العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ

ليست مجرد علبة كبريت

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حينما زارها قبل سنوات، ووصفها لصغرها بـ «علبة الكبريت»، لم يكن يخطر بباله أن يأتي يومٌ... تلعب فيه دور عود الثقاب.

وحين زارها مرةً أخرى قبل ثلاثة أشهر، كان متودّداً متوسلاً لتخفّف الضغط، فلم تعد الأعصاب تحتمل المزيد.

قبل ثلاثة أيام، خرج أحد الشيوخ من غرمائه القدامى، ليتلو بيان ثورةٍ ملتهباً، فقد جاءت لحظة تصفية الحسابات، في زمنٍ يوشكان أن يصبحا فيه من أيقونات الماضي (فكلاهما وُلد في العشرينيات)، بعدما أصبحت قيادة الشارع بيد الأحفاد.

لم يصدم قرار إغلاق «الجزيرة» أحداً، فقد سبقته خطواتٌ أخرى، من إيقاف خدمات الهاتف النقال والانترنت، وضرب بعض الصحافيين واعتقال مراسلين أجانب، فضلاًَ عن المنظر الذي أساء كثيراً للنظام: مراسل الـ «بي بي سي» الذي خرج على الشاشة بقميصٍ ممزّقٍ مغطى بالدماء، ليسرد بالتفصيل كيف اعتدت عليه عناصر الأمن السرية.

قضيته مع الـ «بي بي سي» مشكلةٌ أخرى، فقد بدأت بالأحضان وانتهت بتحويلها قسراً إلى عود ثقاب آخر. فقبل سنواتٍ اعتبر استضافتها نصراً إعلامياً كبيراً ودليلاً على الانفتاح الإعلامي. وعموماً لم يكن يوجد حينها ما يدعو للخوف، في ظلّ استقرارٍ ظاهرٍ للعيان، شهدت له به وزيرة الخارجية الأميركية قبل أسبوعٍ بالثبات، وهي تنظر إلى بدايات هبوب العاصفة.

لم يخطر بباله أيضاً أن استضافة قناة أجنبية شهيرة، ستعمل فيها كوادر متعلّمة من شباب البلد، ممن لم تستوعبهم مؤسسات النظام... يمكن أن تتحوّل يوماً إلى شوكةٍ أخرى، حين يهبّ الشعب ويرفع الشعارات التي تحرج الحاكم وتطالبه بالرحيل أو المحاكمة.

كان آخر ما يحتاجه في هذا الظرف أن يفتح معركةً مع الإعلام الجديد، معروفٌ سلفاً أنها خاسرة. هل تخلّف مستشاروه عن نصحه بضرورة تجنّب هذه المعركة الجانبية التي ستستنزفه أكثر... أم أنهم هم أيضاً لم يكونوا يدركون أبعادها، لأنهم ببساطةٍ من الجيل القديم، الذي لايزال يؤمن أن الإعلام مجرد بثٍّ لأخبار استقبالات ورحلات الرئيس.

المعارك الحديثة في جانبٍ كبيرٍ منها معركة إعلام. تلك حقيقة أوضح ما تكون في لبنان وغزة. حقيقةٌ لا يريد البعض إدراكها، وإذا أدركوها فلمزيدٍ من التعتيم والتعمية على الأخبار، مع نزعةٍ زائدة نحو حرمان الجمهور من المعرفة وتداول المعلومات.

الدرس الأكبر الذي لا يراد استيعابه، أنك يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لن تخدعهم طوال الوقت. ومن يؤمنون بغير ذلك هم أول ضحايا هذه السياسة الإعلامية الموروثة من القرن الماضي، فتراهم يخدعون أنفسهم وهم لا يشعرون.

ليست مجرد علبة الكبريت، بل إنها سطوة الإعلام الجديد، الذي فتح قنوات اتصال جديدة للمواطن البسيط لاستقبال الأخبار بعدما أغلق عليه الأبواب نصف المواربة. من هنا هذه القرارات التي عفا عليها الزمان، وهو زمانٌ غير زمانهم.

في زمانكم، كان أحدكم يحتاج للحصول على صورةٍ بالأبيض والأسود إلى مصوّرة وفيلم يحتاج تظهيره إلى أسبوع، أما في عصر «المواطن الصحفي»، فيمكن لأيِّ فردٍ أن يوثّق بهاتفه المحمول كيف تطلق الشرطة الرصاص المطاطي على المواطنين العزّل، أو تمطرهم بسحب مسيلات الدموع. كل افتتاحيات صحف الدولة لن تستطيع تكذيب صورةٍ واحدةٍ من هاتفٍ محمول.

قرار المنع الأخير حرّر «العلبة الصغيرة» من القفص، فقد أصبحت في حلٍّ من نشر الصور التي تؤجج النفوس. وهكذا فُتحت نافذةٌ ليشاهد الملايين ما مُنع بثه يوم الجمعة، وصدم الجمهور بمنظر سيارات الأمن وهي تلاحق الجماهير كالفراخ، أو ترشّ بخراطيم الماء الساخن صفوف المصلين لربّ العالمين.

لم تكن مجرد علبة كبريت، إنها إحدى جولات المواجهة الخاسرة مع وسائل الإعلام الجديد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 11:56 ص

      الإعلام وما أدراك

      لعب دور مهم في حياتنا في الحرب والسلم فهو سلاح مهم جدا" في هذا العصر لعب دورا" في حرب تموز والآن في ثورة الياسمين وثورة مصر والآتي اكثر
      عكس الصورة التي كانت موجودة ودع استقبل ركب الطيارة نزل من الطيارة تعشى تغذى ........ألخ أما الآن تم هجر هذة القنوات التي تصرف الدول العربية مليارات عليها واتجه المشاهد الى القنوات الأكثر مصداقية

    • زائر 16 | 3:30 ص

      تابع مشاهداتي للتلفزيون المصري

      في اليومين الماضيين تم تخصيص ارقان للأتصال المواطنيين وطلبوا من المصريينعدم الاتصال بأرقام اخرى في قنوات ذات اجندات معروفة (يقصدون الجزيرة ) اغلب الاتصالات تشتكي الرعب والفزع وبكاء النساء وخوفهم ويطالبون بتشكيل لجان شعبية والهدف منها رجوع المتظاهرين من التظاهر لحراسة بيوتهم وايضا تخويفهم من المستقبل فالبقاء مع نظام مستقر وظالم خير من الديمقراطية من دون أمن اتصلت سيدة حييت المتظاهرين والجيش وقالت أما الشرطة فقتلوا ولادنا تآمروا وهنا تدخلت المذيعة لأ عندنا ثقوب بس لا تغرقوا السفينة وتم قطع الاتصال

    • زائر 15 | 3:23 ص

      تابع مشاهدتي للتلفزيون المصري

      كانت هنالك صورة لمتظاهرين ويحملون لا فتات فقلت في نغسي ان التلفزيون المصري استمع الى منتقديه ببث الصورة كي لا يلجأو للأعلام الخارجي وشيئا فشيا بعد ان تم تكبير الصورة لم يكن المكان ميدان التحرير ولم يكن التلفزيون المصري يعرض مظاهرات الشعب بل كان مظاهرة اخرى تطالب بالرئيس حسني مبارك التجمع حوالي 200او 300 شخص واليوم الحزب الحاكم يخطط الى مؤامرة أخرى وسوف ينظم مظاهرة مؤيدة للريس الأغلب هو محاولة استفزاز المتظاهرين في ميدان التحرير بغية خلق فتنة وحرفها عن سلميتها ولكن هيهات الشعب أوعى من مخططاتكم

    • زائر 14 | 3:19 ص

      التلفزيون المصري (مومياء محنطة ) !!

      من خلال متابعتي للتلفزثون المصري الرسمي اليكم عض المشاهدات
      البارحة حوالي الساعة 2 منتصف الليل اتصلوا بالفنان احمد السقا وكان يصرخ ويقول انه لا ينام من الخوف من عصابات البلطجية ويطالب الشباب بان تكون مصر وامنها واستقرارها أوليتهم وسألته المذيعة لماذا لا تخاطب الشباب المحتشد في ميدان التحرير اين دوركم كفنانيين لكم جمهور عريض انت تستطيع وغيرك من الفنانين بإثناء هذه المجاميع اللي هي في الأصل من جمهوركم من الشباب خاطبوهم (المغزى من هذا ان الاعلام يستنجد بالفنانيين من اجل التأثير على الجماهير )

    • زائر 12 | 2:06 ص

      ذكريات فلة

      ذكرتنا بالكيمرات القديمة، كنا ناخذ الفيلم للمنامة علشان يطلعون الصور وبعد اسبوع نروح لهم جاهزين. ياااااااااااااو. وني ديك الايام ووين هالايام. لو شرطي احمق يضرب سجين مظلوم يوم ثاني تنتشر صوره في كل مكانز بس وين اللي يفهمن ويعتبرون؟؟؟؟؟

    • زائر 10 | 1:52 ص

      لن يتمكن أي جبار من وقف الزخم الإعلامي

      هذا الزمن غير ذالك وهذا العصر غير ذلك العصر فقد ولّت الإزمن التي تخنق فيه الضحية من دون أن يسمع لها صوت الآن الضحية سوف تجأر وسوف تصرخ وتسمع صوتها للعالم
      لقد مضى الزمان الذي تقتل فيه الألاف وتباد من دون أن يسمع أحد عنها شيء إلا بعد فوات الأوان
      مشكلة الحكام العرب عقولهم قديمة ومصدية ولا يستوعبون الدروس لأنه على ما يبدوا أن غرور الكرسي يعمي العيون عن ابصار الحقائق
      وهذه حكمة إلهية حتى تصل الأمور إلى غايتها من الظلم وطريق اللارجعة

    • يا علي يا إمامي | 1:28 ص

      صادق رقم واحد

      لازال الحكام العرب اللي من نفس طينة مبارك يشيدون ويأكدون ثقتهم فيه
      وبقدرته على كبح جماح الثورة
      لكنهم واهموون وآن الآون لينتبهوا من رقادهم

    • زائر 8 | 1:20 ص

      فربت الساعة الحاسمة و على الحكام المبادرة سريعا

      قد حانت الساعة

    • زائر 7 | 12:03 ص

      ميش دراه بمصطلح المواطن الصحفي

      ما اعتقد ا سيد ان الحكام العرب سمعوا بمصطلح طالمواطن الصحفي" الذي ذكرته. انتم تشتغلون في الاعلام وتقراون يومياً ما شاء الله عليكم وتتابعون كل شيء، بس إذا واحد عمره 80 سنة وعايش معزول في شرم الشيخ وما يدري ويش صاير في بلده/ ويش دراه يمصطلح المواطن الصحفي. اكيد راح يعتبره نكتة مثل ما قال عن البرلمان الشعبي!!!!!

    • زائر 6 | 11:58 م

      سنشهد المزيد

      اعتقد اننا سنشهد الكير من هذه المعارك الخاسرة بين اانظمة العربية القديمة المتهالكة وبين الشعوب الطامحة للحرية والتغيير.

    • زائر 5 | 11:11 م

      الاعلام

      سلاح ذو حدين اذا كان نزيه وباقلام شريفه وضمير حي يقظ لا ينحاز الا للحقيقه ولا يخاف ويهاب من احد الا خلقه

    • زائر 4 | 10:39 م

      سلمت يداك

      إليك أعني و إسمعي يا جارة.
      سلمت يداك يا بو هاشم.

    • زائر 3 | 10:10 م

      الاعلام ادة خطيره في الحرب و السلم

      الاعلام و القنواة الفضائيه خصوصا اداة جدا خطيره في الحرب و السلم, لذالك على المحقق و المتابع و المشاهد ان يعرف من يقف وراء هذه القنواة و لمصلحة من تعمل,من المستحيل ان تعمل قناة تبث 24 ساعاه صوت و صوره و عندها مراسليين في كل انحاء العالم يعرضون انفسهم للمخاطر ان تعمل هذه القناة لاجل الحقيقه فقط لاغير.لذلك وجب على المتابع توخي الحذر و الياخذ الحقيقه من مصادرها بعيدا عن التسيس

    • الروح الهادئة | 10:06 م

      ..

      اقتباس"لأنهم ببساطةٍ من الجيل القديم، الذي لايزال يؤمن أن الإعلام مجرد بثٍّ لأخبار استقبالات ورحلات الرئيس."
      يا سيدنا كما تفضلت وش عرف حسني مبارك واللي بعمره بنظريات الاتصال وعملية رجع الصدى- FeedBack .. هذا كان زمان المتلقي يسمع فقط أما الآن فهيهات أن يخدع المتلقي فهو نفسه أصبح المرسل .. أما الوسيلة واللي تعتبر من أهم عناصر الاتصال فيمكن لا زال مبارك في قوقعة اللاتكنلوجيا .. فالوسائل وان حاول تقليصها الا انه لن يستطيع سد أفواه المطالبين بالحق ~

    • زائر 1 | 9:46 م

      ساعة الصفر إقتربت كثيراً

      مع ذلك كله مازال الحكام العرب يراهنون على بقاء نظام المستبد مبارك .. وكأنهم لا يريدون التعلم .. ومازل الكثير يرسل برقيات التهنئة للمسئولين الجدد وكأنهم يتحدون إرادة الشعوب .. عجبي !!!

اقرأ ايضاً