العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ

ثورة الطبقة الوسطى المصرية (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد توصيفنا للطبقة الوسطى العربية ودورها التنويري، ننتقل إلى الطبقة الوسطى المصرية، التي يقول عنها الصحافي السعودي عبدالرحمن الراشد «القاهرة عرفت في معظم عهودها بأنها مدينة الطبقة الوسطى المرفهة، وإن عاشت ضمورا في العهد الاشتراكي، بعد أن ألغيت الملكية الخاصة، وتحول الجميع الى موظفي قطاع عام، وصارت الحكومة تدير كل شيء.

وهي أقدم المدن العربية في حضور طبقتها الوسطى، وكانت من أسبق المدن العربية معرفة بحياة المدينة الحديثة، لكن لهذه الطبقة إشكالاتها، كونها أكثر إلحاحاً على رؤيتها بما في ذلك التغيير المدني والسياسي، وهي تملك نفوذا أوسع من التي فوقها، رغم أن الكثيرين يخطئون قراءة أهمية الطبقة الوسطى في شأن التغيير السياسي... أفرادها عرفوا أنهم عماد استقرار النظام الاجتماعي والسياسي في أي بلد ناجح، وغضبهم هو دمار أي مجتمع مهما كان قوياً».

تلخص هذه الفقرة الكثير من مساهمات الطبقة الوسطى المصرية فيما يجري اليوم في مصر. فهي من جانب الركيزة الأساسية لأي نظام، متى ما عالج ذلك النظام مشاكلها، ولبى احتياجاتها، لكنها في المقابل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، كما يحصل اليوم، عندما يجري تجاهلها أو محاولة تقزيم حصتها من الحقوق المدنية والاجتماعية.

من هنا ولكي نتمكن من تشخيص واقعها الحالي على نحو سليم، ينبغي لنا أن نتوقف عند جذورها التاريخية أيضاً، كما يصفها الباحث المصري جلال أمين حين يقول في سلسلة مقالات نشرها في أواخر العام 2008، «الطبقة الوسطى في مصر الآن طبقة مهانة، ومحبطة، فلا عجب أنها أيضاً قليلة الحماس لقضايا الوطن، وضعيفة الإنتاجية في الاقتصاد والثقافة». لكنه يستدرك ذلك قائلا «لم يكن الأمر كذلك دائماً، فقد حل زمن بهذه الطبقة كانت فيه تشعر بتميز واضح عن دونها، واثقة بنفسها ومعتزة بكرامتها، وعالية الآمال لنفسها ولوطنها، وتنتج إنتاجاً ثقافياً باهراً.

عندما قامت ثورة 23 يوليو/ تموز العام 1952، كانت الطبقة الوسطى المصرية صغيرة الحجم ولكنها كانت متميزة، ووطنية، ومؤثرة».

ثم يستطرد قائلا حول دورها السياسي المميز خلال مطلع النصف الثاني من القرن الماضي فيقول «نعم، كانت الطبقة الوسطى الجديدة، التي خلقتها ظروف الخمسينيات والستينيات فرحة بنفسها، وتتوق إلى إنتاج ثقافي جديد يعكس هذا الفرح. بل كانت فرحة أيضاً بالمكاسب السياسية والاقتصادية، التي حققتها الثورة في هذين العقدين.

وفي الميدانين الاقتصادي والاجتماعي قامت الطبقة الوسطى بنشاط وكفاءة بما طلبته منها حكومة الثورة».

إذاً، فتاريخ الطبقة الوسطى المصرية مليء بالتعرجات بين الانفتاح والنمو والتمرد فترة، والانكماش والضمور والخمول سياسياً فترة أخرى، وكل ذلك يعود إلى طبيعة علاقاتها مع القوى الاجتماعية الأخرى، وفي المقدمة منها مؤسسات الدولة، وإدارات السلطة الحاكمة. هذا ما تكشف عنه اجتهادات أحد كتاب مجلة «الدستور الحقيقي» المصرية خالد السروجي عند حديثه عن طبيعة العلاقة بين الطبقة الوسطى المصرية والحزب الحاكم اليوم، إذ يعتبر السروجي «تخلي الطبقة الوسطى التدريجي عن الحزب الوطني جعله يعتمد فقط في الفترة الأخيرة على قوى الأمن. وذلك يرجع إلى أن هذه الطبقة لم تعد آمنة على مستقبلها، مما جعل فئات وشرائح من الطبقة الوسطى تنفض عن الحزب الوطني، الذي أصبح يتطور في اتجاه حزب فاشي، كما تبرز مواقفه وسياساته في انتخابات مجلس الشورى وفي موقفهم من المطالبة بالتعديلات الدستورية».

ويلقي ذلك المزيد من الأضواء على دور تلك الطبقة المميز في الانتفاضة التي تجتاح مصر اليوم.

أما طارق حجي فيحاول، أيضا، الاستعانة بتاريخ هذه الطبقة، كي يعزز من أهمية الدور المميز الذي تمارسه اليوم، حيث يقول «وقد كانت الطبقة الوسطى العليا في مجتمع مثل مصر ما قبل العام 1952 تقوم بوظيفتين: فكانت من جهة تنظر بتقدير ورغبة في المحاكاة للطبقات الأعلى منها بما فيها الحشد الأجنبي الذي كان موجوداً في مصر، كما أنها كانت هي في حد ذاتها النموذج الذي تنظر له الطبقات الأدنى بإعجاب ورغبة في المحاكاة».

على أن من أهم التحليلات الصحافية لدور الطبقة الوسطى المصرية السياسي، هو مقال الكاتب في مجلة «الشروق» المصرية المستقلة ياسين عز العرب الموسوم «معركة العمل للطبقة الوسطى المصرية»، الذي يقول فيه بشكل واضح وصريح بأن «المراقب للمشهد السياسي المصري لا يملك إلا أن يلاحظ هيمنة معارك الطبقة الوسطى المصرية دون غيرها من الشرائح التي تتعرض للتهميش. يكفى مثلاً أن نتابع السجال الحامي حول الضريبة العقارية (التي تمس أساساً الطبقة الوسطى في المدن)، فقد أدى احتجاج الطبقة الوسطى على الضريبة إلى تصريح الرئيس مبارك الشهير بأنه بصدد إعادة دراسة الموضوع (بعد أن كان القانون الخاص بالضريبة قد صدر فعلاً عن مجلس الشعب)».

ويعتقد «العرب» بأن «الطبقة الوسطى إذاً هي الأقدر على إيصال صوتها، وهي الأكفأ في فرض أجندتها وطرح همومها... فأهمية احتجاج الطبقة الوسطى تنبع بالأساس من أنها ظلت على مدار القرنين الماضيين اللاعب السياسي الأول في مصر. فمنها كان تحالف الأفندية والضباط الذي قاد الثورة العرابية، ومنها كانت طبقة الأفندية والحقوقيين التي كانت واجهة ثورة 1919 التي دشنت الحقبة الليبرالية التي يعتبرها بعض المراقبين العصر الذهبي للطبقة الوسطى المصرية».

تأسيساً على فهمنا لهذا الدور، وفي تشخيصنا لتلك الهوية السياسية والاجتماعية لهذه الطبقة، ومن خلال القراءة السريعة لشعارات الانتفاضة المصرية ومطالبها، يمكننا الذهاب إلى أن ما يجري اليوم في مصر، إنما هو انتفاضة وطنية عارمة تقودها الطبقة الوسطى المصرية، التي تجاوزت بفضل تلك الخصائص التي كشفت عنها كتابات المحللين المشار لها أعلاه، توقعات من كان يتابع تطورات الساحة المصرية، خلال الأعوام القليلة الماضية.

وبالتالي، إن كان لنا أن نصنف هذه الثورة من منطلقات اجتماعية محضة، فليس هناك من فئة تستحق أن تنال شرف قيادتها أكثر من الطبقة الوسطى المصرية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:21 ص

      من الشيخ نخلة النوري الى الأستاذ عبيدلي

      أجدك يا اخي العزيز تأخذ بالحالة النفسية للإرث التاريخي الذي تعيشه وتعتمده في اسقاطات لا مكان لها في الثورتين التونسية والمصرية لأسباب ان هذه الثورات جاءت بفعل عوامل التراكم القهري بجميع اشكاله الفئات المعدمة من فقراء وعمال وموظفي وفلاحي هذه المجتمعات بعيدا عن التصنيف الطبقي الذي ذهبت اليه بأنها ثورة الطبقة الوسطى بل الأحرى انها ثورة العمال والكادحين فالبوعزيزي ليس من الطبقة الوسطى انها ثورة الفقراء وبدون قيادة او احزاب والصح ان نقول بأنها ثورات العمال والفلاحين وابنائهم الطلبة

اقرأ ايضاً