العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ

تنبأوا لنا عمراً قصيراً لكن كسرنا التوقعات

«الثقافة الشعبية» في اليوبيل الرابع... خليفة:

المنامة - الثقافة الشعبية 

19 يناير 2011

هل كان الفنان الشعبي البحريني محمد بن فارس، رائد فن الصوت والذي عد علامة فارقة في تاريخ الغناء الخليجي خلال النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي، بحرينياً «بالمعنى المتعالي» - مثل يمكن استشفاف ذلك من الطريقة التي عبرت بها بعض كتابات الباحثين في مجال فن الصوت - أم كان فناناً عابراً للحدود تشهد تجربته على انفتاح ضافٍ على أشكال الثقافات الفنية السائدة في محيط عصره وتلقيم بها تجربته في الغناء؟ في الواقع، إن هذه واحدة من الإشكاليات التي تحاول الإجابة عليها مقاربة حديثة حملتها مجلة «الثقافة الشعبية» في أحدث أعدادها (العدد رقم ) الصادرة حديثاً، في سياق ملف خاص عن الفنان محمد بن فارس بمناسبة مرور عاماً على رحيله.

وتدافع المقالة عما دعته «تطوير نموذج آخر في الخصوصية يقوم على أشكال الرحلة في البيئات المختلفة والحوار مع الآخر والمثاقفة». وهي السمة التي تزعم أنها «ميزت تجربة الفنان بن فارس منذ وهلة انطلاقها». وعبر الاستعانة بمفهوم إدوارد سعيد بشأن الهجرة «هجرة النظريات» التي تشبه «هجرة الأفراد» و «المفيدة للنشاط الفكري»، ستعيد المقالة تأويل رحلة بن فارس إلى الهند في أوليات مسيرته الفنية للقاء أستاذه عبدالرحيم العسيري، ذي الأصول الحجازية، على أنها «بمثابة الحدث التدشيني المعبأ رمزياً بكل دلالات الهجرة بغرض الإفادة». ورأت أنها «هجرة فيزيائية في الجغرافيا قبل أن تتحول لاحقاً إلى هجرة للأفكار والسلع الرمزية». وهو المسعى الذي سيتوج بانفتاح هائل من قبله على مدونات الشعر اليمني، فضلاً عن السفر إليها، ولقاء فنانيها، وكذلك لعمان والعراق وحلب والكويت. ما سينعكس إيجابياً في دواخل تجربته إلى حد أن «خصوصيتها ستنبع من جمعها هذا المزيج الهجين بالذات» وفق ما جاء في المقالة.

ويأتي الملف المخصص عن حياة محمد بن فارس في سياق احتفاء مجلة «الثقافة الشعبية» التي تصدر من البحرين بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي، ويدعمها الديوان الملكي، في ذكرى انتظام صدورها الدوري للعام الرابع على التوالي. وقد عرضت في سياق الملف حوارات حول تجربة الفنان مع عدد من الباحثين والمتخصصين في تراث فن الصوت، مثل: مبارك العماري وإبراهيم حبيب ومحمد جمال وأحمد الجميري وراشد المعاودة. كما وزعت برفقة المجلة ملصقاً عبارة عن بورتريه للفنان بن فارس بريشة الرسام «كيم».

ضمن هذا السياق، فقد أطل رئيس تحريرها علي عبدالله خليفة عبر افتتاحية للمجلة، مذكراً بالمكابدات التي حملها وطاقم التحرير في خلال السنوات الأربع. قال «واصلنا الإصدار فصلياً بانتظام في تجربة أقل ما يقال عنها بأنها تستحق ما بذل لأجلها من جهد»، على رغم من أن البعض قد «تنبأ بأن عمر هذه المطبوعة قصير قد لا يتجاوز عددها الثاني أو الثالث، لشح مادتها وندرة الكتاب في مجال اختصاصها العلمي الدقيق». لكن على خلاف من المتوقع، استدرك خليفة «انهالت علينا الأبحاث والدراسات والمواد الغزيرة من كل حدب وصوب، وبأكثر من لغة، وبتنا في حرج من الكتاب لتأخرنا في نشر المواد المرسلة» على حد تعبيره.

في هذا الإطار فقد أتاحت المجلة في سياق احتفائيتها قرصاً ممغنطاً (سي ديه) وضعته برسم القراء وضمنته نسخة إلكترونية لجميع أعدادها الأحد عشر، كما ضمنت عددها الورقي فهرساً ألفبائياً لجميع الموضوعات التي نشرتها على صفحاتها من العدد () إلى العدد ().

وتابع خليفة في سياق آخر «غاية ما كنا نتمناه أن تجسد هذه الفصلية التوجهات العملية لروح ميثاق العمل الوطني في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك الذي راهن على الثقافة باعتبارها العمق الاستراتيجي لمشروعه الإصلاحي». وأوضح «بفضل دعم جلالته وتشجيعه الشخصي وحرص الديوان الملكي بأن تواصل هذه المطبوعة الصدور، واصلنا العمل لجمع وتدوين وتوثيق مواد الثقافة الشعبية، وتشجيع الباحثين على التخصص» وفق تعبيره.

بدوره، أشار عضو المجلس الرئاسي للمنظمة الدولية للفن الشعبي جورج فرندسن في تصدير خاص إلى التعاون القائم بين المنظمة والمجلة إلى أن «المنظمة الدولية للفن الشعبي آزرت بشكل غير محدود مجلة الثقافة الشعبية ورئيس تحريرها تقديراً وعرفاناً منها لهذا الجهد الكبير». واعتبر أن «التعاون الماثل بين المنظمة والمجلة يقدم نموذجاً يحتذى بها للآخرين في تعامل مؤسستين بأهداف مختلفة لتحقيق الطموحات العظيمة» على ما عبر.

وحوت المجلة دراسة عن «الطب الشعبي في البحرين» للكاتبة زينب عباس عيسى، وهي محاولة لاستخدام المنهج الإثنوغرافي الوصفي، في دراسة أشكال الممارسة الطبية في البيئة البحرينية ذات الصلة بالموروث الشعبي، كالعلاج بالأعشاب والكي والحجامة والتجبير. من دون إغفال الجانب التأصيلي المتعلق بجذور هذه الممارسات في الثقافات الأخرى كالصينية والفارسية والهندية واليونانية، أو تقصي إشاراتها في اللغة والأدب العربيين.

في هذا السياق تقول الكاتبة «قد ذكر أن أول من تعاطى الطب من العرب بعد الكهنة هم جماعة ممن خالطوا الروم والفرس في القرن السادس الميلادي». لكنها تتوسع في مفهوم الطب الشعبي، لتحول اعتماداً على الدراسات الأنثروبولوجية، على «فئة أوسع تضم القائمين بالعرافة والمعالجين بالطب الديني، المعروف عند المسلمين بالطب النبوي». وتصف الدراسة التي قدمت أساساً كورقة جامعية ضمن مقرر الأنثروبولوجيا في جامعة البحرين، وصفاً دقيقاً لرحلة التطبب بالعلاج الشعبي، كالكي، كما تضع مسرداً كاملاً للأمراض التي تعالج بالكي، وطريقة العلاج.

إلى ذلك، فقد اشتملت المجلة على عديد من الموضوعات المتخصصة في مجالات الثقافة الشعبية، حيث تكتب فاطمة الزهراء صالح «من أجل تجديد الشفاهية»، ويضع عادل البطوسي ورقة عن «الأغاني الشعبية في الأعراس العربية». ويناقش محمد الجزيراوي «التهيليم من أغاني رعاة الإبل في الصحراء التونسية»، فيما يضع عبد محمد بركو «دراسة مقارنة في الأدب الشعبي العربي». وحول «أنواع الأشياء السحرية» تتمحور مقالة فرج قدري الفخراني، أما محمد محمود فايد فيكتب عن «الناي أقدم الآلات الموسيقية الشعبية العربية».

ويفتح إبراهيم الضو على موضوعة «المرأة السودانية والثقافة الموسيقية»، في الوقت الذي يقدم علي عرايسة «مقاربة تشكيلية للتراث: الخط والحرف والإبداعات». وعلى خط الحرف الشعبية يتناول علي بزي «الحرف التقليدية: أهمية ومنهجية دراستها»، بينما تختار أحلام بوزيد في جديدها للنشر مدخلاً عن «مئوية عبدالحميد يونس». وأخيراً تساهم هنادي الجودر في تغطية احتفالية المنظمة الدولية للفن الشعبي في مدينة «نانجينج» الصينية في ذكرى عاماً من تأسيسها.

العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً