أوضحنا في الفصل السابق أن هناك تصنيف علمي للأسماك يتبع نظام معين بحيث تقسم الأسماك التي تعيش في مياه الخليج العربي لقسمين رئيسيين قسم تصنف فيه أسماك القرش (الجراجير ومفردها جرجور) والشفانين البحرية (اللخم ومفردها لخمة) وقسم آخر تصنف فيه بقية الأسماك, إلا أننا هنا لن نتبع هذا التصنيف بل سنتبع تصنيف يعتمد على الدلالة أي الأسباب التي أدت للتسميات. هذا التقسيم له أهميته في فهم طرق اشتقاق أسماء الأسماك المحلية وفي نفس الوقت به شيء من العلمية أي أن هناك كتب علمية تتبع طرق شبيهة في التصنيف لأن له أهمية في دراسة سلوك معينة للأسماك, على سبيل المثال هناك أسماك تسمى الأسماك الطائرة وهناك أسماك تسمى الأسماك المصوتة أي التي تصدر صوتاً وغيرها من هذه المجموعات وليس الغرض من هذا التقسيم دراسة التصنيف العلمي للأسماك بل دراسة سلوك التصويت أو أي سلوك آخر عند الأسماك. وبما أن الغرض الأساسي لهذه الدراسة هي دراسة ظواهر التطور الدلالي في الأسماء المحلية فقد قمت بتقسيم الأسماك إلى ثلاثة مجموعات رئيسية:
مجموعة تضم أسماك القرش وأخرى تضم الشفانين البحرية أما المجموعة الثالثة فتضم بقية الأسماك الأخرى, وسنبدأ أولاً بالمجموعة الثالثة والتي قمنا بتقسيمها لعدد من المجموعات الفرعية منها مجموعة الأسماك العارية من السفط ومجموعة الأسماك المصوتة ومجموعات أخرى لأسماك اشتق اسمها من سلوكيات مختلفة وهناك مجموعة تضم أسماك مشهورة تحمل أسماء قائمة بذاتها لا نعرف معناها منها ما هو عربي ومنه ما لا يعرف أصله.
لا تكفي المصادر اللغوية أو المعاجم لدراسة علاقة الأسماك بأسمائها ولكن يجب الرجوع لكتب الأسماك المتخصصة, ولذلك اعتمدنا على العديد من كتب الأسماك التي تناولت أسماك الخليج العربي والبحر الأحمر, ولن نكتفي بوضع اسم السمكة واسمها الإنجليزي ولكن سنضع صورة واضحة ممثلة لكل جنس من الأسماك, وقد استعنا في هذه الدراسة بصور الأسماك لأحد كبار المختصين وهوJohn E. Randall وهي صور متوفرة على موقع قاعدة بيانات أسماك العالم www.fishbase.org, هذا وقد قمت بمراسلة Randall منذ أن كنت في طور الإعداد لهذه الدراسة والذي سمح لي بإعادة نشر صوره الخاصة للأسماك والمتوفرة مجاناً على الموقع المذكور.
وجود السفط أو الفلس ونوعه يعتبر أحد المعايير المهمة في تصنيف الأسماك علمياً, ولوجود السفط أيضاً أهمية كبيرة للعامة وبالخصوص بالنسبة للطائفة الشيعية حيث يعتبر معيار لتحليل أو تحريم الأنواع المختلفة من الأسماك, والمشهور لدى العامة أن سمك القرش والشفنين البحري من تلك الأسماك عديمة السفط وقد ناقشنا ذلك في الفصل السابق ولكن بالإضافة لتلك الأسماك هناك أنواع أخرى من الأسماك عديمة السفط منها ما هو مشهور عند العامة والتي لقبتها العامة باسم «سمكة حرام» إلا أن هناك العديد من الأسماك التي تجهلها العامة, وفي الواقع في مياه الخليج العربي توجد بالإضافة لأسماك القرش والشفنين (التي سنتناولها في فصول مستقلة) سبع عشر عائلة من الأسماك ليس لها سفط, وتضم كل عائلة من تلك العوائل العديد من أنواع الأسماك وهذا يعني وجود عدد كبير نسبياً من الأسماك عديمة السفط والعديد منها يباع في أسواق الخليج العربي ومنها ما أصبح له أهمية اقتصادية, وحتى يمكننا تناول هذه الأنواع بطريقة تسهل التعرف عليها قمنا بتقسيم هذه الأسماك لمجموعات فرعية هي: الأسماك ثعبانية الشكل, والأسماك الملساء, والأسماك السامة, والأسماك غريبة الشكل والأسماك المصوتة. بالإضافة لتلك المجموعات هناك أسماك اختلف على وجود السفط فيها عند العامة.
وهي تلك الأسماك التي لها شكل ثعباني لكنها تعرف بلغة العلم بأسماء أخرى مثل الشكل الإنقليسي والشكل السلوري والشكل الإنبوبي ولكنها تشبه بالشكل الثعباني وغالبية الأسماك التي يكون لها هذا الشكل تكون عديمة السفط وتكون في محل شك حتى يتم التأكد بصورة قطعية بوجود السفط فيها وقد ذكر الفقيه الراحل السيد محمد حسين فضل الله في كتابه «ثمار البحر» رواية بهذا المعنى وهي الرواية الثانية عشرة بحسب ترقيم الكتاب وهي خبر صالح بن السندي عن يونس، قال:
«كتبت إلى الرضا (ع): السمك لا يكون له قشور أيؤكل؟ قال: إن من السمك ما يكون له زعارة، فيحتك بكل شيء، فتذهب قشوره، ولكن إذا اختلف طرفاه، يعني ذنبه ورأسه، فكل».
أما الأسماك التي لها هذا الشكل ومن الثابت أن ليس لها سفط فهي كالتالي:
الاسم إنقليس أو إنكليس تعريب Anguilla باللاتينية وهو يخص عائلة Anguillidae وقد اتسع في الاسم وأصبح كترجمة للاسم الإنجليزي eel الذي يطلق على أغلب أفراد رتبة الإنقليس Anguilliformes باستثناء بعض العائلات التي لها أسماء مستقلة كما سنرى لاحقاً. ملخص ما ذكره أمين معلوف عن الإنقليس (معلوف 1985, ص11 و95 - 96) «من مرادفات الاسم إنقليس الواردة في كتب اللغة: المارماهي والمارماهيج (كلاهما فارسي وتعني السمك الثعباني) والإنكليس والقريث والجريث والنون والصلنباح, ويسمى في الشام الحنكليس وفي بغداد مرمريج وفي مصر ثعبان الماء والأصلح تجنب هذا الاسم الأخير فثعبان الماء عائلة من الثعابين الحقيقية. والبعض يسميه الجري بحسب رواية وردت في «لسان العرب» مفادها أن الجري بمعنى الجريث, وهذا خطأ فهذا الأخير من أسماء السلور». انتهى.
ويسمى الإنقليس عند العامة في البحرين والخليج العربي «ناجوج» والبعض يلفظها «ناجوت» وعلى ساحل الإمارات وعمان تسمى بعض أنواع الإنقليس «أصفهان» و «أبو جني» والتسمية الأخيرة قريبة من الاسم المحلي «أبو لجني» وهذه هي التسمية المحلية لثعابين البحر الحقيقية.
وربما سميت هذه الأسماك بالناجوج لسرعة انقضاضها فهي تختبئ في شقوق الصخور أو مدفونة في الرمل وعندما تهاجم أو تشعر بمرور فريسة أو خطر ما فإنها تفزع من مكانها وتهاجم ذلك الشيء بصورة سريعة, وعليه نرجح أن الاسم ناجوج مشتق من «النأج» أي سرعة الانقضاض, جاء في تاج العروس (مادة نأج) أن النَّئّاجُ هو السَّريعُ ومنه سمي الأسد بذلك وذلك لسُرْعَةِ وُثُوبِه, ونَأَجَتِ الإِبلُ في سَيرْها, ومن المجاز: نَأَجَت الرَّائحةُ ، أَي عَجَّتْ.
ومن أنواع الإنقليس المتواجدة في المياه الإقليمية للبحرين «الشيق».
الشيق نوع من الإنقليس يصنف في عائلة مستقلة وجميع أفراد هذه العائلة تسمى باللغة العربية الفصحى»الشيق» وتسميها العامة في البحرين «ناجوج», وملخص ما ذكره أمين معلوف عن أسماء الشيق الأخرى (معلوف 1985, ص165):
«يسمى هذا السمك أبومارينا وهذا الاسم ورد في تاج العروس وهو تعريب Muraena باليونانية والبعض ترجم Lamprey بمعنى أبومارينا وهذا خطأ. وذكر فورسكال اسماءه في جده وكتبها الشاقة بالعربية وScoega وSchoega بالحروف اللاتينية وربما صوابها الشيقة أو الشيق الوارد في تاج العروس».
يقال سلور وصلور وهي تعريب Silurus اليونانية الذي ينتمي إلى عائلة Siluridae وهذه العائلة تعيش في المياه العذبة. وقد عمم اسم سلور ليس على هذه العائلة فقط وإنما اتسع ليشمل عائلات أخرى تنتمي إلى رتبة Siluriformes أي السلوريات والتي تسمى بالإنجليزية Catfishes وذلك تشبيهاً لها بالقط فهي تشبه وجه القط بما فيه من زوائد حسية كأنها تلك الموجودة عند القط. وتعرف هذه الأسماك باسم الجري أيضاً. وقد وردت كل من السلور والجري في المعاجم وكتب اللغة ونقلها أمين معلوف وخص بها Siluridae. ثم اعتبرت هذه الأسماء أي السلور والجري كترجمة للاسم الإنجليزي (Catfish). وتعرف عائلات السلور التي تعيش في البحر باسم السلور البحري أو الجري البحري. وذكر أمين معلوف العديد من الأسماء العامية والعربية لهذه الأنواع وخصوصاً تلك التي تعيش في المياه العذبة جاء أن هناك أنواعاً منها تسمى في نيل مصر بالقرموط والبياض والدقماق والبقرة وفي الفرات تسمى أنواع منه بالبز ومنها أنواع تسمى في بعض نواحي الشام البربور (معلوف 1985, الصفحات 26 – 27 و 53 و 65). ويوجد في المياه الإقليمية للبحرين عائلتان من السلور هما:
تعرف هذه الأسماك في الكتب العلمية باسم السلور البحري أو الجري البحري أما في البحرين فتعرف باسم الچِم والچِن وفي الكويت تسمى الچِمة, وتكنى صغار هذه الأسماك في الكويت باسم «اطويرات الربيع» لأنها تكثر في الربيع ومنهم من يأكلها, أما كبار هذه الأسماك فتكنى في الكويت بالمنچس وهي لا تؤكل ولربما كُنيت بذلك لأن هناك من يستنجسها (البكر 2000, ص137), ولا غرابة في ذلك فهذه الأنواع تكنى في البحرين باسم «سمچة (سمكة) حرام» وذلك لشهرة حرمة هذه الأسماك عند الطائفة الشيعية.
ولفظة «الكمة» تعني, بحسب ما ورد في «لسان العرب», القلنسوة وهي غطاء صلب واقٍ للرأس, ولا أدري إذا كان لهذه التسمية علاقة بهذه الأسماك أم لا حيث من مميزات هذه الأسماك أن لها درعاً خلفياً عظمياً مغطى بطبقة من الجلد يغطي رؤوسها.
وتنتمي هذه الأسماك إلى رتبة السلوريات وهي تشبه الإنقليس ومنها سميت بعائلة السلور الإنقليسي Eel Catfish. وتعرف هذه الأسماك في البحرين والخليج العربي باسم «عي» والبعض في البحرين يسميها «أعچي» وتكنى في البحرين باسم «سمچة (سمكة) حرام». وتسمى هذه الأسماك في اليمن «حاف» (وزارة الثروة السمكية اليمنية) وفي مصر تسمى «جلخ» (موقع أسماك مصر, فرع من موقع kenanaonline.com). وأشواك هذه السمكة سامة وقد تكون لسعتها قاتلة, أما لحمها فيقول عنه البعض إنه ممتاز. وقال لي بعض العامة من ذوي الخبرة في الأسماك إنه عندما يتم إخراج هذه السمكة من البحر فإنها تصدر صوتاً حكايته «ني ني», قلت ربما اشتق اسمها من ذلك.
العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ
