العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ

الإمارات تواجه مشكلات شح السيولة وأزمة اليابان قد تحمل معها الحل

الزلزال الذي ضرب ثاني أكبر وأنشط اقتصاد في العالم ترتب عليه نوعان من التوقعات: الأولى متشائمة ترى أنه قد يعمل على تباطؤ عجلة تعافي الاقتصاد العالمي، وأخرى متفائلة تعتقد أن القلق الذي سيطر على الأسواق جاء نتيجة لردة الفعل الأولى على قيام اليابان بسحب جزء من أصولها من الخارج؛ ما انعكس سلباً على أسواق المال والسندات، ناهيك عن مخاطر أخرى تتمثل في الخشية؛ ما قد يصيب أكبر ثلاثة بنوك يابانية تمتلك ما يصل إلى تريليون دولار من الأسهم المحلية التي انخفضت بشدة في الأيام الماضية .

لكن قد يصح المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد". فمما لا شك فيه أن الأموال التي سحبتها اليابان من الخارج والتي كانت وراء ارتفاع الين إلى مستويات غير مسبوقة في الأجل القصير الماضي، ستستخدم في إعادة الإعمار وبخطى سريعة جداً؛ ما سيرفع من مستويات الطلب في كل أنحاء العالم بما في ذلك الطلب على السلع الأميركية. وهذا ما سيعطي دفعة قوية جداً للتعافي العالمي الذي يعاني نقص الطلب وتنافساً حاداً على الأسواق . وخلال الأشهر المقبلة وبعد أن تلتقط اليابان أنفاسها من هذه الكارثة الأليمة التي حلت بها سنراها تحث الخطى نحو إعادة سريعة للإعمار ربما تكون مناسبة كي تعود من خلالها اليابان إلى موقعها كثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد أن غادرته إلى الترتيب الثالث.

زلزال اليابان أيضاً سيعطي دفعة قوية لأسعار النفط التي ستبقى فوق مستوى المئة دولار بسبب الخشية من الاستمرار في بناء المفاعلات النووية في المناطق المعرضة للكوارث والزلازل. إذاً، العالم أمام تعاف اقتصادي يجب أن نستعد لاستقباله بالخروج من المشكلات الاقتصادية المتعلقة بالسيولة.

وخلال الفترة الماضية كان الجميع يعلق التباطؤ الاقتصادي والتراجع في أسواق الأسهم والعقار وأسواق التجزئة وكل الأسواق الأخرى على شماعة الأزمة المالية العالمية، ولكن عندما يتعافى الاقتصاد العالمي فلن يكون مقبولاً لاقتصاد منفتح على العالم الخارجي كاقتصاد الإمارات أن يفسر عدم تعافيه واستمراره عند معدلات نمو يحققها قطاع النفط الخام فقط.

وفي الأسابيع الماضية استمر الاقتصاد الإماراتي في أدائه الضعيف الذي تعكسه مرآة الأسهم، كونها الأكثر بريقاً في هذا المضمار. فعلى رغم اشتداد الاضطرابات في المنطقة ودول الجوار خلال النصف الأول من شهر مارس/آذار الجاري، فإن أسواق الأسهم في كل من قطر والسعودية وعُمان تمكنت من تحقيق مكاسب تفوق ما حققته الأسواق الإماراتية التي ارتفعت بنسبة 1 .1 في المئة فيما ارتفعت السعودية بنسبة 1 .2 في المئة وقطر بنسبة 3 .2 في المئة وعُمان بنسبة 6 .1 في المئة.

ولاتزال أسواق الإمارات غير المعنية بما يجري من توترات إلا من خلال كونها تقع في المنطقة المضطربة، تواجه مشكلات شح السيولة ربما بأكثر مما تعانيه الدول الخليجية الأخرى. وعندما تتراجع أسواق الإمارات بنسب تفوق تراجع أسواق الدول الخليجية التي تقل عن الإمارات بمستوى كفاءة اقتصاداتها، فإن نزيف خسائر القيمة السوقية يتواصل مع تزايد حدة مشكلة السيولة.

وخلال شهر منذ منتصف فبراير/شباط الماضي وحتى منتصف مارس خسرت أسواق الأسهم 19 مليار درهم. وعلى رغم كون القيمة السوقية تعبر عن الثروة الورقية التي يملكها المجتمع، فإن تراجعها لا يخلو من الانعكاسات السلبية على مستويات السيولة الحقيقية في البلد من جهة وينعكس من جهة أخرى على أداء أسواق الأسهم ذاته من خلال تأثيره في قيم التداول وأداء المؤشر نفسه الذي يرتبط بعلاقة موجبة قوية مع قيم التداول.

ففيما يتعلق بتأثير خسائر القيمة السوقية على السيولة فإنه يمكن من خلال جانبين الأول نفسي ويتمثل بالتأثير الذي تمارسه سرعة تداول النقد في السيولة الكلية. فمعلوم أن الدرهم الواحد يؤدي وظيفة عدة دراهم بحسب سرعة تداوله، وكلما ازداد عدد المرات التي ينتقل فيها الدرهم من شخص لآخر لتسوية معاملة أو تسديد قيمة سلعة أو خدمة ازدادت السيولة. ارتفاع القيمة السوقية يخلق لدى المستثمرين شعوراً بالإثراء يدفعهم نحو الإنفاق الذي بدوره يدفع نحو تحسن الطلب والإنفاق لدى شرائح أخرى من المجتمع، وهكذا تكبر كرة الثلج وتتسارع خطى الانتعاش. والعكس يحدث تماماً عندما تتقلص القيمة السوقية وتخسر نسبة كبيرة من أصلها، في النصف الأول من العام 2008 كانت القيمة السوقية التي يمتلكها المواطنون تربو على 800 مليار وكان ذلك مصدر إنعاش للإنفاق والطلب وتزايد سرعة تداول العملة. فالمال لم يكن يبقى لدى حامله سوى فترة قصيرة يشتري خلالها عقاراً لا يلبث سعره أن يرتفع فيقوم ببيعه وينتقل المال إلى آخر وهكذا دواليك. ولكن عندما انخفضت القيمة السوقية وشعر المستثمرون بأنهم خسروا جزءاً من ثروتهم، بدؤوا يبدون حرصاً وحذراً في إنفاق ما لديهم من سيولة، بل ويماطلون في تسديد ما عليهم من التزامات ويسعون قدر الإمكان إلى تأخيرها، ولم تشذ في ذلك حتى المؤسسات وعلى رأسها المصرفية.

وهكذا أخذت كرة السيولة بالتدحرج نحو الداخل والتقلص في حجمها، ويزداد الأمر عمقاً كون خسائر القيمة السوقية لا تقتصر على الثروة المستثمرة في الأوراق المالية وإنما أيضاً على الثروة العقارية. وبالانتقال من الجانب النفسي وتأثيره في سرعة التداول للنقود إلى جانب التأثير في المقدرة الفعلية المالية للأفراد، فإن تراجع قيم الأصول المالية والعقارية يقلل الملاءة المالية للأفراد والمؤسسات، وبالتالي يقلل بصورة مباشرة من قدرة الأفراد على الاقتراض، ومن مقدرة البنوك على منح القروض بسبب تراجع قيم الضمانات المالية والعقارية. والأكثر من ذلك فإن خسائر القيمة السوقية تدفع المصارف إما للطلب من المقترضين لزيادة قيمة الضمانات المقدمة سابقاً للقروض قبل تراجع القيمة السوقية للعقار والأسهم، وإما قيامها بتسييل الأصول التي تراجعت قيمتها السوقية وفي هذه الحالة يزداد الأمر سوءاً نتيجة لمزيد من التراجع في القيمة السوقية

العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:54 ص

      تقرير رائع

      هذه التقارير الاقتصادية والمالية المطلوبة، و نحن خريجي الاقتصاد نطالب بوضع الكثير من المواضيع الاقتصادية ذات البعد التحليل في جريدتكم الغراء.. شكرا لكم

اقرأ ايضاً