العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ

مخطط دولي يعمل لنكبة شاملة تُفضي لضياع فلسطين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

تهرول «إسرائيل» مسرعة إلى الصالونات العربية من بوابة المؤتمرات الاقتصادية، واللقاءات السياسية، فقد عرف العرب - على مستوى الأنظمة - كيف يفتحون الأبواب الاقتصادية والسياسية للعدو وحكومته اليمينية المتطرفة، تارة تحت عنوان «المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بالشرق الأوسط»، وطورا تحت عنوان ما يسمّى عملية السلام، وفي المحصّلة تواصل عملية التطبيع مسيرتها المتسارعة بين العدو وعرب «الاعتدال».

وفي الذكرى الحادية والستين للنكبة نلمح مخططا دوليا، تشترك فيه أطراف عربية وإقليمية، يعمل لنكبة شاملة تُفضي لضياع فلسطين والقضية الفلسطينية بذريعة تقديم العرب مزيدا من التنازلات، بما فيها العمل لدفع 57 دولة إسلامية إلى الاعتراف بـ «إسرائيل»، في مقابل موافقتها على شكل معين من أشكال الدولة الفلسطينية.

لقد طوّر العرب، الذين يطلق عليهم الأميركيون تسمية «عرب الاعتدال»، من استراتيجيتهم في الاقتراب من العدو أكثر كلما قرر أن يذلّهم أكثر، وأخذوا في الاعتبار المتغيّرات التي يفرضها المحتلّون اليهود من خلال اختيارهم لحكومة أكثر تشددا... فوجدوا أن الوسيلة الأفضل لحشر «إسرائيل» في الزاوية تكمن في الانبطاح أكثر أمامها، وتقديم المزيد من العروض التنازلية لها بحجة إحراجها أكثر؟!

ولعل آخر مشاريع الانسحاق أمام العدو ما تحدثت عنه «الفايننشال تايمز» البريطانية، من وجود «خطة عمل تناقشها دول عربية عدة ترفع خلالها من الاتصالات» مع كيان العدو، بما في ذلك السماح للخطوط الجوية الصهيونية بالمرور فوق أجوائها، مع إقامة روابط اتصالات جديدة معه، لمجرد أن يتعهّد العدو للولايات المتحدة الأميركية بتجميد الاستيطان لا وقفه...

ولعلّ هذه الأجواء هي التي دفعت أحد الأمراء العرب، والذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات وكان سفيرا لبلاده في أكثر من موقع، إلى التفاؤل بإمكانية «تغلّب الجيل الحالي على شعور الكراهية بين العرب والفلسطينيين من جهة والإسرائيليين من الجهة الأخرى»، كما يقول... هذا ودماءُ الفلسطينيين في غزة لم تجف بعد، والتحقيقات حول المجازر الكبرى فيها لم تنتهِ... ولكن لبعض العرب أسلوبهم في نبذ الكراهية والخضوع لعدوّهم كلما تمادى في قتلهم أكثر... حتى في الوقت الذي يصرّح كبير حاخاماتهم بأن العرب «أفاعي وحشرات ينبغي التخلّص منها».

لقد أحرق هذا الجيل من السياسيين العرب المتملّقين للعدو مراحل بأكملها، وأَجْهَز على فُرص كان من الممكن أن تدفع بالعدو للخضوع عند أكثر من محطة... وهو يتحدث في هذه الأيام بلغة أقل ما يُقال فيها بأنها لغة العدو نفسه، عندما يُصرّح لصحافة العدو بأن إيران تمثل الخطر الداهم على المنطقة كلها... وحتى عندما يشرب أمين عام الجامعة العربية شيئا من حليب السباع، فيعلن أن الترسانة النووية الإسرائيلية هي التي تشكّل تهديدا لأمن المنطقة وليس المشروع النووي الإيراني السلمي، يُسارع رئيس كيان العدو لتذكيره بهجوم رئيس هذه الدولة العربية على إيران وأنها هي الخطر...

إن هذا الجيل من السياسيين العرب المترهّلين، والذين يمثلون النكبة الحقيقية للأمة، هو جيل الهزيمة العربية الذي لا ينتمي إلى شعوب الأمة وتطلعاتها، ولا إلى تراثها وأصالتها، وعلى الأمة - بطلائعها الحيّة وطاقاتها الشابة الطموحة - أن تبادر إلى إطلاق عجلة التغيير والإصلاح قبل أن يُسلّم هؤلاء بقية المواقع لعدوّها التاريخي وللمحتل الأكثر إجراما وحقدا في التاريخ المعاصر.

ونحن عندما نتطلّع إلى ما يجري في باكستان وأفغانستان من قتل ودمار وتشريد للملايين، فلا نرى دموعا تُذرف في العالم إلا دموع الخوف على الترسانة النووية الباكستانية من أن تقع في أيدي المتطرفين الإسلاميين، كما يقول الأميركيون... وعندما نلتفت إلى ما يجري في العراق من ملاحقة المدنيين بالمتفجرات الحاقدة، وننظر إلى الدماء التي تسيل أنهارا في الصومال، ونحدّق في السودان الذي تنتهكه «إسرائيل» تارة وبعض الدول المجاورة أخرى، نعرف أن حجم الهجمة على الأمة هو أكبر بكثير مما يظن البعض، وندرك أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من طريق استجداء المواقع الدولية التي لا همّ لها إلا تفتيت البلاد العربية والإسلامية، تارة تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وطورا تحت عنوان المذهبية... وصولا إلى العناوين القومية التي يُراد تحريكها من جديد بوجه كل من تحدثه نفسه أن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة جلاديه...

إننا نعتقد أن المرحلة التي تزداد خطورة على المستويات كافة تستدعي حركة غير عادية من علماء الأمة ومرجعياتها، لإعادة رص الصفوف، وإنتاج جبهة وحدوية إسلامية منيعة تعيد الأمور إلى نصابها في الساحات الداخلية، وتدفع بالطاقات الخيّرة والمبدعة إلى تحفيز خطواتها وحركتها في مواجهة عدو الأمة وقوى الاستكبار العالمية التي لا تزال تتحين الفرص للانتفاض على مواقع جديدة في الأمة، على الرغم من مآزقها السياسية والاقتصادية الكبرى.

أما في لبنان الذي يقف في هذه الأيام عند منعطف سياسي يطل على تاريخ السابع عشر من أيار (مايو)، الذي قدّم اتفاق الذل الذي أسقطته الجماهير المؤمنة انطلاقا من مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد، وتواصلا مع حركة المقاومة الباسلة، وتاريخ الخامس والعشرين من أيار الذي حمل بشائر النصر إلى الأمة كلها، لا بل إلى أحرار العالم...

إن لبنان الرسمي والسياسي والشعبي مدعو في هذه الأيام إلى إعلان انتمائه الحقيقي لحقبة الانتصارات والإبداعات الخلاقة التي قهرت العدو، وجددت الانتصار عليه في حرب تموز (يوليو) من العام 2006، كما هو مدعو إلى نبذ أي انتماء لاتفاق الذل المشؤوم الذي أُريد لمحطة السابع عشر من أيار أن تكون المنطلق لزحف احتلالي استكباري يجعل المنطقة كلها فريسة بيد «إسرائيل» وأميركا.

إننا عندما نطل على ذكرى التحرير بنتائجها الكبرى والحاسمة، نعرف أنها لم تكن المتنفّس للبنانيين والجنوبيين فحسب، بل كانت الفجر الذي انطلق منه نور الكرامة والعزة إلى مختلف الساحات العربية والإسلامية، ولذلك أُريد لليل الأنظمة أن يطوّق فجر هذا الانتصار، وما أعقبه من هزيمة للعدو... ومن هنا ندرك حجم الهجمة المضادة التي دفعت بالعرب على مستوى الأنظمة للذوبان أكثر في أحضان العدو، لأن الخطة هي أن يزحفوا إلى مواقع الذل خوفا من أن تزحف إليهم جموع الحرية والكرامة والعنفوان.

إننا في هذه اللحظات، ووسط ضجيج السياسة وفوضى السجال الانتخابي في الداخل، ندعو اللبنانيين جميعا إلى الالتفاف أكثر من أي وقت مضى حول مقاومتهم الشريفة التي مثلّت وتمثل أبرز عنوان من عناوين العزة في الأمة، وخصوصا في الوقت الذي يكتشف الجميع حجم الاختراق الإسرائيلي من خلال شبكاته التجسسية، ومن خلال تهاويله وتهديداته التي ترسمها تصريحات مسئوليه ومناورات جيشه في الميدان.

إننا نريد للبنانيين أن يتلمّسوا الخطى في وحدتهم الداخلية، وألا ينخرطوا في سجالات لا تفيدهم ولا تفيد الوطن حول كلمة هنا، وفاصلة هناك، وأن يجعلوا جلّ همهم في كيف يتحرك الجميع لحماية الوطن من العدو الغادر، وكيف يقْصُروا حركتهم على النافع لهم، وعلى كل ما من شأنه أن يبني الدولة الحرة العادلة القوية.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً