العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ

الضياع

خرجتُ ابحث عنه في ليلة ذات لهب، لاتحرى الخبر، إن ضاع واختفى إلى الأبد، أم طاب ورجع إلى الوطن، ولتحقيق. هذا الهدف، يحذوني الأمل، فسرت بين كل منعطف ومنحدر، وفي الزقاق المسدود، وفي البراري والقفار، وفي الحدائق والمنتزهات، وفي البحار والجزر، وفوق أسطح السفن، وفي السواحل المكتظة حتى السحر، وما أعظم القدر، يروع الأبرياء من البشر، من زمرة هم أشذ خطر، من ذئاب على البشر، لأنهم يعيشون مع الناس في الحضر، فعذرهم مروع وكدر، وسوء أخلاقهم جرائم لا تغتفر، فالحذر كل الحذر، من هؤلاء البشر، في مشية معهم، أو تقليد أفعالهم بضرر، أصنافهم متعددة، وظفرت بكل صنف ما رأت عين، وابتليت فصرت، ولا غرو بعد، فحبيبي وطني الغالي أبد، فها أنا أقطع البيداء في خطر، في ليل شديد اللهب، وتصادفني كومة مسروقات تحرسها لصوص خطر، فيلاحقنني ضربا بالأحجار، وصفعا بالرمال، فاحنيت ظهري، وسرت في دربي، وأنا أقول، أناس يكدحون، وآخرون يسرقون، فيا لخيبة الأمل، وعلى بعد البصر، رأيت أقواما يحتسون الخمر، وهم في حالة هيجان، فرموني بزجاجاتهم الفارغة، قبل أن تصل قدمي إلى مكانهم، فادموني جراحا، ففرت لما خفتهم، إلى الحدائق والبساتين، وقلت في نفسي، شباب خانوا الوطن، وغيّرهم الزمن، ثم واصلت مشوار ليلتي، فحدث العجب، فتيات يجلسن في أحضان الشباب، ويتبادلن القبلات، وما إن رأوني شتموني، بألسنة حداد، إن جنيت وقلت ما رأيت، وطاردوني، فعبرت الطريق، إلى ساحل البحر، وأنا أقول، يا للأسف، خيبة الأمل، بنات يدعين حقوق المرأة، ولكنهم العيب والسبب، وهناك أناس نيام، على الرمال، ونساء يمازحن الرجال، وقهقهة دلع، وابتسامة غزل، فاستحييت ودخلت البحر، وركبت قاربي المعهود لي، كلما أردت الصيد، ولكن هذه الليلة، ليست رحلتي للصيد، ولا للنزهة، ولكن اتقصى مكامن الضياع، في عالم مليء بالزوبعات، وشراسة الأخلاق، فيا أمهات، تعالين لرؤية البنات، وما فعلن بالذوات، وهيهات النجاح، في الحياة، ثم سرت بقاربي، إلى سفينة راسية، في عرض البحر، قربت منها وإذا بها رجال وقوفا، يصفقون ويزمرون، وهم على شكل حلقة، وفي وسطهم امرأة جميلة المنظر، عذبة اللسان، ترقص وتغني، وتلوح باليدين، وثغرها ضاحك، وشعرها منثور، ولباسها خفيف عير مستور، فنزلوا لي لما رأوني ليمسكوا بي، ولكنني استطعت الهرب، واتجهت وجهة أخرى، في عرض البحر، ونفسي تحدثني، كيف لهؤلاء الرجال، يراسون الأعمال، ويقطعون الوديان، ويأمرون الناي بالأعمال، وهم قلاع خاوية، وأخلاقهم غاوية، فيا للأسف ويا لخيبة الأمل، من هؤلاء الشرذمة، وعلى بعد بانت لي جزيرة، فقصدتها ورسوت بقربها، وإذا بها رجال ونساء عراة، قد تجردوا من كل الملابس، وما أن رأوني، اطلقوا علي أعيرة نارية، وهددوني بالرصاص، إن بقيت في الانتظار، فابتعدت عن الجزيرة، لأنجو ببدني، فيا خيبة الأمل، من قادة عراة، ونساء يتلاعب بأجسادهن الرجال، وهذه هي الغواية، وليست لها نهاية، فمصير من قادوه إلى الدمار والهاوية، وتشتيت الرعية، واصلت مشواري في عرض البحر لأنهي ليلتي، فشاهدت بعض القوارب، عند الحدود، وإذا بهم يهربون المخدرات، وطلبوا مني التعاون، لكنني أبيت، فأوجعوني ضربا مبرحا كادت تطفر روحي من جسدي، فيا لخيبة الأمل، من أناس يدعون أنهم حراس الحدود، وهم أذل مما يكون، باعوا الوطن، وحصلوا الثمن، ورجعت من حيث أتيت، مرورا بالأزقة والمعرجات، في بلد كله ظلام ولا خدمات، وتكسير وتخريب في الطرقات، ومصابيح مهشمة، مليئة بالرمال، وحفر وتلال، فمرة أصعد في الطريق وأخرى أقع في الحفير، وتارة يصدمني جدار، من الظلام الشديد، فأنادي ولا أحد يجير، غير هدير وحنين، ولا أدري من أين يجيء، ومسيل للدموع، وهواء فاسد مرفوض، وحرائق تخنق العباد، وتؤدي إلى المريض بالزوال، فيا للعجب ويا لخيبة الأمل من درب بها الألم، أوقدها صناع النار في البلاد، فأين الحرية وأين الوطنية وأين الديمقراطية، سوى الاختناق، والموت في الطرق، فيا تعسا لوطن ضاع بين أهله، ولا فيه حماة، من قادة ورجال، ولا حقوق تعطي للأفراد، ولا وظائف تسند للعباد، ولا خدمات تذكر، ولا بيوت تبنى وتسكن، فكأننا نعيش في جزيرة أشباح، أو جزيرة (واق واق)، والجد فيها مستعربٌ لا يطاق، فيا للعجب لمن أضاعوا البلد، وأعدموا الطموح، واضاعوا الأخلاق، والقيم.

إننا يا عباد نطمح في المرتقب، لإصلاح ما فسد وما خرب، وهو قريب منا، فالعجل العجل يا منتظر.

عبدالله محمد الفردان

العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً