العدد 3117 - السبت 19 مارس 2011م الموافق 14 ربيع الثاني 1432هـ

لماذا تتأخر الدول الكبرى في مساعدة الانتفاضة الليبية؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيراً صدر عن مجلس الأمن ذلك القرار الذي طال انتظاره بشأن حملات التقويض ضد المدن وقوى الانتفاضة الليبية. فالقرار الدولي جاء متأخراً وبعد سقوط عشرات آلاف الضحايا نتيجة الغارات الجوية والقصف العشوائي على الأحياء المتمردة ضد تسلط الديكتاتور واستبداد أسرته.

المهم الآن أن القرار صدر بغالبية أعضاء مجلس الأمن وبدأ الاستعداد لتنفيذه في أسرع وقت بغية حماية ما تبقى من مدن ومواقع صامدة وتتصدى للهجمات التي تقوم بها شركات الأمن ومجموعات المرتزقة وميليشيات أولاد الطاغية.

ماذا يمكن أن تفعل الدول الكبرى لحماية قوى الانتفاضة بالتعاون مع دول المتوسط الأوروبية وبالتنسيق مع الدول العربية؟ القرار الدولي يعطي صلاحيات بفرض حظر جوي فوق ليبيا والتصدي للطلعات العسكرية وتجميد الأصول والحسابات والودائع المصرفية والشحنات النفطية. باختصار يقدم القرار كل التسهيلات المطلوبة لتعطيل الآلة العسكرية للديكتاتور باستثناء اللجوء إلى الاحتلال والغزو البري.

المواد التي ينص عليها القرار تعتبر كافية من وجهة نظر الثوار، لكن الكثير من المراقبين يرى أنها ليست كافية ولن تردع الديكتاتور على وقف هجماته الميدانية التي تعتمد على معدات ثقيلة (مدافع، دبابات، راجمات صواريخ) في دك الأحياء وقطع الطرق ووقف الإمداد ومحاصرة المدن حتى تسقط أو تستسلم.

برأي الكثير من المتابعين لتفصيلات الملف الليبي أن الديكتاتور يمتلك الأدوات والاحتياط النقدي والخبرة الطويلة في الحكم ومخزون وافر من الأكاذيب والاحتيال والمناورة للالتفاف على القرارات الدولية وما تستدعيه من إجراءات تخفف عن الديكتاتور أثقال الضغوط من الخارج.

هل ينجح الطاغية في النجاة ثانية من الطوق الدولي والمقاطعة العربية التي تغلق حدود الهرب وتقفل المنافذ التونسية والمصرية والسودانية؟ هذه المرة المسألة مختلفة عن السابق باعتبار أن البلاد منتفضة عليه ومجموعات الثوار لاتزال تسيطر على مساحات واسعة ومواقع استراتيجية وعشرات البلدات التي تعطي شرعية وطنية للتدخل الدولي والحصار المضروب من دول الجوار. وهذا الطوق المحكوم بالشرعية الشعبية الليبية والعربية يعتبر الأول من نوعه في الجانب القانوني ما يعطي قوة مضافة لتغطية ضربات جوية للمطارات العسكرية قد تقوم بها بعض الدول انطلاقاً من أساطيل وقواعد تنتشر في البحر المتوسط.

لاشك أن الحظر الجوي ليس كافياً لكنه يشكل خطوة مهمة لا بأس بها لمصلحة قوى الاعتراض. فالحظر يعطي فرصة لإعادة نهوض الثورة في الكثير من المناطق ويوفر قنوات اتصال ميدانية ويفتح المنافذ أمام الدعم اللوجستي. وهذا يعني أن لا مبرر بعد الآن للفشل أو التراجع باعتبار القرار الدولي سحب الذريعة من قوى الاعتراض وليس هناك من جدوى لتكرار النقد وتوجيه السهام ضد التقاعس الدولي والتردد الأميركي والارتباك العربي.

هل تنجح الانتفاضة العفوية في تنظيم قواها وإعادة ترتيب هجوم معاكس يسترد ما أخذه الديكتاتور ويطوره باتجاه اقتلاعه من حصونه؟ العذر السابق لم يعد وارداً بعد أن نال المجلس الوطني الانتقالي (بنغازي) التأييد العربي والتضامن المصري – التونسي والغطاء الدولي والحظر الجوي واحتمال توجيه ضربات للقواعد العسكرية والمطارات وغيرها من شرايين حيوية تغذي ميليشيات الطاغية.

كل هذه المساعدات المعطوفة على الدعم تنزع الذريعة من قوى الاعتراض التي تؤكد أن الناس معها وهي مستعدة للتضحية من أجل استرداد كرامتها وحريتها وحقها في الحياة خارج فضاء أيديولوجية فوضى الجماهيرية. فالغطاء الدولي الذي اعتمد على دعوة موجهة من جامعة الدول العربية يعتبر سابقة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، وهي علاقات اتسمت تقليدياً بانعدام الثقة والتعارض في المبادئ والتضاد في المصالح.

من المرات النادرة تتوافق الإرادة العربية المشتركة على قرار دولي يطالب القوى الكبرى بالتدخل والمساعدة للدفاع عن شعب عربي يتعرض للقتل والتشريد والطرد من طرف سلطة استبدت بالنظام منذ أربعة عقود. وهذا التوافق يشكل بحد ذاته خطوة لا سابق لها في الدبلوماسية العربية التي عرفت تقليدياً برفض التدخل في الشئون السيادية لأي دولة. والتطور المذكور ما كان بالإمكان تصور حصوله لو لم تتساقط رؤوس النظام أو تتهدد بالسقوط في الكثير من جمهوريات التوريث في المنطقة العربية.

هناك تغير في المزاج العام لابد من الاعتراف بوجوده أخذ ينتزع من واجهة الصراع تلك الشعارات التي تسلحت بها الكثير من الأنظمة العربية لتبرير الاستبداد وسرقة المال العام ومصادرة الحريات. والتغير الذي بدأ من فوق (إسقاط رأس السلطة) أخذ ينتقل إلى تحت طارحاً مجموعة شعارات لا تأبه بتلك المحاذير الماضية التي كانت تربط الأمن بتحرير فلسطين وإعلان حال الطوارئ إلى الأبد بذريعة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وهذا الجديد في المزاج الشعبي العربي العام يعتبر من العلامات المفارقة التي تؤكد فعلاً وجود متغيرات بدأت تؤثر على خيارات الأنظمة وقراراتها، ما يفسر ظهور أجواء رسمية لا تعترض على التدخل الدولي إذا كان الشعب يطالب بذلك.

المطالبة العربية الرسمية ودعمها لقرار مجلس الأمن تعتبر إشارة لافتة تؤكد حصول متغير مهم في توجهات السلطات السياسية مع ما تتضمنه من مخاطر لكون خطوة جامعة الدول العربية تشكل سابقة قانونية قد تستخدم وثيقة رسمية مودعة لدى الأمم المتحدة ويمكن استخدامها في حالات مشابهة.

حتى صباح أمس لم تستخدم الدول المعنية قرار مجلس الأمن بشأن ليبيا. فالديكتاتور لايزال يناور ويلعب على هامش الوقت من خلال ادعاء وزير خارجيته (موسى كوسا) قبوله بوقف إطلاق النار وتجميد الطلعات الجوية. القبول الشكلي أربك الدول الكبرى وأعطى فرصة إضافية للطاغية أن يستكمل هجومه البري على مصراتة وأجدابيا ويتقدم ميدانياً إلى بنغازي لمحاصرتها ويوجه ضربات صاروخية ومدفعية على مدينة الزنتان والجبل الغربي.

الوقت المضاف - إلى مدة الشهر الذي أعطته إدارة واشنطن للتخلص من قوى الانتفاضة - يراهن الديكتاتور عليه للانتهاء من الثورة. فابن الطاغية أعلن سابقاً أنه يحتاج إلى 48 ساعة لتقويض الانتفاضة وإعادة الشعب إلى زمن الجماهيرية. المدة انتهت أمس ولايزال طاغية الجماهيرية يواصل ضغوطه لإسقاط المدن من خلال التهديد والوعيد وقطع المياه والكهرباء والمواصلات والاتصالات واستخدام كل ما يمتلكه من مخزون تدميري لتحطيم كبرياء الناس في وقت لاتزال الدول الكبرى تتردد في أخذ قرار حاسم بشأن المجازر وحمامات الدم التي يرتكبها الديكتاتور بحق الشعب.

لماذا التأخير مدة 48 ساعة إضافية بعد أن سقطت الحجة التي تذرعت بها الدول الكبرى؟ القرار صدر بموافقة عربية والديكتاتور أعلن صراحة رفضه له، وهو يراهن على الفترة المضافة لينهي الانتفاضة وتصبح الخطوات الدولية لزوم ما لا يلزم ومجرد مساعدة لا قيمة استراتيجية لها. هناك فعلاً أسئلة عن التردد. فهل لاتزال تراهن الدول الكبرى على نجاة الديكتاتور من حفل الوداع لتقوم لاحقاً بتعويمه بالمال مقابل ضمان وجوده في حصنه المحاصر دبلوماسياً ودولياً، أم أنها فعلاً أخذت قرارها وحسمت أمرها لمصلحة الثورة الليبية؟ هجوم الطاغية في الوقت المضاف وتراجع قوى الانتفاضة في الزمن الضائع يثير علامات استفهام بشأن مدى جدية عواصم القرار في استخدام القوة الجوية لمنع انقلاب التوازن الميداني.

حتى أمس لم تستخدم الدول المعنية القرار الدولي الذي صدر بعد جهد جهيد وطول انتظار، وهذا ما يعطي فرصة للديكتاتور للنجاة حين تأتي المساعدة بعد فوات الأوان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3117 - السبت 19 مارس 2011م الموافق 14 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً