العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ

الصحافة ليست عدواً للبرلمان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المتوقع أن تعقد اليوم جلسةٌ طارئةٌ لمناقشة الوضع في وزارة الصحة، على ضوء تداعيات الصراع العنيف في قسم الطوارئ بين رئيس القسم وعدد من الأطباء. النواب سيجتمعون لحلّ مشكلة «إدارية» هي من اختصاصات وزارة الصحة، وكان الأولى بهم الاجتماع لحلّ المشكلة التي سيورطون بها البحرين، في مجال الحدّ من الحريات العامة ومحاصرة العمل الصحافي، عبر تهديد الصحافيين بالسجن إن هم تجرّأوا على انتقاد ممارسات وأداء أعضاء البرلمان، البرلمان مؤسسة، والمؤسسة يتم تقييمها من خلال عملها وأدائها، أما مصادرة الآراء وحرمان الناس من الإدلاء بآرائهم، فهي ديكتاتوريةٌ صرفةٌ، من مخلّفات القرون الوسطى، حتّى لو تلبّست بألف قانون وقانون. بعض الزملاء والزميلات، اقترحوا أن تمتنع الصحف عن تغطية أخبار النواب، لفترة من الزمن، ليكتشف النوابُ أنفسهم أهمية الدور الذي تقوم به الصحافة في تقديمهم إلى الجمهور. وهو اقتراحٌ تمنّينا لو توافرت الظروف الموضوعية لتطبيقه، ولكن... الغريب أن النواب لا يدركون دور الصحافة وطبيعة عملها، بعد أن ضاقوا ذرعاً بممارستها لدورها الرقابي، فأرادوا أن يلفلفوا قانوناً خلسةً، ليصونوا به ذواتهم المصونة، وكأنهم فوق مستوى التقييم والمكاشفة، وفوق الحساب والكتاب، ليتخيّل النواب أنفسهم وقد جلسوا ذات يوم والصحف المحلية خاليةٌ من صورهم وأخبارهم وبياناتهم ومواقفهم وتصريحاتهم. ليتخيلوا لو اتفقت الصحف لمدة ثلاثةِ أيام فقط، على أن تكون صفحة «البرلمان» خالية تماماً. فمن المحتاج أكثر للآخر؟ ولنعترف صراحة... أن الصحافة قامت بدور كبير جداً في تلميع النواب، ولم تألُ جهداً في الدفع بالتجربة البرلمانية الجديدة، تحمّلاً لمسئوليتها الوطنية منذ انطلاقتها الأولى، على رغم ما شابها من تعثّرات وضباب ومأخذ كبرى. ولنعترف أيضاً، ان الصحافة وقفت جنباً إلى جنب المجلس لإثبات نفسه، وتثبيت أقدامه، وليلعب دوره التشريعي والرقابي المأمول. وكانت الصحافة تطمح إلى أن يعمل المجلس ورأسه مرفوع، لأنه لا يمثل فئات أو كانتونات، وانما يمثل الوطن كله، ولكن...، الصحافة الصادقة التي تعكس ما يدور في المجتمع بصدق ، لم يكن بوسعها أن تتجاهل خيبة آمال قطاعات كبيرة من المواطنين في أداء أعضاء المجلس الحالي. ولذلك، لم يكن من المتوقع أن تقف الصحافة معهم عندما يتورطون في الجري وراء مصالحهم الشخصية وينسون الهموم والمشاكل والمصالح العامة، أو يتبنون مقترحات فئوية لا تخدم الوطن والوحدة والتماسك الاجتماعي. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، مرت العلاقة بين الصحافة والبرلمان بلحظات فراق، حرصت خلالها الصحافة على العضّ على جراحها، وتحملت طرد بعض مراسليها ومصوّريها، وتحملت قلةَ خبرةِ كثير من النواب، أملاً بنضج التجربة، ولكن النظرة الضيقة استمرت، والمعاملة المهينة تواصلت، حتى انتهى الأمر إلى نصب فخ للإيقاع بالطرف الآخر، والتلويح بقوانين تؤدي بالصحافيين إلى السجن، فلا تنتظروا والحال هذه أن تقابل هذه العدائية بالتصفيق والتهليل. كان من المفترض أن يعي البرلمان دوره ويقوم به على الوجه الأمثل، رقابياً وتشريعياً، ويترك للآخرين القيام بعملهم، لا أن يتربص بهم الدوائر ويعتبرهم أعداءً ومجرمين، لابد من ملاحقتهم والتلويح لهم بـ «الكلبشات»، ثم ان الصحافة خبرٌ ورأيٌ، فلماذا يريدون أن تتخلى الصحافة عن نصف دورها وتركّز على النصف الآخر الذي يخدمهم ويلمّعهم؟ لماذا يهشون ويبشون لنشر أخبارهم التي يبعثونها على الفاكس، ويتصلون للتأكيد على ضرورة نشر صورهم، ولكنهم يضيقون ذرعاً عندما يقرأون رأياً ناقداً أو تقييماً صادقاً لأدائهم؟ قبل تمرير القانون، على النواب الكرام أن يفكّروا ألف مرّة بالداهية التي يخطّطون لها، فالمسألة ليست خلافاً لغوياً على كلمة «نقد» أو «إهانة»، وإنما هي سلب هذا الشعب أحد مكتسباته الحضارية، وهي حرية التعبير عن الرأي. وكان حرياً بهم أن يحفظوا للصحافة جميلها عليهم، وليتأملوا مع أنفسهم قول الشاعر القديم: أدَمْتَ لعمري شربَكَ المحضَ خالصاً وأكــــــلك بالزُّبــــــدِ المـــــــقشـــــــَّرةَ التمــــــرا ونحــــن وهبنـــاك العــــلاء ولـــم تـــــــكــن علياً وحُطْنا حولــــك الجُردَ والســـــم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1230 - الثلثاء 17 يناير 2006م الموافق 17 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً