العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ

تفسير معنى «هورة» في المعجم اللغوي

احتدم جدل - يبدو أنه بدوافع سياسية وانتخابية وربما لدوافع خفية - منذ مدة زمنية تزيد على 8 أشهر بين فريق من النواب والبلديين، وبين جمهور غفير من المواطنين بشأن تسمية مشروع بيوت إسكان النويدرات الجديدة المشيدة في سيحة بربورة أو سيحة النويدرات كما هو معروف، مؤكدة كتسمية في وثائق رسمية أو أهلية كالوثائق الحكومية وشهادات المؤرخين ومخطوطات أهالي بربورة والنويدرات، وهي وثائق محفوظة لدى الناس، فأهالي المنطقة في القرى الأربع (النويدرات والعكر والمعامير وسند) يرون المنطقة التي أقيم عليها المشروع هي (سيحة بربورة أو سيحة النويدرات)وفقا لتاريخهم الطويل والوثائق الرسمية والمراسلات الحكومية التي يحتفظون ببعضها.

وبموجب هذه الوثائق تمثل امتدادا طبيعيا لدائرتهم الخامسة التي تربط بين النويدرات وسند منذ تاريخ بعيد يتخطى أربعة قرون على الأقل، إن لم يكن أكثر عمقا من الناحية التاريخية، ويصر أبناء المنطقة على أن اسمها القديم «بربورة» وفقا للمصادر والمخطوطات التاريخية، ولا ينبغي لأحد التنكر لهذا الاسم التاريخي المتجذر.

وإذا كان الصراع - كما يبدو من سجال الفريقين - سياسيا بين بلديين ونواب دائرة زرعت عنوة ضمن تقسيم إداري غير متوازن من ناحية نسبة التمثيل الشعبي، ويخترق الامتداد الطبيعي لمنطقة تاريخية ويلحقها بمنطقة لا تتجاوز في عمرها الزمني سوى (225) سنة، ويمزق هذا التقسيم الاتصال بين أهالي منطقة انتخابية هي الدائرة الخامسة ويفصل بيوتاتهم، وبين جموع غفيرة من المواطنين تناسلوا عبر تاريخ طويل في منطقة بربورة أو سيحة النويدرات فتحسسوا خطورته على نسيجهم الاجتماعي.

ونحن - بمشاركتنا الوجدانية لهم - ندرك منذ البدايات الأولى خطورة الخطوة التي اتخذها أصحاب التسمية الجديدة المنافية للتاريخ وإلغاء متعمد لتاريخها وإرثها الاجتماعي، وكأنها لم تأخذ موقعها التاريخي على خريطة البلاد منذ قرون متعاقبة، فهي ( أي بربورة) على حد تعبير الشيخ إبراهيم المبارك، وهو أحد أبرز مؤرخي الحركة الثقافية من علماء البحرين بلاد كبيرة ومنطقة قديمة «(حاضر البحرين ص 33 ، 50).

فبيوت أهل البحرين على حد تعبير عملاق البحرين الكبير الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني رحمه الله تعالى «متصلة يومئذ من خلف القطع الجنوبي إلى بربورا وإلى كرزكان» انظر (يوسف آل عصفور، الكشكول، ج1 ص 79)، وقد ذكر هذه البيانات التاريخية بعد حديثه مباشرة عن الغزو الأموي في عصر عبدالملك بن مروان.


التسمية الجديدة

تمسك نواب الدائرة الثامنة والبلديون بتسميتهم الجديدة (هورة سند) منذ الانتهاء من المشروع، وسببوا للناس صدمة تاريخية بأن تجرأوا على تاريخ صنع مجده آباؤنا وأجدادنا، ولكنهم صمتوا عنها فترة ثم عادوا لاجترارها وتقديمها للمجلس النيابي بتسميتها الجديدة لأنها في نظرهم وفق التقسيم الانتخابي ملحقة بالدائرة الثامنة التابعة لمنطقة الرفاع، وبالتأكيد لم يجد أهالي القرى الأربع راحة في هذه التسمية لمخاطرها الحضارية وتصادمها مع مكونات شخصيتهم القيمية سوى العودة إلى الاحتجاج ومقاومة هذه التسمية بأساليبهم السلمية، فبربورة تاريخيا لن تقبرها هورة سند أبدا.


المفهوم اللغوي للتسمية

«هورة سند» لا تحمل للذاكرة معاني جميلة ومشوقة وجاذبة في النفس البشرية، فكلمات «هَوْرَة ، والهَوْرَة والهُوْرَة، والهورات، والهَوْر، وهَوَّر تهويرا» بحسب ما جاء في عدد من معاجم اللغة لا تبعث في النفس الراحة والطمأنينة والرضا الداخلي، ولا تحظى بالقبول والاستحسان العقلي - النفسي، عوضا عن إيحاءاتها بخسة معناها في معاجم اللغة، بل إنها كألفاظ منفرة ومقرفة تستبطن على نحو غير خفي معاني استفزازية لدى الإنسان، فالنواب وزملاؤهم من البلديين يسوٍّقون للتسمية إمَّا وهم غير مبالين على ما يبدو بدلالاتها المنفرة من النفوس أو أنهم لا يدركون أصلا معانيها اللغوية في مصادر اللغة ومعاجمها ، فيكررونها بجهل أو إمعانا في إلحاق الأذى النفسي بالآخرين أو ربما وجدوا في الإصرار عليها صدى لما في نفوسهم من رواسب راكدة تتحرك بين حين وآخر تتوحد مع الماضي بطريقة غير توافقية.

أما سند فقرية بحرانية ذات أصالة تاريخية تقع شمال بربورة وجنوب النويدرات، لها وجودها التاريخي في المصادر التاريخية، وذكرها مؤرخون بحارنة وعربا وأجانب كالمؤرخ الانجليزي جون جوردن، لوريمر في دليل الخليج، وكذلك من مؤرخي البحرين الشيخ محمد علي التاجر في «عقد اللآل في تاريخ أوال»، والأستاذ ناصر بن جوهر بن مبارك خيري في كتابه المعروف (قلائد النحرين في تاريخ البحرين)، وأيضا الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه حاضر البحرين، وهي قرية ذات اسم يحمل دلالات إيجابية تشعر الإنسان بالفخر والعزة والمجد والرضا النفسي خلافا تماما لمصطلح «هورة» المقززة.

والمستفاد من المعاني المستقاة من بعض معاجم اللغة العربية ومراجعها أن تسمية (هورة سند) تنطوي على معنى عام يربط الكلمات السابقة في مفهوم لا تشعر النفوس بالراحة ولا يتحسس الناس من المنتمين للمنطقة بالرضا والفخر، فـ «الهَورة» بنصب حرف الهاء، والهُورة بضم حرف الهاء، والهورات... جمع مفردة هورة، والهور، والتهوير» كلها كلمات تلتقي في معنى لغوي واحد ، ويصب في سياق مفهوم عقلي - نفسي له دلالته السيئة العصابية بنحو لا يريح السامع ولا يشعر القارئ للفظ بحالة رضا داخلي، وبالتالي فمصطلحهم النشاز بدلالته الاستفزازية الاستعلائية يشوه تاريخنا الوطني بكلمات غير مريحة تخلو من جمال اللغة وأناقة المعنى والبيان، ويؤدي إلى تكوين حال من التأزم النفسي لكل من يسكن المنطقة، بحيث يكون موضوعا للاستخفاف والسخرية والتندر والتسفيه والحط من قيمة الذات وصورتها الاجتماعية.

فهناك اتفاق تام بين خبراء اللغة العربية على الأقل، وفي عدد من قواميس ومعاجم لغتنا العربية الجميلة على أن كلمة «الهَوْرَة» ومشتقاتها اللفظية المرتبطة بها ذات أبعاد لغوية ونفسية وسلوكية مهينة للذات الإنسانية التي حظيت بكرامة السماء وتمجيد القرآن، فهي تلتقي في معاني واحدة مثل كلمات التهلكة، المهلكة، وأوقعه في التهلكة، التهمة وسوء الظن، وقطيع من الغنم. (انظر معجم الوسيط، ج 2 ص 999، والمنجد في اللغة والإعلام ص 876 ، ومعجم ص 1072، ومعجم رائد الطلاب ص 843).


الآثار السيكولوجية للهورة

وتستبطن المصادر اللغوية ومعاجمها وقواميسها دلالات سيكولوجية منفرة للتسمية تصادم إلى حد كبير الوجدان الإنساني والواقعية التاريخية لشخصية الإنسان البحراني ومقوماتها الحضارية – الروحية الموصولة بعمق تاريخي أصيل، وسنحاول تحليل مصطلح التسمية الجديدة «هورة سند» في ضوء الدلالات اللغوية للمصطلح، وتنبيه الجهات المعنية بقبح التسمية وانطوائها على معاني سيكولوجية تصادم ذوق الإنسان العربي ومكونات شخصيته العقلية والروحية السوية.

إن دعاة «الهورة» وأصحابها يأخذوننا إلى مفارقة حادة للواقعية التاريخية، وهي مفارقة تصادم أسماء تاريخية لمناطق تقليدية في البلاد من جهة، وتضاد الذوق العربي من جهة ثانية، ويحاولون السير بنا – بوعي ومن دونه – في محيط لغوي منفر يذكرنا دائما بشبكة من الألفاظ السيئة في دلالاتها اللغوية والنفسية، فإذا ما سمع الإنسان من أبناء المنطقة أو من زوارها ذكر «الهورة « خطرت في ذاكرته معانيها السلبية التي تطويها في داخلها من كلمات منفرة تستبطن معاني التهلكة والتهمة وسوء الظن ومجاميع تائهة من قطيع الغنم.

ومن الدلالات النفسية غير السوية التي تنطوي عليها التسمية الجديدة المثيرة للجدل، وهي كما تقدم مشينة وسيئة الصيت ما يأتي:

- الشعور بالحرج والضيق والتقزز النفسي من معنى التسمية لدى الإنسان والمواطن إذا ما تذكر ذاتيا الدلالات اللغوية للتسمية.

- الشعور بالمذلة والإهانة غير اللائقة لارتباط التسمية في أحد معانيها بقطيع من الغنم.

- تذكر التسمية «الهورة» الإنسان ومن يسكنها بخاصية سلوكية غير مرغوبة حتى بالنسبة لغير الأسوياء من الناس وهي التهمة وسوء الظن، وهي كما نعلم جميعا خبرة وجدانية لا يود الشخص أن يوصف بها أو تخلع على ذاته، ومن هنا لا يستبعد أن تستثير التسمية في داخله كراهية «لذاته» ومقتها، وتستحضر في ذاكرته معاني التهلكة والراغب في التهمة وسوء الظن والقبول بأن يكون واحدا من فئة تعيش في التهم وإثارة الفتن وإساءة الظن بالآخرين.

- الشعور بالفوقية والتكبر بصورتيه الخفية والعلنية لأن التسمية (وإنْ أُقرَّت بألفاظها) تنطوي على ليّ الذراع بالقوة، فهم (أي دعاة الهورة والمنادون بها) اقترحوا الاسم وحاولوا فرضه على الآخرين بنفوذهم وتعاونهم المؤذي للنفوس دون اهتمام بمشاعر المواطنين.

- وتنطوي التسمية كذلك على رغبة مرضية في إيذاء الآخرين والذات معا، ويتجلى السلوك العدواني في وصف أبناء «الهورة» بالصفات السيئة الواردة، فالإصرار على التسمية هو في حد ذاته سلوك عدواني موجه نحو الآخر يتم بقهر أصحاب الطلبات وكل المواطنين الذين ينحدرون من آبائهم الذين عاشوا في أرضهم تاريخا طويلا بمنطقتهم وأرض أجدادهم.

- ونستوحي من باطن التسمية مأزقا سيكولوجيا قد يؤدي إلى نمو حالات مرضية وهو وقوع الذات في مأزق «التناقض الوجداني» ونمو حالة من الصراع النفسي لا يتمكن فيها الفرد من الحسم الإيجابي والموفق، وهو مواجهة مفروضة على المواطن بين ما يحبه في أرضه وما يؤكد فيه انتماءه لأرض أجداده، وبين ما تستثيره التسمية المستهجنة من تحقير وتسفيه وكراهية للذات وحط لوزنها الاجتماعي، فحبه متجذر تاريخيا لهذه الأرض، بيد أن العيش تحت سقف التسمية الجديدة تجعله تحت مطرقة الشعور بالتحقير والوضاعة وتسفيه كيانه النفسي.

- يواجه صاحب الهورة مشكلة في داخل نفسه تجسد إحساسا عصابيا هو الشعور بالنقص الذي يضغط على داخله، فيحاول تعويض إحساسه المرضي بالرغبة في إثبات ذاته، وإبراز غير سوي لهويته التي لا يتجاوز عمرها على أبعد مدى زمني عن (225) عاما، من خلال تضخيم الذات والمبالغة في الانتماء، وهذا يقتضي أن يحاول – بصورة خفية وعلنية - استصغار الآخرين فيراهم بنظرة استخفافية، وبالتالي يحدث نفسه بأن للغير وجود في البلاد أقل من وجوده زمنا، ويظهر نفسه للآخرين بنَفَس خصائصه القبلية بأنه عاش في البحرين مئات السنين على رغم أن كل الوثائق التاريخية تحسم الإجابة التي يفهمها العاقل بإشارة بنان.

يوسف مدن

العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً