العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ

موطن للشعراء قديما وحديثا: جعفر ماجد نموذجا

القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية

القيروان والشعراء حكاية لا تنتهي...

مدينة الشعراء بامتياز، سحرتهم بجمالها بروحانيتها، مدينة أخاذة ودودة غنية بالذكريات التاريخية تخفي عنا من الأسرار بقدر ما تبوح لأبنائها الشعراء الذين عشقوها قديما وحديثا.

ولقد باحت بفيض من أسرارها لزمرة من الشعراء المعاصرين حتى مثلوا تيارا أدبيا ضاربا في الإبداع الشعري سمي بالمدرسة القيروانية لعلّ من أبرز ممثليها الشاعر محمد الغزي وصلاح الدين بوجاه فضلا عن المنصف الوهايبي والأستاذة جميلة الماجري والشاعر القدير الدكتور جعفر ماجد الذي اختارته وزارة الثقافة منسقا عاما للفعاليات القائمة الآن بمناسبة القيروان عاصمة ثقافية. واخترناه هنا ليكون نموذجا لسحر الإبداع القيرواني يتجلى في شعره رغم كونه مقلا في الإنتاج مقارنة مع غيره ممّن يضارعه سنّا وتجربة ومعرفة بالشعر والنقد. وإليك نبذة عن حياته وفكرة عن شعره ...


من هو جعفر ماجد؟

جعفر الهذيلي ماجد: ولد في العام 1940 في مدينة القيروان. بدأ دراسته بحفظ القرآن الكريم، ثم واصل تعليمه بالمدرسة العربية الفرنسية، وبدار المعلمين، ثم بدار المعلمين العليا، حيث حصل على ليسانس في الأدب العربي 1963، وانتقل إلى باريس فنجح في مناظرة التبريز 1965، وناقش دكتوراه الدولة 1971. يعمل أستاذا بكلية الآداب بجامعة تونس، ومنتجا لعدة برامج ثقافية بالإذاعة التونسية. كما كان عضوا سابقا للهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين ولهيئات تحرير عدة مجلات أدبية. تمخضت قريحته الشعرية عن المجموعات الشعرية الآتية: نجوم على الطريق 1968 ـ غدا تطلع الشمس 1974 ـ الأفكار 1981. كما وشّح إبداعه بمؤلفات في النقد الأدبي وغيره: الطاهر الحداد ـ ابن زيدون (بالاشتراك). فصول في الأدب والثقافة ـ المعاني والمغاني ـ محمد النبي الإنسان ـ بغية الأماكن (تحقيق) - الصحافة الأدبية (بالفرنسية). وهو إلى هذا وذاك حامل للصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي.


شعره:

طويلا ما ارتبط اسم تونس في المشرق العربي عموما والخليج خصوصا باسم الشاعر أبي القاسم الشابي، وقصيدته الشهيرة نشيد الجبار ولعل الشابي يستحق منا وقفة جديدة في مئويته التي تحتفل بها تونس ضمن فعاليات القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية. غير أن حركة الإبداع والتجديد لم تقف عند المدى الذي رنت إليه قريحة أبي القاسم ومدرسته الرومنسية التجديدية وإنما تجاوزتها بخطى واسعة إنجازات أجيال متعاقبة من المبدعين الذين آمنوا بالتجريب سبيلا لتحقيق الإضافة المنشودة، لكن لا يخلو هذا المد التجريبي المجدد ممن حافظوا على توازنهم ومن أبرزهم شاعرنا جعفر ماجد الذي راوح في شعره بين الكلاسيكية والرومنسية كما راوح في تجديده بين رومنسية الشابي ورومنسية نزار قباني مثلما ذهب إلى ذلك عبدالرحمان السماعيل في قراءته لشعر جعفر ماجد.

ومن مظاهر الكلاسكية في شعره ما نقرؤه في رائيته المعنونة بـ: رهان على الحب والتي مطلعها:

الكون عيناك لا شمس ولا قمر

والروض خداك لا غصن ولا ثمر

وأنت في دوحة الأحلام أغنية

يشدو بها الحب لا ناي ولا وتر

وهو في غزليته هذه على عادة الشعراء القدامى يتوسل بحور الخليل مغنى والأشطار المتساوية مبنى والمرأة المعشوقة معنى ومبتغى، فإذا بك تحلق من عصر إلى عصر حيث تقرأ في غزليته أصداء من شعر ابن الرومي وابن شرف القيرواني وابن زيدون والشابي وقباني... فإذا بالقصيدة فسيفساء نسجتها يد فنان تربّى على أيدي أجداده من شعراء القيروان دون أن يحرم نفسه التنفس في مدارات أخرى من الإبداع تجلت أبهى ما تجلت في قصيدته الساحرة التي أدتها المطربة التونسية الراحلة علية ومنها هذه الأبيات:

لأنك لم تعرف الحب قبلي

لأن النساء على كل لون وشكل

لأني أحب بعنف

وأطلب في العنف مثلا بمثل

فإني سأقتلك اليوم حبّا

ثم يقول على لسان الحبيبة:

فحسبيَ أنك لي شاعر

وحسبك أني أنا الساحرة

ووزِّع شعوري على كتفيك...


الوطن في شعره:

على عادة شعراء هذا الزمن تراه بإحساسه المرهف يشعر بالغربة في وطنه ويظهر ذلك جليا في قصيدته: غريب يا وطني التي مطلعها يرشح إخلاصا لتونس الخضراء:

أخلصتُك الحب في سرِّي وفي علني

وهِمت فيك هُياما غير متزنِ

وعشت بين رباك الخضر منتقلا

كأنني طائر يشدو على فنن

لكنه يشعر بمرارة الذي أثخنه الزمان بمرير التجارب ولعلها تجربة الحب الفاشلة التي تحدث عنها بعض النقاد حيث يقول الشاعر جعفر ماجد:

لكنه العشق لم أكتم مرارته

وقد أُصبت بجرح بالغ الثَّخن

أنا ابنك الحر، لا ميْنٌ ولا كذب

فكيف أحيا غريبا فيك، يا وطني!


قلب الأمة نابض في شعره:

ولم يكن جعفر ماجد بمعزل عن نبض الشارع العربي، وإنما كان بشعره معبرا عن أمّ القضايا العربية فلسطين وآخر ما نشر في جريدة الصباح التونسية بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني 2009رائعته: الصامدة غزّة ليفضح بصوره الشعرية فضائع العدو الصهيوني وما يلقاه من دعم الغرب له حيث يقول:

جَرَائِمُهُمْ... فَظَائِعُهُمْ تَتَالَت

وَهَذَا الغَرْبُ مَاضٍ فِي عَمَاهُ

ضَحَايَا بِالمِئَاتِ عَلَى تُرَاب

جُنُونُ الغَدْرِ مِنْ دَمِهِمْ سَقَـاهُ

وَأَوْصَالٌ مُقَطَّعَةٌ بِبَيْتٍ

تَهَاوَى فَوْقَ جُثَّةِ مَنْ بَنَاهُ

وَأُمٌّ تَسْتَغِيـثُ عَلَى رُكَامٍ

وَطِفْلٌ لاَ يُلَبِّي مَنْ دَعَاهُ

مَشَاهِدُ يُذْعَرُ الشَّيْطَانُ مِنْه

وَيَبْرَأُ مِنْ فَظَاعَةِ مَا يَرَاهُ


جعفر ماجد في عيون النقاد:

إن المطلع على دواوين الشاعر جعفر ماجد يلحظ أن ذاته الفنية قد تنازعتها المجالات الوطنية والقومية بقدر ما تجاذبتها المجالات الذاتية غير أن المرأة حظيت باهتمام خاص ولغة متميزة في كثير من قصائده ويقول عبدالرحمان السماعيل: «حينا نراه متهالكا على المتعة الحسية مدفوعا بشهوة عارمة تجاه الأنثى وقد تلبسه شيطان نزار قباني(...) مركزا انتباهه على مفاتنها الجسدية (...) وحينا نراه يقف أمامها ضعيفا مستجديا متغنيا بآلامه باكيا أيامه السعيدة التي ضاعت».

وذهب الأستاذ محمد مزالي في مقدمة نجوم على الطريق وهو أحد دواوينه إلى أنّ: «أبرز مظاهر شاعريته سرعة انفعاله مع الكون المحيط به وعفوية تعاطفه مع الطبيعة والإنسان وعمق تأثره بالأشياء والأحداث»

وأخيرا يمكن اعتبار تجربة جعفر ماجد الشعرية نموذجا معبرا عن التواصل بين شعراء القيروان قدمائهم بمحدثيهم فشاعر القرن الخامس عشر للهجرة - كسابقيه من أبناء القيروان في القرن الخامس - ذو ثقافة نقدية شعرية عروضية، متمكن من فنون الشعر وناقد ثاقب يُعمِل أدواته النقدية ليجوّد تجربته الذاتية ولعل لدرس الأدب الذي كان يقدمه في الجامعة التونسية أثر بالغ الأهمية في نضج تجربته وتفوق شعره على غيره من الشعراء في عصره، فضلا عن تغلغله بشعره في قلوب الناس عاشقين للمرأة أو للوطن أو للقضية دون أن ننسى هوى القيروان وغواية المكان والزمان.

إن مثل جعفر ماجد كمثل غيره في السير على خطى الأوائل لمواصلة بناء المجد الأدبي.

@كاتب تونسي

العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:51 ص

      انا

      قصائد جميلة ورائعة واكثر اغنية اقرئها هي الربيع في كتاب السنة السادسة ابتدائي

    • زائر 1 | 3:48 م

      شعراء الهذليين

      هاذا الشاعر الكبير جعفر ماجد الهذيلي او الهذلي ترجع اصوله في قبيلة( هذيل) العربية الحجازية التي تسكن مكة المكرمة ولها تواجد كبير جدا في انحاء الوطن العربي وبالاخص في الشمال الافريقي بكافة دوله وقد عرف عن هذه القبيلة تفوقها في الشعر وكثرة شعرائها ومنهم الشاعر المعروف ابو ذؤيب الهذلي وغيره فهنيئا لهذه القبيلة بشعرائها البارعين----ماجد السويهري الهذلي --السعودية

اقرأ ايضاً