العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ

هدى عواجي تدشن روايتها «مفترق طرق»

بقراءة من فهد وبودبوس في مركز كانو الثقافي

دشنت الكاتبة هدى عواجي روايتها «مفترق الطريق» وقد شاركها في حفل التدشين كل من فهد حسين وسليم بودبوس بورقتين نقديتين، بعدها وقعت عواجي مجموعة من نسخ الرواية، وذلك في مركز كانو الثقافي بحضور مجموعة من الأصدقاء والمهتمين ورواد المركز.

وقد أشار فهد حسين في ورقته إلى أن ما يقدمه هنا هو احتفاء بالرواية وبكاتبتها، بمناسبة الإصدار وأضاف فضلت هدى عواجي أن تصدر روايتها من دون دار نشر أو بلد أو طبعة، ويبدو أن هذه رؤية خاصة عند المؤلفة، وإن لكل رواية عالمها وهيكلها، وظروف وزمن الكتابة الخاصة بها، وزمن الحدث، وزمن رواية الحدث، تلك هي أزمنة تجعل القارئ يعيش بينها ليضع لها نسقها الخاص وفق تقبله وتفاعله، ورؤيته لحالة الصراع الفردي والجماعي بوعي أم بغير وعي داخل العمل الروائي.

وأضاف فهد الكتابة عملية تتداخل فيها الصياغة والمفردة والخيال والفكر والواقع، وفق ما يريد المبدع قوله بوساطة ما يحتضنه ذهنه ومتخيله تجاه واقع ما ضمن مفاهيم ومعايير وقوانين ومعتقدات قد تكون مقبولة من طرف ومرفوضة من طرف آخر، لذا نرى هدى عواجي وهي تكتب روايتها وضعت في مخططها الروائي جملة من المفاهيم تجاه المرأة والرجل والمجتمع، وطبيعة العلاقات المتبادلة بين الطرفين في حالة الانسجام أو النفور، ومن هنا جاء العمل منسجمًا بحسب ما نرى مع ما دار في خلد الكاتبة من أفكار وهموم وقضايا تراها متكرسة في المجتمع والواقع المعيش.

وحول مشروعية الكتابة وارتباطها بالقراءة رأى فهد أن القراءة لا تنفصل البتة عن الكتابة لتدخل بعملها الفاعل في الممارسة الثقافية والنقدية تجاه المقروء، وتساءل فهد ما المسافة التي ستحققها الرواية لدى القارئ من حيث الاتساع أو الضيق، حيث إن خضوع القارئ أو عدمه هو المسافة التي تضيق أو تتسع بين القارئ والنص، أي كلما اتسعت المسافة بينهما خضع أحد الطرفين للآخر، وكلما ضاقت المسافة بينهما تبقى عملية التبادل الجدلي والثقافي والفكري بينهما وكأنهما في حوار مستميت، وهنا أتمنى أن تكون العلاقة بين نص هدى عواجي (مفترق الطريق) والمتلقي علاقة تتصف بالضيق حتى تكمن الحميمية والحوارية، أي بين موقع الكتابة وموقع القراءة.

وأضاف فهد جاءت هدى عواجي وهي محملة بأثقال المجتمع، وهي حاملة معها المعرفة الثقافية، والاطلاع على سرديات المنطقة، وعلى الهموم الجنسوية والجندية، فصاحبة نص «مفترق الطريق» سهرت بعينين مجهدتين تفكر في مصير تلك الذوات الساكنة في كيان المجتمع الذي همّش المرأة وأعطى سك تاج السلطة المجتمعية للرجل، فأخذها مبتهجًا، ووظفها من خلال لغته وعنفوانه وغطرسته وتطلعاته وملذاته واستغلاله. فلم يمانع الرجل من نيل هذا العطاء منذ قرون وحتى الآن وإلا لما كنا وها نحن نقرأ في الكتابات النسوية هذا المفصل، بل لاتزال النظرة في مجتمعاتنا العربية تجاه المرأة نظرة قاصرة ودونية حتى لو كان أصحابها من الفئات المثقفة.

وربط فهد بين رواية «مفترق الطريق» وبين ما كتب في هذا السياق بأن المرأة في كتاباتها السردية في السنوات العشر الأخيرة في منطقة الخليج العربي، وبالأخص في المملكة العربية السعودية تطرح قضايا كثيرة لمواجهة صريحة تجاه المجتمع والرجل معًا اللذين بحسب اعتقاد هذه الكتابات لا يقدران فكر المرأة وخطابها، ولا يعيان بنقدها، وهدى عواجي وغيرها من الكاتبات وبخاصة في منطقة الخليج العربي - بحسب ما أعتقد - وضعن رؤية واضحة تجاه المجتمع والإنسان (امرأة كان أم رجلاً)، منطلقات نحو مناقشة العلاقة المتبادلة بين المرأة والرجل حينًا، والمضطربة حينًا آخر، والمتفانية حينًا ثالثًا، والمتشاكسة بين الحين والآخر. هذه العلاقة التي وضعها الأدب العربي قديمًا ليجعل من تصويره للمرأة نوعًا من الملذات أو ضمن العلاقات الحسية، ومن يقرأ الشعر العربي سيرى كيف كانت تصويرات الشعراء للمرأة، بل حتى بعض الفلاسفة والمفكرين كانوا ينظرون إلى المرأة وكأنها أقل درجة من الرجل.

- يقول سقراط: «المرأة مصدر كل شر...»

- ويقول أرسطو: «المرأة كالوردة تستدرج الرجل بأريجها لتلسعه بأشواقها».

- وهناك أسطورة تقول: «عندما أراد الله خلق المرأة أخذ من القمر استدارته... ومن اشعة الشمس إشراقها... ومن النجوم لمعانها... ومن السحب دموعها .. ومن الأزهار شذاها .. ومن الورود ألوانها، ومن الأغصان رقتها وتمايلها.... ومن البنفسج أريجه، ومن الربيع ابتسامته... ومزج كل هذه الأشياء بعضها ببعض وخلق منها المرأة ثم أهداها إلى الرجل».

وخلص فهد إلى أن هذه الأسطورة تكشف البنية التاريخية للعقلية الإنسانية والنظرة المتكرسة تجاه المرأة منذ الخليقة إذا آمنا أن الأساطير لم يشتغل على نسجها وتكوينها غير الرجل، وإذا كانت هذه صفات المرأة في تكوينها فأين المادة التي خلطت منها لتكون امرأة مفكرة وكاتبة وفنانة ومبدعة وحقوقية وسياسية.

وأضاف فهد حاولت الروائية الخليجية – في ضوء تجربتها الإبداعية، والأدبية، والثقافية، وتبعًا لتعدد نظرة المجتمع إلى المرأة بوصفها جسدًا للمتعة، وبعدًا اجتماعيًا، وآخر رمزيًا – أن تنفصل الشخصية الفنية التي ترسمها، وتخلقها في عالم الرواية عن الشخصية الحقيقية الموجودة في الواقع المعيش لإيمانها أن الشخصية الفنية امرأة أو رجلاً هي شخصية تعيش في رحلة قصيرة من الزمن، وهي رحلة الزمن الروائي، أما الشخصية الحقيقية فإن زمنها هو زمن العيش في الحياة، ذلك الزمن الذي لا نستطيع الفكاك منه أو التحكم فيه، وإذا كانت بعض كتابات المرأة تهتم بعملية توظيف الجسد والإغراء والشهوة، من دون الجدة والعمق في العمل أسلوبًا وطرحًا ولغة، فإن «مفترق الطريق» تتداخل فيها الكثير من قضايا الحب والزواج والعمل والأسهم والشركات وتحمل السفر والدراسة خارج الوطن وكيفية وضع الحلول لأي صعاب أو عراقيل، وتحدي المرأة لتصحيح أوضاعها وأوضاع الرجل الذي عجز ولم يستطع الدفاع عن حقه، وأوضاع المجتمع، والعلاقات الإنسانية والجندية، إنها تسعى في روايتها والرواية التي قبلها إغواء امرأة إلى إزاحة الكابوس والتراكمات الاجتماعية والتراثية، وجل الأعراف التي وضعتها في قيد، الإزاحة عن المرأة العربية عامة وفي منطقتنا الخليجية بصورة خاصة.

وفي ختام ورقته أكد فهد أن عواجي تسعى في هذه الرواية بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى الدفاع عن حرية المرأة في اختيار مستقبلها، شريك حياتها، ودراستها، ولباسها، ولغتها، وعلاقاتها الحقيقية والافتراضية، وجلوسها أينما تريد وفي المكان الذي تحب، في المقاهي أو في المطاعم، تحاول عبر رؤيتها كسر حاجز الصمت تجاه المرأة والرجل المغلوب على أمرهما، وكشف زيف النعوت التي نعت المجتمع المرأة بها، لتخرج من كونها امرأة خلقت للخدمة والزواج والإنجاب إلى امرأة خلقت أيضًا لتكون أمًا فاضلة تربي تربية اجتماعية وثقافية استعدادًا لمواجهة الحياة والمستقبل، لا أن تبقى رمز الجمال الشكلي دون الروحي، ولا الجمال العاطفي دون الفكري، ولا الاجتماعي دون الحقوقي، ولا التعليمي دون المهني، فالكل تراه الرواية جملة واحدة وسيلة واحدة.

وابتدأ سليم بودبوس ورقته بالإشارة إلى أن الكاتبة أسعفته عن تقديم هذا العمل بمدخل يمكن أن يكون مفتاحا لفهم العديد من القضايا الفنية والفكرية التي تطرحها الرواية، هذا المدخل المفتاح كان عنوان الرواية «مفترق الطريق» بعده تشد الكاتبة بنا الرحال لتسافر وتأخذنا معها في رحلة طويلة عبرت خلالها أكثر من عشرين محطة سردية معنونة متسلسلة يأخذ بعضها برقاب بعض. بدأت بمفترق الطرق ص9 وهو العنوان المختار للرواية كلها وانتهت في ص 153 إلى «الحب» مستقرا ومقاما في آخر الرواية.

مرت خلال ذلك بمشاهد ذات عناوين لافتة معبرة مثل القبو, نضال, سعوديات, غيوم, شمس لا تغيب, غيث, عناقيد العنب, وغيرها...

وأضاف بودبوس نسجت عواجي خيوط السرد - رغم مفترق الطرق التي هي فيه - بكل رصانة وهدوء فأبرزت شخصية البطلة والسيد جمال كما هو في الحاضر ثم توالى ظهور شخصياتها في القصة بشكل سلس عفوي كلما اقتضاه المقام لتجد هذه الشخصيات أنفسها بشكل أو آخر في مفترق طرق الحياة.

ولعل أشد من مثلت هذه الأزمة بطلة القصة التي أبت الكاتبة أن تسميها وإنما اكتفت بأوصافها المباشرة (هيفاء) أو غير المباشرة.

عاشت البطلة الحيرة في صراعها لإثبات وجودها وهي تقول ملخصة ذلك بالصفحة 96 «جلست أمام النافذة الكبيرة المطلة على المباني العالية، ترى هل هناك من هم مثلي يمشون على حبل دقيق بين جبلين، وهم يتمايلون خوفاً من السقوط، أم أنه لا يوجد سواي في هذا الكون الفسيح أسيراً للهلع ومغنَّياً على الأطلال؟»

تألمت من هذا الوضع سواء في بيت أبيها حيث وجدت نفسها في مفترق الطرق بين الانقطاع عن الدراسة رغم تفوقها وعدم سفرها للدراسة في الخارج لأسباب اجتماعية أو أن تتزوج أول طارق للباب. فكان الحل الثاني وعاشت معه أيضا في مفترق الطريق بين إكمال دراستها مع إهمال زوجها وعدم الإنجاب منه أو أن تكون صورة ديكور يزين به مشهد حياته حتى يمر بها العمر.

ولعلك حين تتابع القصص الفرعية لبقية الشخصيات وخاصة النسوية تلحظ بسهولة أنها شظايا للشخصية الرئيسية فلا تعدو أن تكون سوى جانب آخر من جوانب البطلة تزداد وضوحا من خلال غيرها من الشخصيات.

إذاً تعددت الوجوه والمعاناة واحدة إنها معاناة المرأة البحرينية السعودية الخليجية العربية معاناة البنت الطالبة معاناة المتزوجة فالمرأة كما وصفتها في القصة «هي سائق ومدبرة منزل وأم في نهاية المطاف يتزوج بأخرى مطلقة أو صغيرة السن»

معاناة المطلقة في مفترق الطريق بين حاجاتها العاطفية وكرامتها التي تداس كل يوم.

وأضاف بودبوس للتعبير عن هذه المعاناة بعمق وذلك الأمل المنشود بصدق أثخنت الكاتبة لوحاتها السردية بوصف عاش هو أيضا الحيرة بين مفترق الطرق الأدبية فكان حينا وصفا واقعيا تسجيليا وحينا آخر وصفا شاعريا رومنسيا يبعدنا عن القصة بقدر ما يدنينا من الشعر لتحكي بذلك - وهي في مفترق الطرق الأدبية - شقاء الواقع المتدهور ونقاء الحلم المتصوّر.

تقول وصفا حالما: «فتناثرت حبيبات الأمل غيثا يروي جداول الزرع بعد الجدب»

وتقول أيضا وصفا حاملا للهموم «أين تذهب تلك المسكينة في مجتمع ذكوري يمثل مجتمعنا ينشغل أفراده في القيل والقال فيجدون فيه متعتهم يغضون الطرف عن سوء ما يفعلون ويفضحون ما يفعله الآخرون» .

أما خط الزمن - كما رآه أبو دبوس - فهو أيضا في مفترق الطرق بين حاضر يصور الأزمة وعودة عبر الفلاش باك لتفسير تلك الأزمة فالراوي لا يفتأ يتردد بين الزمنين محاولا بذلك رسم صورة واضحة للبطلة والشخصيات المحيطة بها. وكذا المكان فالكاتبة في مفترق الطرق بين الوفاء للمكان الأم أرض الخليج والانبهار بالمكان الآخر المتمثل في بلاد الغرب انجلترا تحديدا والتي كانت ملاذا للعديد من الشخصيات في القصة (ضي، نزار، هشام، نضال، وفكرة) والأخيرة أخت البطلة التي اخترقت المحضور وتزوجت هناك على غير عادة أهل دارها في الخليج والعالم الإسلامي حين اختارت زوجا مسيحيا وتزوجته دون علم أهلها.

وعموما تهتم هدى عواجي بالمعمار الفكري أكثر من اهتمامها بالمعمار الفني شأنها في هذه الرواية كما في رواية إغواء امرأة وذلك لأن الكتابة رسالة إنسانية يحملها كل كاتب وصاحب قلم كما جاء على لسان هدى عواجي في مقال لها قديم بصحيفة القبس الكويتية.

وقد ختم بودبوس مداخلته محرضا على قراءة الرواية بطريقة غير مباشرة «لا تقرأ هذه الرواية... لماذا وقد سلكت طرقا عديدة ثم اهتديت لماذا ترمي بنفسك في أتون مفترق طرق لا تعلم منتهاها؟ لا تقرأ هذه الرواية مرة واحدة لأنها تستحق منك قدرا من مراجعة بعض مسلماتك، لا تقرئي هذه الرواية مرة واحدة فهي لا تعطيك حلا تستريحين به بقدر ما تدعوك للتفكير فيه والمشاركة في تأسيسه، أخيرا لا تقرؤوا هذه الرواية مرة واحدة لأنها تحتاج نظرة فنية ثاقبة تزداد بها تجربة هدى عواجي نضجا واكتمالا.

العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:17 ص

      شكرا على التغطية

      ربما تشوقنا بهذه التغطية لقراءة الرواية
      فأين يمكن ان نجدها في مكتبات البحرين؟

    • زائر 2 زائر 1 | 9:47 م

      سامي/ لندن

      الكاتبه هدى عواجي متألقه دائما كالعاده وهي تتحاشى وسائل الاعلام وحب الظهور وهي تعمل بصمت وهذه الروايه تدل على ثقافتها الواسعه وفكرها المستنير كما في روايتها الاولى،،، اقول لكاتبتنا المتميزه الى الامام ولا تنظري للخلف اطلاقا

اقرأ ايضاً