العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ

فصل طلبة الجامعة... من التشخيص إلى محاسبة المسئولين

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

قرأنا في الصحف المحلية خبر فصل الطلاب من جامعة البحرين خلال الفصل الدراسي الأول، وصعقنا من ضخامة العدد، استعرضنا الأرقام ليس فقط على مستوى الفصل الأول من العام الدراسي الجاري بل الأعوام الماضية بحسب ما جاء في الخبر، ولمن لم يتابع الخبر، ننقل أهم ما جاء فيه، إذ «أعلن وزير التربية والتعليم أن عدد الطلبة المفصولين من جامعة البحرين خلال الفصل الأول من العام الدراسي 2005 - 2006 بلغ 1018 طالباً». ووفقاً للإحصاء الذي أورده الوزير تبين أن عدد الطلبة المفصولين من الجامعة في ازدياد مستمر منذ العام الدراسي 2000 - 2001 حتى الآن، إذ بلغ أكبر عدد من الطلبة المفصولين 1540 طالباً خلال الفصل الثاني من العام الدراسي 2003 - 2004، فيما حقق الفصل الأول من العام الدراسي 2000 - 2001 أقل عدد من الطلبة المفصولين إذ لم يتجاوز 19 طالباً.

هذا ما جاء على لسان وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين ماجد النعيمي، عندما طرح عليه سؤال في مجلس الشورى. السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو لم يطرح أصلاً سؤال كهذا على الوزير، فكيف لنا أن نحصل على هذه الأرقام؟ وأين نحن من خطابات جلالة الملك التي تدعو وزارات الدولة إلى التعاطي مع الأوضاع بشفافية؟ وبالتالي ما السبيل إلى تفادي كارثة في التعليم كهذه إذا لم توضع الأرقام على ورق، ولم نضع الورق على الطاولة لتدارس المسألة؟

كفانا وضع أوراق الملفات المهمة في الأدراج، في الوقت التي نتكلم فيه عن إصلاحات تعليمية واسعة وجودة شاملة وإصلاحات سوق العمل والتخصصات المطلوبة في السوق، وغيرها من عناوين وموضوعات غاية في الأهمية تحدد مسار ومستقبل شبابنا، هذا بينما اكتفينا عند طرح السؤال فقط بذكر الداء كالعادة، ولم نرتقِ لوصف الدواء، على رغم أن التشخيص نصف العلاج، إلا أننا كما يبدو نكتفي في الغالب بالتشخيص المؤلم الموجع ونضع نقطة ونسكت، من دون أن نفكر في وضع الحلول والبرامج العلاجية. والأدهى أننا لا نفكر أصلاً في الأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في الوقوع في إشكال كهذا. فعلينا أن نتلمس الأسباب ومن ثم التداعيات التي ستترتب عليه إذا ما استمر من الوضع دون حلول ناجعة تسهم في تخفيف وطأة الأمر.

البداية كانت عندما دعا جلالة الملك في يوم من الأيام إلى خفض الرسوم الدراسية لطلبة جامعة البحرين جراء الضغوط المالية التي يعاني منها الأهالي، إلى جانب أن الجامعة أخذت في فترة من الفترات تخفض المعدل التراكمي لضمان توسيع قبول الطلبة والطالبات. عموماً، الأمران في غاية الأهمية، وكانا من مطالب المواطنين، ولا ننسى أن خطوة خفض الرسوم كان لها استحسان واسع لدى المواطنين، وكان الغرض منها الخير، وثوقاً بأن المؤسسات التعليمية مؤسسات راشدة، وبالتالي هناك من الآليات والسبل التي لا تعدم في سبيل الاستفادة من الخفض من دون الوقوع في مطبات نحن في غنى عنها. ولكن ما حصل على وجه الدقة أن معدلات الطلبة في الجامعة بدأت في انخفاض مستمر، ولم يكن السبب الحقيقي أن الجامعة فتحت أبوابها لكل من هبّ ودبّ كما يقال بين الفينة والأخرى، بدليل أن هناك الكثير من الطلبة كانت معدلاتهم منخفضة في الثانوية العامة ولكنهم تمكنوا من النجاح في الجامعة، بل إن معدلاتهم التراكمية مرتفعة نوعاً ما وهناك العكس أيضاً، ولكن بقاء الجامعة من دون دعم أدى إلى إلغاء الفصل الصيفي، وبالتالي ضغط هذا الأمر على الطلبة لأخذ مواد أكثر في الفصل الواحد. أيضاً اضطرت الجامعة حينها إلى تقليل المصاريف بأقل كلفة ممكنة، فلجأت إلى الاعتماد بدرجة كبيرة على المحاضرين وليس الأساتذة والدكاترة كما كان سابقاً، وبالتالي أثر ذلك بشكل كبير على مستويات الطلبة لاختلاف العطاء طبعاً.

وهناك قضية أخرى يجب أن تدرس، هي تدني رواتب المحاضرين مع المهمات الجسام، إلى جانب أن الإعفاءات المطبقة ألغيت تدريجياً، ما أثر بشكل كبير على نفسيات بعض الطلبة، ولاسيما من ينتمون إلى أسر ضعيفة الحال، والنتيجة عدم القدرة على مواصلة الدراسة وبالتالي التهاون.

أيضاً كانت المجموعة سابقاً تتكون من 15 - 20 طالباً في أسوأ الأحوال، فاختلف الأمر الآن تماماً، إلى درجة أن المحاضر لا يمكنه معرفة أسماء الطلبة الموجودين لديه في المادة. فالجامعة الآن تعاني من ازدحام سكاني يندد بالانفجار. آخر مرة ذهبت فيها إلى الجامعة شعرت بالاختناق من فرط الكثافة السكانية، وشعرت أن هناك مسيرة ستبدأ أو أنها منتهية لتوها. عموماً، الأجواء العامة في الجامعة لا تبشر بخير وبالتالي لا نستغرب كثيراً من نسبة أعداد الطلبة المفصولين، ولكن ما نستغربه أن المسئولين أنفسهم لا يحاسبون أنفسهم على ما يجري في المؤسسات التي يديرونها، وإلا أين نحن عندما فُصل 1540 طالباً العام الماضي؟ بالأمس سكتنا ولم نواجه الأمر فاستمر الوضع على ما هو عليه، وسنسكت اليوم حتى يصبح الوضع سنة أكيدة.

ونريد حلحلة الأوضاع والأمور بمعجزة، ناسين أن زمن المعجزات قد ولى، ولم يتبق أمامنا سوى الخطوات والإجراءات العملية. فإذا كانت الجامعة تعاني من أزمات مالية، وهو ما نعرفه على وجه الدقة من خلال التصريحات المتكررة، فليس من واجب الطلبة أن يدفعوا الضريبة، أو يتحملوا التبعات، وبالتالي ضياع سنوات من عمرهم ومستقبلهم، إلى جانب خيبة الأمل والإحباط. ولا يمكن لنا أن نصفهم بالإهمال أو التواكل، فلا أحد يصدق أن السبب في ارتفاع نسبة المفصولين هو قلة وعيهم واهتمامهم، لا وألف لا، بل يكمن السبب في إهمال المسئولين في التعاطي مع الوضع الكارثي، وتواكلهم وقلة وعيهم بخطورة المشكلة، فكل مسئول يلقي الكرة في ملعب الآخر، بينما تتقاذف الأمواج مصير إخواننا الطلبة، ولا نعرف أين ستكون نهاية المطاف بعد رفضهم من الجامعة الوطنية، لكونهم لم يتجاوزوا النسبة المطلوبة منهم.

نأمل من مؤسسات المجتمع المدني أن تأخذ دورها في التصدي لمشكلة كهذه، فالأمل معقود عليهم، وأدعو جمعية الجامعيين تحديداً إلى متابعة أمر الطلبة المفصولين والعناية بهم، لأنهم ضحايا وليسوا مذنبين، في الوقت الذي نشك كثيراً في قدرة المجلس التشريعي على التعاطي مع هذه المشكلة بعد عجزه في التصدي للكثير من القضايا المؤرقة والتي عوّلنا كثيراً عليه والنتيجة صفر اليدين

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً