العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ

بن حربان: الناصري الوحيد الذي تصدى لفنون القرى بالتوثيق

في لقاء مع «الوسط» تحدث فيه عن بعض ملامح الثقافة الشعبية

للثقافة الشعبية جذورها في وجدان الانسان البحريني. وخصوصا انها ثقافة امتدت الى كل الجوانب الحياتية والمعيشية وارتبطت بطرق الحياة اليومية. فهي وجه من وجوه التفاعل الانساني مع الآخر سواء من أبناء البحرين أو من البلدان الأخرى التي وجدت في هذه الأرض على صغر مساحتها مناخا ملائما للتفاعل والابداع. ويشير الفنان والباحث البحريني في قضايا الثقافة الشعبية جاسم محمد بن حربان - في هذا اللقاء مع «الوسط» - الى أن هذا التراث خرج من معاناة أبناء البحرين فهو حري بالتالي للخروج به من أشكاله العفوية واعادة تنظيمه وتنقيته ووضعه في براويز مناسبة. وهو يدعو الجميع الى تحقيق ذلك من دون انتظار لعمل من الجهات الرسمية طالما أن هذا التراث هو ملك لكل فرد منا. مؤكدا هنا على أهمية تلك الثيمات التي احتضنتها القرى ومنها الفنون القروية التي لم يتصد لها الى الآن غير المرحوم الملا محمد علي الناصري. كما يكشف عن جوانب أخرى تتعلق بهذا التراث في اللقاء الآتي...

كثيراً ما نلمح في كتبك تأكيد أن الثقافة الشعبية لها جذور قوية في المجتمع البحريني. فإلى أي مدى ساهم ذلك في إبراز تلك الثقافة الشعبية؟

- ان البحرين على صغر مساحتها تتميز بمكنوز بشري ومادي له امتداده بالنسبة إلى تجارب سابقة. والبحرين بلد متوسط استراتيجي في موقعه وبالتالي كل الثقافات صبت فيه. وأضافت له وأضاف اليها. فنحن مثلا لنا ارتباط بأهل العراق فهناك أغنيات في فن الفجري في الأصل كلماتها عراقية ولكن الألحان ليست عراقية بل هي اضافة من شعب البحرين وهذا النموذج يطلق عليه البحارة اسم انجوشات.

اننا نجد اليوم ألحان بعض فنوننا طويلة التنقيط مثلا وهذا يعني أن الألحان بقت وتغيرت الكلمات وذلك نتيجة لمرور البحرين بتيارات سياسية كثيرة منها التيار الاسلامي الذي أثر فتغيرت الكلمات والحروف الى ما يسير به الزمن. من دون الغاء لوجود أساطير كثيرة بهذا الشأن ومنها أسطورة الجن التي لم ترد عبثا وانما جاءت لاقتناع الانسان البحريني بصعوبة أداء هذا الفن لطول جمله الموسيقية وايقاعه الطويل جدا. اذ لا يوجد ايقاع في العالم العربي أو حتى العالم يحوي 64 وحدة زمنية في المازورة - وهي البيت الواحد للايقاع نفسه - هذا يعني أن هناك امتدادا لذلك الفن فكيف نستطيع أن نعرف امتداده؟ نحن حتى الآن لم نستطع تحديد ذلك وربما يكون ذلك في المستقبل. فحتى الآن لا توجد خرائط ولا نقوش كثيرة ولا أختام سوى الاختام الدلمونية التي تحمل بعض الاشارات فهناك ختم يحمل صورة لـ «الجحلة» أو «الزير» وهي آلة ايقاعية كانت تستخدم بمصاحبة الآلات الموسيقية الأخرى. ونحن اليوم نستخدمها منذ تلك الفترة.

فلماذا نجد المتلقي اليوم يصعب عليه فهم فن الفجري والفنون الشعبية؟ السبب أن الكلمات ممططه. لذلك تضاف حروف غير تلك الحروف على الكلمة وتحذف بعض الحروف. فهم لا يقولون مثلا عند الغناء «قل يا الله» وانما يقولون «قل يالله» ولا يقولون «دموع العين»، بل يقولون «دمويوع العين» ولا يقولون «عسكر بعو» فهم يحذفون حرف الدال بقولهم «عسكر بعود» وفي ذلك إشارة الى أن هذه الكلمات ملبسة على هذا النوع من الغناء. اذا فالقوالب الموسيقية ملبسة وبالتالي تحورت صيغة الكلمات وتركبت على هذه الألحان.

فنون الريف

ولكن ماذا عن فنون الريف أو القرى؟ ألا تجد أنها مهمشة بشكل واضح؟

- ان أهل مكة أدرى بشعابها وهذا أمر مهم. ولكني لم أجد الا المرحوم محمد علي الناصري من قام بالكتابة وتوثيق للغناء الريفي في البحرين ولم يستطع أحد من أبناء القرى - بحسب علمي- أن يوثق هذا المجال. مع أننا أبناء هذا لتراث والتراث هذا خرج من معاناة أبنائنا وأجدادنا. ولكن يجب السؤال هنا عن كيفية تقديم هذا النوع من الغناء؟ فلنكن صريحين ونقول اننا في مجتمع لا يقبل بهذه الأشكال العفوية التي تصدر من القلب الى القلب. فهي بحاجة اذاً الى تنظيم وتنقية. غير أن الشيء الحسن هنا هو الرجوع للتراث. وقد قمت أنا شخصيا بتأليف كتاب «الزواج في البحرين عاداته وتقاليده»، ولكني لم أقتصر في هذا النوع من الغناء على أبناء المدن بل وضعت تجربة القرية ووجدت أنه في هذه التجربة ترابط فنحن أبناء السنة نغني مثلا «جل جلال الله الله وأكبر. ما في جمال الخلق شرواك يا علي» ونغني «فاطمة الزهراء تناديني علي ولي الحوض ساجيني» وهذا الغناء صدر من الريف ولم يصدر من المدينة ولكن لحن هذا الكلام في المدينة وتداوله الجميع لذلك كانت سابقا الفرق الشعبية في المحرق وفي المنامة وفي الرفاع تذهب الى الريف وتغني هناك اذ كان هناك ترابط كبير جدا وهذا الترابط أوجدته المعاناة نفسها. ووجدته الألحان والغناء الجميل.

لسنا فئات

أشرت الى أن هذا المجتمع المتسامح ساهم في وفود الكثير من الثقافات. فهلا أوضحت لنا ذلك؟

- يعتقد الكثير من الناس في البحرين أننا فئات. ولكننا لم نكن في يوم من الأيام فئات بل كنا قالبا واحدا فكنا جميعا نركب البحر ونغني من معاناتنا ونهمس في آذان الآخرين أن هناك معاناة وأن هناك مشكلة وكان ذلك يعتمد على نوعية العمل الذي كان يقوم به الانسان البحريني. في الغوص مثلا لا يمكنك ان تميز بين طائفة وأخرى ولا أن تميز بين الأسود والأبيض فهنا تألفت القوالب جميعها. مثال آخر مفاده السؤال هنا هل هناك منطقة في البحرين تسمى باسم فلان من الناس؟. لقد كان العبيد في أيام الرق يجلبون بواسطة تجارة الرق التي كانت مشهورة في البحرين وفي الخليج والعالم العربي بشكل عام ولكن مع دخول الاسلام ألغيت تلك التجارة. فعندما كان السيد في الخليج أو في البحرين يمتلك هذا العبد كان يطلق عليه اسم المولد وهو يعني أن هذا الانسان تربى تربية الابن في البحرين فهو يأكل ما يأكله ابن سيده ويشرب كما يشرب بالتالي ذابت هذه العروق والألوان والمذاهب كلها في الرزق البحري.

خطأ مجتمعي

وكيف تفسر ندرة المراجع والمخطوطات والكتب التي تتصدى لمثل هذه الثقافة. وقلة المتصدين لها في المجتمع المحلي وتهاوي الدور الجماعي الذي تبنى الحفاظ على مثل هذه العادات والتقاليد والطقوس؟

- هذا الخطأ خطأ مجتمعي. فالدور الشعبية مثلا التي عاصرت تلك الأجيال والتي قامت بدور كبير في الحفاظ على هذا التراث. هل كانت تنتظر من حكومة البحرين آنذاك أن تمدها بالمال لتقوم بعملها؟ قطعا لا وإنما هو الحب والعشق وبالتالي هذا الحب ولد أشياء كثيرة. ثم أنه كانت هناك حاجة ترتبط بهذا الغناء في البحرين مع دخول موسم الغوص وما يحمله من مشقة فكان الغناء ضروريا للتخفيف على الصيادين وهم يسحبون المرساة ويجرون المجداف الذي يتجاوز طوله ستة أمتار وعرضه نصف متر. فكل هذا جعل من الغناء أداة تنفيسية ترفيهية

العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً