العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ

لا تشوّهوا هذا الوجه البريء!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لعلّ أخطر ما يهدّد حملة «ارتقاء» هو أخذها من موقعها الخدمي البحت وإقحامها في معمعة السياسة بأمراضها الطائفية المزمنة.

لا تحمّلوا هذه الحملة البريئة أكبر من طاقتها، ولا تقحموها في السياسة، ولا تلوّثوها بمسبّقاتكم الطائفية... ودعوا الشباب يعملون.

إنها حملةٌ وطنيةٌ صغيرةٌ وبريئةٌ، لا تقصد أكثر من تحسين الخدمات في قرى عانت من الإهمال لثلاثة عقود، وهو ما يدلّ على خللٍ كبيرٍ في التنمية غير المتوازنة، فالنظرة التقليدية للريف على مستوى الوطن العربي كله، أنه قطعة أرضٍ من الدرجة الثانية، وليس جزءا من الوطن.

القائمون على هذه المبادرة يعترفون بأنها لم تحظَ بدعمٍ رسمي إلا بعد أن برزت محاسنها، ولو لجأوا إلى القطاع الخاص أيضا لما قابلهم أحدٌ بالترحاب. وهم يدركون حدود إمكانياتهم وعجز موازناتهم، مما لا يتيح لهم الاستمرار في الحديث عن طموحاتهم للإعلام، لئلا يُصدم الناس لواقع عجز الموازنة فيعاودهم الإحباط، وخصوصا أن مشاريعهم البلدية تم ترحيلها إلى العام 2012.

القائمون على المشروع أيضا، يدركون أن كلّ ما يقومون به من أعمال، رغم أهميتها، لا تقدّم حلولا جذرية لمشاكل القرى المهملة. قد تريح المواطن نفسيا بعض الشيء، وتُسهم في تحسين وضع منطقته، وتضفي لمساتٍ فنية على مظهرها العام... إلا أنها لا توفّر تلك الخدمات الحقيقية أو تعالج المشاكل التي تنخر في الكيان.

هذا المشروع نشجّعه وندعمه بكل قوةٍ كإعلام، وسنظل إيجابيين في التعاطي معه، لما يمثله من مبادرةٍ تشرك المواطن في تحسين وضعه وتغيير بيئته، بل وندعو وزارة البلديات والزراعة إلى التركيز أكثر وأكثر على إنجاح مشروع التشجير على أوسع نطاق. ورغم أهمية الجداريات وجماليتها، إلا انه لابد من القول إن التشجير ضرورةٌ صحيا وبيئيا ونفسيا، وخصوصا مع غلق السواحل، وزيادة انحسار المساحة الخضراء، واستمرار عمليات السطو على الحزام الأخضر. إنه ليس ترفا أو حكاية رومانسية ننشرها كقصةٍ صحافية، وإنّما بات ضرورة، والمأمول من الحملة أن تدفع باتجاه زيادة الاهتمام العام بالزراعة المنزلية، وزراعة كل ما أمكن من أرصفة ومساحات جرداء، كخيارٍ مهمٍ لمقاومة كل هذا التلوث الذي تنفثه عوادم السيارات في شوارعنا المزدحمة طوال الليل والنهار.

الحملة حاولت في جانبٍ منها تقديم تراث القرية، في مشروعٍ بريء غير قابل للتسييس. ونحمد الله أن محاولات إقحام «الوفاق» فيه لم تنجح، وإلاّ لتحوّل الموضوع كلّه إلى مهاتراتٍ طائفيةٍ كما يحدث في الصحافة والبرلمان والمجالس والمنتديات، ونحن وأنتم، وقرانا وقراكم! ولم يكن يخدم الهدف أصلا - مهما حسنت النوايا - أن تُعرَض لقطاتٌ لهذا المشروع الرائد، ثم تُقحَم صور أحداث العنف، لتدمغ مجتمعا كاملا بأعمال فئةٍ محدودةٍ منه، في عملية تعميم مرفوضٍ ومدانٍ. وليس مقبولا بث عباراتٍ تربط جمعيات فنية وجماعات كبيرة من المتطوعين، بأعمال حرق الإطارات. وللأسف لم يتعلّم التلفزيون من أخطائه، ففيلم «الحجيرة» بدأ بلقطاتٍ للمآتم، فأرسل رسالة بائسة ولّدت رد فعل سلبي في الشارع آنذاك. وكم نتمنّى أن يتخطّى التلفزيون عثراته التي تجعله من أقل تلفزيونات الخليج مشاهدة، بسبب التخبط في إرسال الرسالة السياسية المناسبة بالطريقة والوقت المناسبين.

الحملة وضعت لمساتها الأخيرة في أربع قرى، وهناك 35 قرية أخرى بدأت تتنافس لاستقبال طلائع المتطوعين للحملة الثانية، التي ستبدأ بالبديّع إن شاء الله. بارك الله هذه الجهود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً