العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ

الانتفاخ والمخرز

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

هل نحن نعاني كمجتمع عربي من العقد؟ علماء النفس يطرحون عدة عقد منها: عقدة أوديب، ويعاكسها عقدة اليكترا، وعقدة دايانا وعقدة قابيل، وهي: الغيرة بين الاشقاء، وعقدة اتريوس وهي عقدة الأب النابذ لأولاده. أما المازوخية في علم النفس فتعني التلذذ بجلد الذات، لكن لاشك ان هناك فرقاً بين النقد لأجل فتح نوافذ الفهم، وصناعة إنسان كوني أممي جديد يتنشق عبق التواصل المعرفي في فضاءات إنسانية رحبة، بعيداً عن العرق المذهبي الدساس أو النزق العصابي للقبيلة أو الانتماء، وبين ثقافة خمش الذات وتجريح الجسد الأنوي للمجتمع. هل نعاني من نقص عندما نطرح هذه الاسئلة؟

سؤال يطرح دائماً: لماذا «إسرائيل» متفوقة علينا؟ ولماذا يجرجر ابن شارون في المحاكم بتهمة الفساد في حين نرى جمهوريات يجرجر الابن الفاسد لخلافة الأب.

أعلم ان نطفة «إسرائيل» غربية، ولو قمنا بتحليل الجثة الاسرائيلية بعد قرون بالحامض النووي (دي ان ان) سنكتشف ملامح بريطانية وأميركية، ولكن الذي اعرفه أيضاً أن «إسرائيل» هي نتاج مضاعفات الأمراض العربية. أمراضنا هي سر قوة «إسرائيل». تكدست أمراضنا فصنعت كياناً غاصباً، تماما كما هي نظرية مالك بني «قابلية الاستعمار».

في الغرب هناك دراسات ومراكز بحوث لدراسة الظواهر والامراض، وكثير من برامجهم تحاول إيجاد حلول لأمراضهم. اضرب مثالا: برامج اوبرا المرأة السوداء. هل نستطيع أن نرى برنامجاً عربياً بحجم برنامج اوبرا الأميركي؟ نعاني من عدة أمراض يجب علاجها. منها القوقعة على الذات وتسفيه كل آخر. إذاً لابد من اكتشاف مكونات القوة في الامم الاخرى تماماً كما فعلت اليابان. أرسلت اليابانيين للغرب ليكتشفوا مكنون قوة الغرب وطرحوا بندا في الوثيقة اليابانية «يجب الاطلاع على كل المعارف الانسانية والاستفادة منها». النرجسية التي نعيشها هي سر تأخرنا، لهذا بقي اقتصادنا ريعياً تواكلياً، ومجتمعنا المدني مجتمعاً أليفاً مخملياً، أنعم حتى من ريش النعام، لهذا فإن ولادة المجتمع المدني مازالت عسيرة، والاحزاب المستقلة مازالت قليلة جداً. انكسار القانون هناك يعني سقوط الدولة، أما عندنا - في العالم العربي- يعني توغل الدولة. هتلر لو كان عربياً لوجدنا له ضريحاً كبيراً، ولرأينا مراكز بحثية كبرى تسوق «بطولاته»، وتعقد له الدراسات والبحوث لصلابته، وانه رحل شريفاً مناضلاً. ولكم ان تتصوروا كيف سيكون حالنا لو كان هتلر قدوتنا، هل سنبني ألمانيا عربية؟

سؤال آخر أطرحه على أحزابنا العربية والاسلامية: كلكم تعرفون غورباتشوف، لقد امتلك جرأة فائقة في نقد أخطاء الاتحاد السوفياتي وعلى العلن، وهو من داخل البيت عبر كتابه البروستريكا والتي تعني الاصلاح. من منا يمتلك جرأته لينتقد أخطاءنا السياسية والاجتماعية من دون أن يشنق على أعواد محاكم التفتيش العربية؟ هل يوماً رأينا عالماً أو مثقفاً أو سياسياً أو وزيراً طلع على الناس ليقول: «آسف، لقد كنت مخطأ في العمل الفلاني أو الموقف السياسي» كما هو حاصل في الغرب؟

لو حسبنا عدد الاستقالات للشخصيات الغربية والعربية فأي الكفة سترجح؟ عقلنا التبريري متضخم، وفي حالة انتفاخ دائم على حساب العقل النقدى. حتى الابطال عندنا أصبحوا مثل تقليعة الموضة تهب سريعاً وتغادر سريعاً. وهذه نقطة طرحها غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير «فالمؤمنون يحطمون دائماً بنوع من الهيجان تماثيل آلهتهم السابقة». أعتقد ان القرن الحادي والعشرين - عربيا - قرن العاطفة والهياج كما كان يسمى القرن التاسع عشر قرن العرقية والعنصرية، إذ صنفت الشعوب إلى «شعوب متحضرة» و«شعوب متخلفة» على طريقة ما يحلو ان يسميها شمس الدين «ابن الست» و«ابن الجارية». العلاجات التي نحملها تأتي على طريقة معالجة ارتفاع الحرارة بالاسبرين وعلاجنا دائماً كمعالجة مريض تهشمت عظامه فوضع على سرير ذهبي كي يشفى. كلما خرجت من منزل والدتي ألمح عمود الكهرباء الواقف منذ طفولتي إلى اليوم، لم يتحرك. كل الامور تغيرت وهو واقف لاحراك له. الإنسان كذلك اذا لم يطور من تفكيره، إذا لم ينفتح على الآخر سيبقى كعمود الكهرباء. ماكتبته ليس تجريحا بل عملية قسطرة لحفظ القلب. كمجتمعات وشعوب يجب ان نعمل على تأصيل المؤسسة وليس توثين الفرد،ان نسمح لنقد الآلهات البشرية من مثقفين ورجال دين وتكنوقراط لان لا عصمة في هذا الزمن لاحد كما يطرحها عبدالله النفيسي في نقده للاخوان المسلمين في كتابه «الحركة الاسلامية ثغرات في الطريق»، وحتمية الانتقال من نظرية الشيخ الوتد إلى المؤسسة الوتد. تلك بعض عقدنا تضاف إلى عقدة اوديب

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً