العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ

سيرة الذات أم سيرة المؤسسة؟

لولوة... الحلو والمر... لحسين المحروس

حين تتطابق سيرة الذات مع سيرة المؤسسة في كتاب «لولوة سيرة الحلو والمر» لحسين المحروس في 288 صفحة من الحجم المتوسط عن المؤسسة العربية للطباعة والنشر، تكتشف أنك أمام خيوط من السرد تتتابع ويسلمك الواحد منها للآخر، فماذا وراء ذلك، ثمة محطات ريفية جميلة رغم قسوتها تأخذك إلى ما كان في المخيلة والذكريات من صور، وتتمنى لو أنها استرسلت لتسرد سيرة الفقر في القرى وحجمه في ذلك الزمن القاتم أكثر، فماذا وراء كونها في هذه المحطة بالذات سيرة عابرة عابرة سريعة؟ ترى ما الذي حدا بابن النعيم وابن السبعينيات البحث في سيرة ابنة المحرق وابنة الخمسينيات غير شغفه بالسير التسجيلية ليضيفها لسيره السابقة حتى لتفاجئه إحدى سارداته «أجد لديك الكثير من المعلومات فهل كنت طالباً عندنا في الروضة؟».

حين عكفت على قراءة «لولوة سيرة الحلو والمر» ربما أخذني شغف التلقي إلى ترقُّب أن أقرأ سيرة ذاتية تذهب بي في تفاصيل الذات من الداخل، كيف صُنعت، وكيف تشكّلت؟ ربما ذلك الوجه هو أحد وجوه السيرة الذاتية لديّ على الأقل، حيث تقدّم الذات شهادتها على ذاتها لحظة بلحظة، مرجعة تفاصيلها إلى ما تراه هي، لا ما يراه الآخرون فيها، وإن دلفت للآخرين تراها لا تأتي بهم إلى ساحتها إلا لتؤكد وتحبك رؤيتها بشكل مقنع.

لكني في هذه السيرة التي ينسج خيوطها المحروس بذكاء بحسب الصديق (جعفر الجمري) خيطاً خيطاً وإن تشابهت الخيوط السردية لتقدّم نفس الكلام أجدني أمام سيرة يصنعها الآخرون أكثر مما تصنعها الذات نفسها كونها في الأصل مجموعة من المقابلات واللقاءات المعاد صياغتها بشكل سردي، حيث يقف الآخرون هنا ليقدموا شهاداتهم، وربما لا يفاجئك تواتر وتشابه شهاداتهم ببعضها البعض، كونها تريد أن تقدم صورة واحدة لا غير، ربما هي ما أرادت الذات أن تقوله لهم وتفصح عنه كقريبين منها أو أن تنسجه عن نفسها في حراكها ودأبها اليومي.

ولا أظن أن تلك الاختيارات السردية هي خيارات المحروس وحده حيث لا تجده متدخّلاً بشكل مباشر إلا قليلاً وذلك حين تراه يلاحق بعض الاستعارات البسيطة هنا أو هناك ويلتقطها من بين ثنايا الكلام ليبرزَها صانعاً بها كثافة السرد الذي يتقصّده بين الحين والآخر.

هكذا يكثف المحروس خيوط السرد ليصنع منها سيرة ذاتية تتبع سيرة الحلو والمر «قيل لنا ضعوا المر في الأسفل وضعوا الحلو في الأعلى... عليه. فعلنا ذلك مرارا حتى فاض المر على الحلو.. لكن مازلنا نفعل ذلك» هذه العبارة التي تكررت في أغلب الشهادات التي استقصاها المحروس.

رحت أترصّد المر بين ثنايا هذه السيرة فوجدته في فقد الأولاد صغارا وبقاء الأم من بعدهم، فكم هو مر ألم الفقد، ولكن الذات كعادتها تقف متماسكة لا تعكس إلا الصورة التي أرادت أن يراها الآخرون، ولذلك هكذا وجدوها وسردوها لنا مرة بعد مرة وشهادة بعد شهادة.

ربما يأخذك أفق الانتظار وأنت تقرأ سيرة كهذه أن تترقب أن تقرأ سيرة المكان أو سيرة المؤسسة الخيرية جمعية رعاية الطفل الأمومة والمؤسسات المتفرعة منها... وهذا تصنعه نيات وأحلام وآلام وآمال تتضافر فوق بعضها البعض، ولكنك لا تشهد سوى سيرة الذات في تطابقها مع المؤسسة وكأن كل شيء كان سهلاً ولم يمر كما هي العادة بصعوبات وشدائد سوى بعض التعديلات التي يتم الاستجابة لها حتى تمر الأمور بسلام وتنحني لها ذات قوية تدرك ما تفعل ولكنها تكتم الكثير هي ذات عالمة متماسكة تعي ما تقول وما تفعل في كل محطاتها بكل تواضع وبكل بساطة.

يشغفك البحث عن صورة الريف والقرى وسط هذا السرد فلا تجده إلا في محطات قليلة حيث يحضر منتجعاً صيفياً في المقيظ قرب البحر على عادة ذلك الزمان ولا يحضر الريف والقرى إلا في نهاية السيرة حيث تقوم الذات أو الجمعية بتقديم دعمها ومساعداتها لهم عبر مشاريعها التي يمر بها الساردون سريعا كمحطات عابرة لا تكشف لك عن تفاصيل الفقر والحاجة وشدة العوز التي كان يعيشها الناس آن ذلك إلا عبر لقطات سريعة أصر المحروس على التقاطها.

يا ترى ما الذي حدا بابن النعيم المحروس وابن السبعينيات لرصد سيرة ذاتية لابنة المحرق وابنة الخمسينات لولوة ربما كان ذلك جزءاً من مشروعه السردى، هذا ما أتفهمه ولكنى كنت أشد ترقّباً لالتقاطات أشد عمقاً من سرد سريع ترك فيه المحروس لكل تلك الذوات أن تعيده مرة بعد مرة وخصوصا في البداية إذ إن هناك الكثير مما تكرر وكان جديراً به البحث في مناطق أكثرعمقا، وربما له العذر كونه لم يرد التدخل مباشرة في تلك الذكريات سوى أن يعيد نسجها في سيرة ذاتية ويظفر بما كان يلح عليه الآخرون في إصرارهم على لولوة في كتابة سيرتها الذاتية ويكون المحروس هو الفائز الوحيد بتسجيل تلك الذاكرة، ليضيفها لسيره التسجيلية السابقة.

ثمة محطات ممتعة حين القراءة منها أنك تقرأ سيرة مؤسسة خيرية تشكّلت الذات من خلالها والعكس، ولعل أجمل المحطات هي حين تمرّ بأسماء ما زالت تتردد كثيرا فتعرف عنها تفاصيل أخرى، وأن تعرف حكاية لها أكثر من وجه، حيث يقف كل سارد ليقدم حكايتها عن مرحلة التأسيس لجمعية رعاية الطفل والأمومة والمؤسسات المتفرعة منها، فمن ينسبها لزوجة بلغريف ومن ينسبها للولوة نفسها ومن يعود بها إلى ما هو أبعد من ذلك حيث الأم نيلة إذ كانت فكرة نقلتها من مصر، أو فكرة تشكّلت عبر زوجات النخبة القريبين من العائلة الحاكمة، وترك الكاتب كل تلك الآراء تذهب كما فعلت لولوة نفسها حيث التأكيد على أن الموافقة على تشكيل المؤسسة كانت مشروطة بغياب أسماء زوجات الأسرة، المهم أن المؤسسة الخيرية (الجمعية) تجاوزت كل أولئك لتكون موجودة.

العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً