العدد 1247 - الجمعة 03 فبراير 2006م الموافق 04 محرم 1427هـ

إساءات إلى المسلمين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الإساءات إلى الإسلام والمسلمين ورسول الله (ص) ليست صناعة غربية (أوروبية - أميركية) جديدة. فهذا النوع من التحامل على الآخر والتطاول على حرماته بدعة قديمة متأصلة في الكثير من المدارس السياسية والاجتماعية والفلسفية الأوروبية التي تأسست على قاعدة العداء والكراهية للعالم الإسلامي منذ قرون.

المسألة ليست جديدة وليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمثل هذا النوع من النمط العنصري في قراءة الآخر نهض على مجموعة ملابسات تاريخية شكلت مع مرور الوقت بنية ذهنية متخلفة استخدمت علاقات الاجتماع والدولة لتبرير وجودها وصدقيتها. وبسبب هذا النمط العنصري (الاستعلائي) في التفكير نشأت في أوروبا سلسلة أحزاب اعتمدت نظريات فلسفية وسياسية لتبرير التفرقة بين الأعراق والثقافات والأديان.

هذا التيار العنصري قاد أوروبا إلى حروب وويلات وافتعل الكثير من المشكلات وأثار توترات سياسية بين الشعوب وجرجر القارة إلى ارتكاب مجازر ضد الأقليات وأسهم في تفجير معارك دمرت المدن وحرقت المنازل وهتكت الأعراض وتجاوزت كل الخطوط الإنسانية التي تجمع بين البشر.

المسألة ليست طارئة على التاريخ الأوروبي. ومن يقرأ تاريخ القارة يجد عشرات الحروب الدينية والعرقية والقتل على الهوية. فأوروبا في هذا المعنى الفلسفي/ التاريخي ليست واحدة. ومدارس القارة متنوعة وموزعة على تيارات متناقضة تجمع المتسامح والمنفتح في سياق عام مع العنصري الحاقد الذي يكره الآخر ويعمل على طرده من ثقافته ومخيلته. وعانت أوروبا من وجود مثل هذه المدارس الكثير من الاضطرابات والاقتتال الأهلي والحروب القومية/ الدينية ودفعت في الحرب العالمية الثانية أكثر من 45 مليون ضحية بسبب استغلال الساسة لمثل هذه النظريات التي تعتمد نهج التفرقة العنصرية والاستعلاء العرقي الثقافي. فظاهرة التيارات الفاشية (موسوليني) والنازية (هتلر) وفرانكو وسالازار لم تكن مجرد حوادث عارضة في التاريخ الأوروبي، بل تأسست على مجموعة معتقدات نظرية أسهمت في تكوين صورة سلبية عن الآخر وبررت سياسة العدوان والاقتلاع وأعطت شرعية للسخرية من المختلف وعدم التسامح معه وطرده من المجتمع وأحياناً قتله أو حرقه.

الفكر العنصري في أوروبا لم يضمحل بعد خسارته المعركة العسكرية في نهاية الحرب العالمية. فهو تلقى ضربة، لكنها ليست قاضية الأمر الذي أعطاه فرص إعادة تجديد نفسه وتطوير نزعاته التقويضية مستفيداً من الديمقراطيات والحريات والنظريات الليبرالية التي تكفل للإنسان الحق في التعبير عن رأيه. وضمن هذا السياق العام يمكن أن نفهم الحملة على الإسلام بأنها مدبرة ولا يستبعد أن تكون منظمة من جهات سياسية تحاول الاستفادة من الظروف المتوترة مع العالم الإسلامي لإثارة نعرات تستخدم الانفتاح لجرجرة دول القارة إلى مواجهات من نوع مختلف.

كل دول القارة لا تملك الذرائع الكافية لتفسير هذا الحقد وتلك الكراهية للإسلام. إلا أنها تتفق - وهذا هو الواقع الميداني - على التخوف من الإسلام وتخاف من المسلمين من دون ضرورة لتقديم الأسباب والمسببات... والاعتذار.

هذا النوع من المخاوف أطلق عليه وزير الخارجية البريطاني «اسلامفوبيا» أو الرهاب من الإسلام. وجاء ذلك في دراسة صدرت قبل خمسة أعوام عن الوزارة.

الخوف (الرهاب) من الإسلام مسألة واقعية في الغرب، وأحياناً الشرق، وهو مزيج غريب من عناصر الجغرافيا وعوامل التاريخ والقراءة الناقصة لثقافة الآخر. وهذا الخوف (المرضي) النفسي ليس جديداً وانما تشكل تاريخياً في الذاكرة الجمعية (اللاواعية) واستقر في قعر العقل الباطني وتوارثته الأجيال من دون انتباه أو حذر أو إعادة قراءة للمسألة من جديد.

هذا الرهاب مرض نفسي ترتفع درجة حرارته أحياناً وفي أحيان أخرى تنخفض، لكنه لا يغادر الذاكرة ولا يضمحل. فدائماً يعود إلى مقدمة الذهن عند حصول أي مشكلة. ودائماً تتحول أي مشكلة سياسية مع الإسلام أو المسلمين أو الإسلاميين إلى قضية عالمية تختلط فيها كل الأشياء وتسقط أمامها كل المحرمات ويبدأ الهذيان (العقلي/ النفسي) يسيطر على المشاعر ويحرك الأعصاب.

الرهاب من الإسلام مرض نفسي تعاني منه الكثير من القطاعات المثقفة في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول العالم. وهذا الشعور المعقد من الأمراض المزمنة يصعب معالجته، لأنه يشكل عند تلك القطاعات وسيلة من وسائل الحرب الثقافية التي تضع علامات على حدود التمايز الحضاري مضافاً إليها الاستعلاء العنصري والسخرية من الآخر والتباهي بـ «الأنا» على حساب الآخر.

أميركا وأوروبا والكثير من الدول لم تغير رأيها في الإسلام والمسلمين حتى لو اضطرت أحياناً إلى التعامل المصلحي مع هذا العالم الغني بالثروات والمعادن. ولهذه الأسباب المرضية ستستمر الإساءات الكثيرة سواء بالحروب أو بالأفلام أو بالصور أو بالكاريكاتور.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1247 - الجمعة 03 فبراير 2006م الموافق 04 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً