طالب عدد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وعلماء الدين بالتعامل مع ملف الحوادث المؤسفة التي تكررت في الآونة الأخيرة بالأسلوب الواقعي القائم على قراءة الظروف والأوضاع التي دفعت الى إشعال الفتيل.
وأثنوا على لقاء وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة فعاليات بحرينية برلمانية ورموزاً وطنية ودينية للتباحث بشأن سبل التعامل مع الملف والتشاور بشأن آلية لتحديد الأخطاء من أي طرف كانت. وشدد عضو مجلس الشورى ورئيس الجمعية البحرينية لمراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ على أن هناك من «يستغل الظروف» لإثارة الوضع ويتصيد ويحاول إرجاع الوضع الى منطقة لا يؤيدها أحد!
الوسط - سعيد محمد
الكل للبحرين، والبحرين للكل!
قد تكون هذه البلاد الصغيرة الجميلة حبلى بالمفاجآت، لكنها تبقى بلاد الشيعة وبلاد السنة وبلاد المغتربين الذين جاءوا للبحث عن لقمة العيش وبلاد كل إنسان يريد أن يعيش... بلاد المستقبل لكل مواطن يطمح لأن توأد كل الملفات السوداء في عهد، هو من أكثر العهود تميزاً في تاريخ البحرين. ليس الملثمون وحدهم من يجب أن يخضع للعقاب، اذا أردنا الحق، بل كل من تسول نفسه أن يسيء للبحرين... فهذا الذي يشعل اطاراً في الشارع، قد يكون وزره أقل بكثير من ذاك الذي يوزع كتيباً يبيح فيه دماء الناس وأعراضهم...
لدينا رسالة واحدة تربطنا بالأرض، وتخرجنا من حب الذات... فردياً... حزبياً... طائفياً، أو أيا كان مسمى ذلك الحب!
أرادت «الوسط» أن تجعل من الحوادث المؤسفة التي شهدتها البلاد منطلقاً لنقاش حر وتفعيل لنشاط الأسئلة وإعمال الفكر، فالقضية ليست كبيرة، لكنها ليست صغيرة في الآن ذاته... فالملثمون، ليسوا صنفاً واحداً... منهم الضحية ومنهم المخرب ومنهم المغرر، لكن مع كل ذلك، يبقى السؤال: «كيف يكون الحل والمخرج»؟
طرحنا هذا السؤال على عدد من أولئك الأشخاص الذين تعودنا على قراءة تصريحاتهم في الصحافة، منهم نواب ومنهم أعضاء جمعيات سياسية ومنهم رموز، من الذين يشجبون ويستنكرون ويطالبون بضرب المشاغبين بيد من حديد، وعندما اتفقنا معهم في ذلك، وطلبنا منهم أن يوافونا بتصوراتهم ومرئياتهم للخروج من هذه الأزمة...
وعد هذا، وطلب ذاك بعض الوقت... وقرر ثالث ارسال أفكاره عبر البريد الإلكتروني، وعبر رابع عن استعداده للمشاركة في هذا الموضوع «البالغ الأهمية»، لكن قلة من أولئك النواب والشوريين وعلماء الدين والناشطين السياسيين اعتذروا أو استجابوا... ونحن نلتمس لهم العذر.
اذاً هي مسئولية الجميع... البحرين في أعناق الجميع، ولابد من المصارحة والمكاشفة... على الدولة أن تتحرك في اتجاه شعبها، وعلى الشعب أن يتحرك في اتجاه دولته، في تناغم لا تصادم!
علماء الدين يتحدثون
في أحاديثنا مع عدد من علماء الدين، نشعر بأن هناك رسالة مختصرة... فعلى رغم أن هناك اجماعاً على رفض أي فعل مناف للشريعة الإسلامية ويعرض الأرواح والممتلكات للخطر، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً ألا نبحث في المشكلة من جوانب مختلفة غير الجانب الأمني فقط.
ويشير هؤلاء الى «أن المشاركة في أعمال الحرق والتدمير لا تتماشى مع المنهج السلمي الذي هو متاح ومقبول من جانب الجميع، وفي مقابل كل ذلك يأملون من الدولة أن تنظر بجدية في الملفات العالقة بالإسكان والتمييز والفساد المالي والإداري وأن تتابع ملف البطالة لتحقيق النجاح المنشود وأن تنظر الى مطالب المواطنين التي لا تخرج عن اطار المطالب الشرعية المستحقة لهم».
أما بالنسبة إلى الشباب الذين يجب ألا يواصلوا التحرك العنيف، فعليهم «أن يتجهوا الى المنهج العقلاني وأن يتبعوا ما يطرحه العلماء والرموز الدينية، وألا يتحركوا في المساحات الطائفية أو العنفية، حتى تصل مطالبهم الى المسئولين، وإن لم تصل، فلن يكونوا مدانين، مطالبين الجهات الأمنية بالحرص على عدم البدء بالهجوم أو المواجهة بالعنف أو إلقاء مسيلات الدموع والرصاص المطاطي بلا تخطيط بحيث لا يتضرر الناس الأبرياء في الطرقات أو في المنازل».
وزارة الداخلية... المشهد العام
لا تمانع وزارة الداخلية من تنظيم المسيرات والتظاهرات كما يؤكد مسئول أمني بالوزارة، بل ويضيف: «أن الوزارة، وجميع أجهزتها كما يعلم الجميع، ساهمت في الحفاظ على أمن ونظام المسيرات الكبرى التي شهدتها البلاد، وعمل رجالها على المساهمة بجهود طيبة في متابعة متطلبات الكثير من المسيرات والاعتصامات التي خرجت، فهل تعرضت للضرب أو للعنف أو للمنع من الحق الذي كفله الدستور؟».
ويتابع: «تعال نتحدث عن أعمال الشغب التي يرمي من ورائها بعض أبنائنا الشباب المغرر بهم، إلى إثارة حال من عدم الاستقرار الأمني والفوضى والرعب والتدمير والتحريق، وهذا واجبنا الذي نتشرف بالقيام به... وهو حماية أمن الوطن والمواطنين».
ويواصل حديثه: نحن كلنا بحرينيون ولا يجب أن يزايد بعضنا على بعض... هناك مطالب وهناك أنشطة شعبية جماهيرية وهناك جمعيات سياسية وهناك ملتقيات كثيرة، لم تقل الوزارة لهم إنكم ممنوعون من هذه الممارسة ولاسيما أن العهد الذي نعيشه اليوم وضع صمام أمان للحقوق، واذا كان هناك تقصير، فالقنوات الشعبية والرموز الدينية والوطنية لها اتصالاتها بالمسئولين بالدولة، وهناك مجلس وطني وهناك قنوات عدة متاحة، ألا يوجد متنفس إلا العنف؟!
ويضيف: أن المشهد العام لدى الوزارة واضح... وهو أن تكون جزءاً رئيسياً في التنمية الشاملة، وقد ذكر وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة أمام النواب والشخصيات والرموز الدينية في لقاءاته الأخيرة في أن الوزارة لا يسعدها أن يبات شاب من أبناء البلد خارج منزله موقوفاً، لكن من الضرورة بمكان التأكيد على مسئولية الحفاظ على الأمن وعدم تعريض الأرواح والممتلكات للخطر، وقد شكر المبادرات والمواقف الصادقة التي عبرت عن الحرص على أمن الوطن، وأثنى على موقف شباب منطقة الدراز في التصدي لمحاولات العبث والتخريب ومنع وقوعها.
يذكر أن الوزير، في لقائه أمس الأول مع عدد من أعضاء المجلس الوطني أكد أن جميع الامور تخضع للمراجعة من أجل تعميق الايجابيات وتجاوز السلبيات، وأن الواجب يقضي أن نسدي النصح لجميع الناشئين من الابناء والاخوة، لكي لا يكونوا ضحية للاعمال الغوغائية التي يحاسب عليها القانون.
وأكد ضرورة التحلي بالصبر والعمل على احتواء المواقف وتحاشي التصعيد وافتراض حسن النوايا ليتمكن الجميع من العيش بسلام ومحبة ووئام.
وقال إن كل الجهود الخيرة المبذولة من الهيئات والافراد ستكون موضع التكريم للابقاء على هذا التواصل الايجابي الفاعل، وتعميقا لهذه الروح الوطنية الصادقة.
لماذا يتصيد البعض؟
ويقر عضو مجلس الشورى ورئيس الجمعية البحرينية لمراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ بأن ملف الأعمال المؤسفة يجب أن يحظى بالنظر الحكيم والمعالجة الهادئة، فالكل، وهذا واضح للجميع، يعلم أن شباب البلد هم «عيال البلد»، وإن كانت هناك بضع تجاوزات أو ممارسات خارجة عن القانون فهناك مبادرات ومساهمات يجب أن تحظى بالدعم من جانب الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، فهناك من يتصيد ويحاول ارجاع الوضع الى منطقة لا يؤيدها أحد!
ويشير الى أنه قدم مقترحاً بقانون مع 5 من أعضاء مجلس الشورى تتم دراسته حالياً مع بعض البرلمانات ولجان وجمعيات حقوق إنسان لإضافة تعديل على قانون المسيرات والتجمعات وذلك لتأكيد ثوابت المسيرات والاعتصامات السلمية المرخصة وتخصيص «حديقة كبيرة خارج المدن السكانية والتجارية لاستخدامها في التجمعات الكبرى والاعتصامات والمهرجانات».
ويضيف: لقد استوحيت هذه الفكرة من مقال كتبه رئيس تحرير صحيفة «الوسط» إذ إن هدف هذه الفكرة حماية المواطنين والمقيمين والممتلكات، إذ يتضرر الناس جراء الأعمال المؤسفة.
وقال «نحن نعتز بالرموز الدينية والسياسية والناشطين السياسيين، لكن الفئة التي تستغل الظروف لإثارة أوضاع سيئة فيتسببون في الانشقاق والتفرق... هؤلاء يجب أن يعودوا الى رشدهم ويتوقفوا عن تحريض الشباب (الضحايا) على العنف حتى لا يتقابل العنف والعنف المضاد ويخسر المجتمع».
الأمر... متوقع!
يشير الباحث الاجتماعي يوسف بوجيري الى جانب مهم للغاية، اذ يرى أن أعمال العنف وبعض الحوادث المؤسفة التي تقع هنا وهناك متوقعة مع انتقال المجتمع من مرحلة اختناق وتقييد الى مرحلة انفتاح... فمثل هذه الحوادث تقع من دون شك، ومع تجسيد وترسيخ مبدأ «أن هؤلاء الشباب الذين يستخدمون العنف هم أبناء البلاد» وأن الواجب على الدولة وعلى كل القوى العمل على حمايتهم والاستماع لهم وارشادهم بدلاً من المقاومة بالعنف.
وفي هذا الصدد، يمكن أن نقرأ اتجاهين مختلفين لحل الأزمة، الأول يطالب بتشديد القبضة الأمنية وعدم التهاون مع الوضع واتهم وزارة الداخلية بأنها لم تعد قادرة على التعامل مع هذه الأعمال، أما الاتجاه الآخر فيرتكز على التوجه نحو الحل الجذري باعتبار الفئة المستهدفة هم أبناء البلاد ولابد من وضع مخطط للحل يقوم على الدراسة والتحليل، فنحن لا نقبل أعمال العنف، وفي الوقت ذاته لا نؤيد الحلول التي لا تقوم على النظرة التحليلة الواقعية المرتبطة بظروف البلاد وبالملفات المهمة وبالكيفية والآلية المطلوبة للتعاطي مع كل هذه الأمور.
تقزيم القضية مرفوض!
أحد الأشخاص الداعمين لتحريك الشارع بهذه الطريقة قال «إن القضية ليست قضية مجموعة ملثمين بل هي قضية مطلبية بحتة».
وعن موقفه أولاً وقبل كل شيء من الفرق بين المطالب والشغب والتخريب، يخلص الى مايأتي:
لابد من معالجة الموضوع بصورة جذرية بعيداً عن القصص الشعبية، والنظر في الدوافع التي دفعت بهؤلاء الشباب لاتخاذ هذا الخيار... «خيار العنف» مع أنه مرفوض من جانب الاتجاهات والتيارات كافة، ومازلنا نؤكد على خيار التحرك السلمي، ومطلوب من الدولة أن تنظر هي الأخرى الى ملف الحقوق وكذلك تتعامل مع
العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ