العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ

يا أمة ضحكت...!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في العصر الجاهلي كانت الأمة العربية مضرب المثل في قوة التلاحم والتماسك، ولما جاء الإسلام جعل تماسك المسلمين جزءا من عقيدة كل مسلم؛ فالمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا، والمسلمون - أيضا - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهم إخوة - كما قال القرآن الكريم - «إنما المؤمنون إخوة».

كلّ التوجيهات كانت تؤكد أهمية وقوف المسلمين بعضهم مع البعض الآخر خاصة وقت الأزمات، ولكن كل تلك التوجيهات الربانية لم تحظّ باهتمام عامة القادة الذين يحكمون البلاد العربية، ومن هنا أصبح العالم العربي يعيش وضعا كارثيا لا يعلم إلا الله مداه ولا كيف سينتهي.

البلاد العربية تعيش حالة اختلاف كبير؛ بين بلد عربي وآخر مثله، وأحيانا بين الدولة وبين فئات من أفراد الشعب في الدولة الواحدة!

سأتجاوز - قليلا - ما تقوله كل دولة عندما يجتمع «قائدها» بآخر مثله ثم يصدر البيان المشترك ليؤكد أن «جميع وجهات النظر متطابقة!». مع أن الجميع يعرف أن المسألة ليست كذلك، وعلى هذا النوع من «التطابق» قٍسْ بقية الأمور!

أتأمل دول مجلس التعاون الخليجي التي كنت أتوقع أن تتحد خلال بضع سنوات عندما بدأ الحديث عن «دول مجلس التعاون» وبدأت اجتماعات حكامها... ومضت قرابة الثلاثين عاما والحال سيئ، والواحدة «حلم الضبعة» بل إن الاتفاق على أبسط الأمور أصبح لا يراود أي خليجي حتى في أحلامه!

الإمارات انسحبت أخيرا من اتفاق توحيد العملة، وقبلها «عمان» مع أن الحديث عن هذا الاتفاق «أكل عليه الدهر وشرب» وقد يستمر الدهر طويلا في أكله وشربه من دون أن يحدث على هذا الاتفاق أي جديد، والشواهد على ذلك كثيرة!

تحدث الخليجيون كثيرا عن الاتفاقات الجمركية، والجوازات، والربط الكهربائي وغيرها، ومازال الحديث يتكرر من دون أن يرى المواطنون شيئا... اللهم إلا الاتفاق الأمني... ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ولو ابتعدت عن دول الخليج - قليلا - إلى بقية بلدان العرب لوجدت فيها العجب العجاب؛ المغرب على خلاف مستعر مع الجزائر، وليبيا «العظمى» تكاد تختلف مع الجميع لأنهم ليسوا «عظماء» على شاكلتها، وقد «ركلتهم» أكثر من مرة لتتجه إلى إفريقيا لأنها الأفضل والأحسن! ومصر تنظر إلى سورية بكثير من الشك والارتياب، وسورية لا ترتاح إلى جيرانها العراقيين واللبنانيين والسعوديين، والعراق تحمل نفس المشاعر لبعض جيرانها.

أما السودان وفلسطين فلهما وضع «متميز» فمعظم العرب يقولون لهما بلسان الحال لا المقال: إما أن تكونوا معنا (أي مع أميركا) وإما أن تكونوا ضدنا... وهنا الويل - كل الويل لكم -!

أما الاختلافات الداخلية في الدولة نفسها فحدّث عنها ولا حرج، فمعظم هذه الدول تصنع لها أعداء من مواطنيها، ثم تحاربهم أكثر من حربها للصهاينة - هذا على افتراض محاربتهم للصهاينة! وتضع أعدادا منهم في السجون، وقد تناسهم - أو تتناساهم - لأن أحدا لا يجرؤ على السؤال عنهم وإلا استضافوه - مشكورين - في الضيافات المميزة عندهم!

اختلاف مذهبي، واختلاف بين السلطة والأحزاب المعارضة لها! واختلاف بين السلطة والجماعات غير المرخصة - طبعا المرخصة بحسب مفاهيم الدولة! - والسلطة والجماعات الخارجة على القانون - طبعا بحسب تفسير السلطة! - وهكذا نجد أن القائمة طويلة، ونجد - أيضا - أن هذه الخلافات تنخر في جسد الدولة وتضعفها كثيرا.

دول العرب لا تجد في دولة الصهاينة «عدوا حقيقيا» فالزيارات على قدم وساق، وتبادل القبلات والابتسامات يعطي الانطباع بأن العلاقة «سمن على عسل»، والمباحثات مهمة حتى ولو استمرت إلى قيام الساعة، فالعلاقة المتوقعة تستحق كل ذلك وأكثر منه.

يقول الصهاينة إنهم لن يعترفوا بحل الدولتين... ويقولون: إن القدس عاصمة موحدة لـ «إسرائيل»... ومع هذا فالمفاوضات والمصافحات لا تتوقف أبدا... بل ويتلمسون لهم الأعذار!

الصهاينة يقولون: إنهم لن يتوقفوا عن بناء المستوطنات، وهدم المنازل، وقتل الأبرياء، ومحاصرة أهالي غزة... ويصمت القوم، وربما قال البعض: هل تحتاجون إلى مساعدة!

الصهاينة يقولون: إننا لن نكون أعداء للعرب مهما فعلنا بهم، فالعدو المشترك هم الإيرانيون، وعلى العرب أن يقفوا معنا لنحارب إيران معا، وبعد ذلك نتفرغ للحديث عن السلام! ويقول لهم البعض: صدقتم ورب الكعبة فهيّا قولوا لنا كيف نفعل!

وعلى ذكر «إسرائيل» فقد استمعت قبل بضعة أيام إلى نكتة صدرت من دولة عربية حينما قالوا إنهم لن يوقعوا عقوبة الإعدام على الشخص الذي يتصل بـ «إسرائيل» وسيكتفون بدلا عنها بالسجن المؤبد! قلت - وبالله التوفيق - كيف ستحكمون على رؤساء الدول الذين يلتقون الصهاينة سرا وعلانية!

لا أحد يكره السلام... ولكن أيّ سلام هو الذي نحبه؟ الذي يريد السلام لابد أن يكون قادرا على الحرب وإلا فلن يكون قادرا على تحقيق السلام... وهذا هو الذي جعل العرب يفاوضون عشرات السنين دون جدوى لأن «إسرائيل» تدرك أنهم غير قادرين على حربها فلماذا - إذا - تصنع معهم سلاما مهما كانت ضآلة الكلفة؟!

ليت قومي يعلمون أن الوحدة جزء من عقيدتهم، وأنها جزء من مصلحتهم في الدنيا، وأنها عز لشعوبهم بين سائر الأمم.

الحكام الأقوياء هم الذين يعملون على جعل شعوبهم أقوياء، فهل يدركون هذه الحقيقة؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً