى وصل عددنا في هذا المعرض 17 مشاركاً».

الشيخ يرى ضرورة أن يقترب الفن من الهم المجتمعي وأن يتنازل الفنانون عن كبريائهم لينزلوا إلى الجماهير ويكون لهم دور في تغيير مجتمعاتهم، «الفنانون يعيشون أوهامهم الخاصة حول تقديمهم فلسفتهم الخاصة في العمل، وبأن أعمالهم مختلفة، أو أنهم يقدمون عصارة تفكيرهم. هذا كلام غير حقيقي، فالعمل الفني هو نتاج الخلفية المعرفية للفنان وما اطلع عليه في حياته، بل إن نتاجه ذلك هو في الواقع نتاج مجموعة الأشخاص الذين اطلع الفنان على أفكارهم واتجاهاتهم وقراءاتهم، ولولاهم لما وصل الفنان ربما لهذا النتاج».


نجاح الفنانين مادياً يعوضهم فشلهم اجتماعياً

هو إذاً لا يؤمن ببرجوازية الفن ولا يجد للقب الفنان أي رنين «في النهاية الفن فشل في تحقيق أمرين، في أن يغير المجتمع وفي أن يكون قريباً من الناس، ولذا فلكَي يغطي على فشله عوض ذلك بالنجاح المادي والتجاري وأصبحت اللوحات تباع بالملايين وأصبح ذلك هو مقياس النجاح. المؤسسات الفنية أصبحت تترفع على الجمهور وأصبحت هي من تتحكم في السوق وتقيّم الفنانين على عكس الفنون الجماهيرية الأخرى التي يكون الجمهور فيها حكماً».

ربما أدى ذلك لغياب الحركة التشكيلية في الخليج، إذ يرى الشيخ أن «ما يوجد لدينا ليس حركة تشكيلية، لدينا أنشطة ومعارض فقط، مفهوم الحركة مختلف. ليس هناك تنظير أو حوار فقط فعاليات تقام وتنتهي. الحركة الفنية تعني أن يكون هناك نوع من الحوار والنقاش واختلاف وجهات النظر وأن يتوقع الفنان تلقي الانتقادات. حالة الاتفاق لا تخلق حركة».

محلياً، يرى الشيخ أن «الفنان بحاجة إلى شيء من التفرغ ليتمكن من متابعة التطورات الكثيرة في ساحة الفن التشكيلي، والفنانون لا يزال بعضهم يعمل على اللوحة المنحوتة وغير ذلك وكلامهم معاد ومكرر لأنهم لا يرون سوى المردود المادي، ويريدون تسليع أعمالهم ويتجنبون الدخول في مغامرات والعمل الذي لا يمارسونه بأيديهم لا يعتبرونه عملاً أما باقي الأعمال فهي زائلة وهم يبحثون عن الخلود».


«السجنجل»... إشكالات لغوية جريئة

هذه الرؤى المختلفة التي يحملها الشيخ هي التي أنتجت الإشكالات التي ناقشها معرض «السجنجل» والتي تدور جميعها حول اللغة، الشيخ يعدد بعضاً من تلك الإشكالات «اللغة ومدى كونها طبيعية أو مكتسبة، وكيف يمكن أن يفطن الناس اللغة وهي عبارة عن مجموعة رموز وكيف يتواصلون من خلالها. هل اللغة مرآة العقل أم إنها موجودة لكي نفهم العقل. هل ترتبط الكلمات بمدلولاتها ارتباطاً جذرياً أم إنها مسألة نسبية تعتمد على موقع الكلمة أو العبارة في أي نص. كذلك يناقش المعرض علاقة اللغة بالهوية، هوية الإنسان في المجتمع أو في الثقافة. ما هو تأثير اللغة وحضورها في بيئتنا، الآن أصبحنا أقليات في مجتمعاتنا وهيمن الآخرون على ثقافتنا، كيف نتقبل هذا الأمر، ونتعاطى معه. فنحن مثلاً على استعداد لأن نكسر لغتنا من أجل أن نتفاهم مع العامل الأجنبي مثلاً في حين لا تقبل مجتمعات أخرى التنازل عن لغتها تحت أي ظرف»...

«بالإضافة إلى ذلك فإن اهتمامنا باللغة الأجنبية يفوق اهتمامنا بلغتنا الأم التي أصبحت الآن ثانوية، وأصبحت اللغة الثانية وهي الإنجليزية هي اللغة الأولى. أصبح تمكننا من اللغة يجعلنا قادرين على تأمين وضع اجتماعي أو وظيفي أفضل. لكن هل هذا صحيح، هل تمكننا من اللغة يجعلنا قادرين على التقدم إلى الأمام. كذلك يتحدث المعرض عن موضوع علاقة الغرب بلغتنا التي يجدها لغة تهديد لأنها لغة القرآن ويجد أنها تحض على كراهية الآخرين وبالتالي فإن الغرب لا يريد لأن يكون للغتنا أي حضور في مجتمعاتنا، ويُروِّجون للغات الأخرى على أنها الأسهل والأفضل وبأنها لغة العصر».

ويقارن الشيخ بين الموقف من اللغة لدينا وموقف الغرب من لغتهم «في الاتحاد الأوروبي حاولوا أن يوحدوا اللغة لكن كل الشعوب الأوروبية رفضت ذلك لأنها وجدت في توحيد اللغة هدماً لثقافاتها وتهديداً للغاتها، وبالتالي أصبح الاتحاد الأوروبي يصرف مليار ونصف المليار يورو سنوياً على أعمال الترجمة».

ويعلق «كل إنسان من حقه أن يتسلم أي معلومة بلغته الأم، ونحن لا يوجد لدينا اعتراف بهذا الحق بل يتم إيهامنا بأننا سوف نتقدم إذا تعلمنا اللغة الإنجليزية، لو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت الدول الإفريقية هي الأكثر تقدماً، إذ إن نصف الأفارقة تقريباً يتحدثون الفرنسية والإنجليزية ويجيدونهما. في المقابل فإن اليابان والصين تشتغلان على الترجمة لكنهما دولتان متقدمتان للغاية».

ولعلَّ موقف الشيخ من اللغة هو ما دفعه لاستخدام كلمة السجنجل كعنوان للمعرض «استخدمت كلمة «السجنجل» وليس المرايا وهذا هو معناها، وهي كلمة لاتينية الأصل عُرِّبَتْ، لأنني أود أن أؤكد بأن لغتنا قادرة على استقبال لغات الآخرين وتعريب المفاهيم لتكون كأنها جزء من لغتنا. الكلمة جميلة رنانة وغريبة وفي الوقت نفسه عرفت كأنها جزء من اللغة العربية، أنت لا تشعر بأنها لغة أجنبية، وهكذا فإن لغتنا كانت تستقطب اللغات الثانية».


فنانون غرباء في أوطانهم

التهميش للغة يمارس - كما يشير الشيخ - على مستويات أخرى في الخليج العربي تمتد لتهميش المتعاملين بها، إذ يشير بأنه «حتى المجلات الموجودة لدينا في الخليج والتي تهتم بساحة الفن التشكيلي هي مجلات إنجليزية مع أنها معنية بمنطقة الشرق الأوسط والتحولات الموجودة في هذه المنطقة. المجتمع هنا عربي وكثير من الفنانين لا يجيدون الإنجليزية فلمن تصل الرسالة إذاً؟ ولدى من تخلقون هذا الوعي؟ وهنا تقع الإشكالية. في إحدى المجلات نشر تقرير يناقش سبب كون الإمارات مركزاً للفنون في منطقة الخليج والشرق الأوسط. ذكر كاتب المقال 11 عاملاً كالاستقرار والدعم المالي وغير ذلك، ذكر كل شيء ما عدا جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وهي التي أسست هذا المجال في الإمارات. هَمّش المقال الجمعيات الأهلية وكل من اشتغل فيها، وكأنه لم يكن لهم دور في تكوين الأسس الثقافية في مجتمعهم. لقد أصبحنا غرباء في أوطاننا، يهمشون الفنان ويأتون بآخرين يفرضون كل شيء، يستفيدون مادياً ومعرفياً ويسيطرون على كل منابع الثروة في هذا المجال».

العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً