العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ

انبلاج رياح التغيير في العالم الثالث من تونس

أحمد سلمان النصوح comments [at] alwasatnews.com

بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول العام 2010م حدث أن قام أحد المواطنين التونسيين العاطلين عن العمل ويدعى «محمد بوعزيزي» وهو مواطن لديه تعليم عالٍ لكنه لم يستطع من نيل فرصة عمل في وطنه فقام يسرح على عربة خضار لكي يحصل على قوت يومه بكرامة، لكن في منطقته المسماة ولاية سيدي بوزيد وخلال سرحانه بتلك العربة حدث أن قام أحد رجال الشرطة التونسية ومنعه من عمله بتلك العربة، وليس هذا وحسب بل إن ذلك الشرطي قام بصفعه والتنكيل به وعندما حاول هذا المواطن الشريف الشكوى عن تلك الواقعة أكثر من مرة عند الوالي لتلك المنطقة منعته الشرطة التي تحرس البناية الإدارية الخاصة من الدخول، مما حدا به أن يقدم على إحراق نفسه أمام أنظار العالم وأمام المبنى الرئيسي لتلك الولاية حتى الموت...

لقد نقلت واقعة هذا الشباب التونسي واسع التعليم عبر الفيسبوك (face book) وشبكة الانترنت والهواتف النقالة وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، مما أجج الوضع في معظم المدن التونسية بل قل في جميع أنحاء الجمهورية التونسية مما أخرج وبصورة عفوية آلاف الشباب التونسي في مظاهرات خرجت من ولاية سيدي بوزيد التي أحرق فيها ذلك الشاب نفسه وامتدت لولاية المهدية وصفاقس حتى وصلت إلى العاصمة تونس وحاصر الشباب وزارات الدولة وخصوصاً وزارة الداخلية، متجاوزين ذلك المربع حول وزارة الداخلية الذي كان يطلق عليه التونسيون «مربع الرعب»، هذا المربع الذي كان مجرد المرور به يعني تهمة تسوق صاحبها إلى السجن وبدون محاكمة.

وبرغم قيام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بزيارة «محمد البوعزيزي» في المستشفى، إلا أن محاولات تهدئة الثورة المسماة «ثورة الياسمين» لم تفلح، وكذلك سرعة توالي البيانات التي كان يسارع الرئيس السابق في إصدارها مثل وعده بتوفير 300 ألف فرصة عمل، ووعده بالسماح للمبعدين بالعودة وإطلاق سراح المساجين كل ذلك لم يفلح في وقف الجماهير الغاضبة وزادت تلك الثورة زخماً بالتحاق جميع طوائف الشعب مثل المحامين والفلاحين والأطباء والكثير من النقابات، كلها توحدت في المطالبة ليس بتوفير الشغل للعاطلين بل طالبت بتغيير النظام القائم.

وفي سباق أشبه ما يكون مع الزمن أعلن الرئيس السابق أنه لن يترشح بعد العام 2014، وليس هناك رئاسة مدى الحياة، وأنه فهم مطالب الشعب، لكن كل هذا لم يوقف الثورة في وجه رئيس النظام السابق وحكومته، وبعد شهر من بدء الانتفاضة فر الرئيس السابق.

وقبل التطرق إلى أسباب تلك الانتفاضة وتداعياتها، نحاول أن نعطي فكرة عن تونس تلك الجمهورية العربية الواقعة في شمال أفريقيا.

مساحة تونس تقدر بـ 163610 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها نحو 11 مليون نسمة، وعملتها هي الدينار التونسي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية والفرنسية كونها من المستعمرات الفرنسية السابقة، وتشتهر تونس بالسياحة، وتعد من الدول العربية القلائل التي يتم تسويقها في الغرب والجانب الأميركي من العالم سياحياً، حيث يزورها نحو9 ملايين سائح كل عام معظمهم من الدول الأوروبية، وخصوصاً في منطقة الحمامات، وسوسة، وصفاقص والمهدية وتونس العاصمة، ويعمل نحو ثلاثة ملايين تونسي بقطاع السياحة.

وتشتهر تونس أيضاً بزراعة الحمضيات والزيتون والتمور بمختلف أنواعها، ومن أشهر صادراتها زيت الزيتون والأسماك، وهي في هذه الصناعة والتجارة تنافس المملكة الإسبانية، كما أنها شريك تجاري ممتاز مع الاتحاد الأوروبي، وعضو في الاتحاد الأورو شرق أوسطي، وكان ينظر إليها من قبل جميع القادة الأوروبيين والولايات المتحدة الأميركية على أنها تعد من الدول القليلة المستقرة سياسياً واقتصاديا بحيث أن الرئيس الفرنسي السابق «جاك شيراك»، قال بعد أن ضربت أوروبا عاصفة اقتصادية وانهارت عدة دول في الاتحاد الأوروبي، أن نمو وتطور الجمهورية التونسية يعد بمثابة معجزة اقتصادية في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم.

يعتقد الكثير من المراقبين أن من بين الأسباب التي ساهمت في سرعة زوال نظام الرئيس التونسي السابق، هو الفساد الإداري والمالي والمحسوبية والرشوة التي اشتهرت بها عائلة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والمقربون منه، وخصوصاً زوجة الرئيس «ليلى الطرابلسي» التي كانت تعمل سابقاً كوافيرة ولها علاقات تجارية مع الدول الأوروبية، وخصوصاً مع صقلية بالجمهورية الايطالية، بالاضافة الى عوامل اخرى ساهمت في سرعة زوال نظام بن علي، وأهمها عدم وقوف الجيش التونسي مع النظام، بل إن الجيش وقف محايداً بين المتظاهرين والشرطة، بحيث تذهب بعض التقرير حد القول إن الجيش التونسي حذر الشرطة من عدم إطلاق النار على المتظاهرين، يضاف الى ذلك زوال حاجز الخوف من قلوب المتظاهرين، بحيث أصبحوا لا يخافون لا الشرطة ولا غيرها من الأجهزة الأمنية التي كانت تنعت بها الجمهورية التونسية، خلال حكم بن علي، بأنها دولة بوليسية من الطراز الأول، تمنع حتى الناس من دخول المساجد، ويمنع النقاب في المدارس أو أماكن العمل أو الشارع العام، ويمنع إذاعة الأذان في التلفزة الوطنية، وهذه إجراءات ورثها النظام المخلوع من النظام الذي سبقه أي نظام الحبيب بورقيبة من بعد الاستقلال عن فرنسا في العام 1956م. وهنا يجب ألا ننسى أن النظامين السابقين قد نقلا تونس إلى مستوى مرتفع من التعليم وتقديم الخدمات، لكن خلال حكم الرئيس بن علي ازدادت تلك الإجراءات صرامة حتى أصبحت جمهورية تونس بلا معارضه داخلية من الناحية الرسمية، وأصبح الإعلام الرسمي كله بيد السلطة ويمجد في الحزب الدستوري الحاكم، ومعظم المعارضين خارج البلاد في المنافي. كذلك من ضمن أسباب تسارع سقوط نظام بن علي هو أنه لم يلتزم بدستور الجمهورية بعد خلافته من الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في العام 1987م، واخذ يمدد لنفسه مرة تلو الأخرى مثل بقية رؤساء العالم الثالث، بخلاف الدستور التونسي الحالي الذي ينص في مادته (56) على عدم جواز ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من فترتين وعند عجز الرئيس وخلو المنصب الرئاسي يحل محله بصورة مؤقتة رئيس البرلمان لمدة شهرين على أن يدعو إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد الشهرين، لكن يبدو أن بن علي لم يعتقد أن شعبه سيثور عليه في يوم ما. لقد تركت الانتفاضة التونسية أثراً كبيراً على الشارع العربي والإسلامي وعلى مواطني دول العالم الثالث، ونعتقد بأنها سوف تساهم في تسارع وتيرة التغيرات الديمقراطية في معظم دول العالم الثالث، وكانت بواكيرها في الجزائر وموريتانيا والمغرب ومصر، حيث لاحظ العالم قيام الكثير من الدول الشرق أوسطية بوقف زيادة الأسعار على المواد الأساسية كما حصل في الجمهورية الجزائرية والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية والعديد من دول العالم، ليس خوفاً من ثورات مماثلة بل إزالة لاحتقانات قادمة.

نحن نعتقد أنه أن الأوان على الجميع الالتزام بالدساتير، وعدم التلاعب بها وجرح مشاعر الشعوب التي ناضلت لكي تحصل على استقلالها من المستعمرين الغربيين وبعدها ناضلت لتحصل على دساتير تحمي مصالحها داخل دولها المستقلة.

نحن نعتقد أن الدول العربية وشعوبها لم تستفد من موجة التحولات التي حصلت في أوروبا الشرقية التي تخلصت شعوبها من الأنظمة الشمولية في عقد التسعينيات من القرن.

الآن وبعد أن نجحت «ثورة الياسمين» - كما سماها الإعلامي التونسي زياد الهاني - في إزالة بن علي ونظامه السابق من الجمهورية التونسية، أصبح لزاماً على ما أعتقد على جميع التونسيين أن يتفاهموا على ترتيب بيتهم من الداخل والإسراع في إجراء عملية الانتخاب لرئيس جديد ومجلس شعب جديد يضمن حقوق جميع التونسيين في الداخل أو الخارج وعدم الأضرار بمصالح بلدهم.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "

العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:17 ص

      الصديق من صدقك بفتح السين والدال لا من صدّقك يا ناصح ويا نصوح

      الصديق من صدقك( بفتح السين والدال ) لا من صدّقك انت صاحب نية حسنة وشكرا على مقالتك يا ناصح ويا نصوح .

    • البدر البحريني | 11:51 م

      رياح التغيير قادمه لامحاله يا طواغييت

      شكرا لكاتب المقال والله يكثر من امثالك المنادين بالعداله والمساواة بين افراد الشعب الواحد.

اقرأ ايضاً