العدد 3184 - الخميس 26 مايو 2011م الموافق 23 جمادى الآخرة 1432هـ

الانتقام آفة المرحلة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يَكَدْ سعادة وزير التربية ماجد النعيمي يعلن عن صفح وزارة التربية والتعليم عن 100 من طلبة البحرين المبتعثين للدراسة في الخارج، حتى تحوَّل إلى هدف متحرك تطارده لعنات بعض من لم يرتاحوا لذلك القرار، ورأوا فيه «تراجعاً عن العقوبة التي يستحقها» مَنْ وضعَهم هؤلاء المحتجون في خانة «العملاء»، و «الخونة»... إلخ من النعوت السياسية التي لا تليق بمن أطلقها، ولا يستحقها الطلبة الذين صفحت عنهم الوزارة.

مسألتان ينبغي التأكيد عليهما هنا: الأولى هي أن قرار الوزير صائب. ومن الطبيعي أنه أقدم عليه بناء على تحريات دقيقة أباحت له إصدار مثل هذا القرار. لذا فعلى من يشك في شفافية قرار الوزير، أو تساوره الظنون في عدم عدالته، أن يتوجه للإدارات ذات العلاقة، عوضاً عن التحوُّل إلى توجيه اللوم لسعادة الوزير، وإلصاق النعوت غير المقبولة به، فينتهي الأمر إلى سلوك انتقامي من فئة ضد أخرى. كما أنه من المؤكد، أن معالي الوزير لم يكن ليقدم على هذه الخطوة، قبل أن يتأكد من حق هؤلاء في استعادة بعثاتهم الدراسية.

المسألة الثانية، وهي تتعلق بمن يصرون على الانتقام من الطلبة، نود أن نلفت هنا إلى أن المطالبة بإنزال العقوبة بالمتهم، ينبغي أن تصدر من الحرص على تقويمه وردعه، عوضاً عن الانتقام منه، فبينما يساهم التقويم في استعادة أحد أفراد المجتمع، وإرجاعه إلى الطريق الصواب، يقود الثاني إلى زرع بذرة الحقد في نفس ذلك المواطن، فيتحوّل إلى «حيوان» متأهب للانتقام، بدلاً من أن يكون عضواً منتجاً في المجتمع.

نصرّ هنا على أن تكون الكلمة الفصل للقانون، فهو سيد الموقف، فيحاسب كل شخص على ما جنته يداه، دون محاباة أحد، أو التهاون في حقوق الدولة العامة، أو التفريط فيها. هذه المعادلة الدقيقة بين تبرئة المتهم، وعدم الانتقام من المذنب، إلا بموجب ما يقول به القانون، هي التي تولد مجتمعاً متناغماً، يعتز كل فرد فيه بمواطنته، التي لا تهزها في نظره، مثل هذه القرارات التفصيلية.

حل هذه المعادلة، وبشكل صحيح، ليس بالمهمة الصعبة، ويحتاج إلى قرار جريء يصدر عن قيادة شجاعة، ومسئولة. لكن هذا لا يعفي المواطن ذاته من التقيد بالعقد الاجتماعي بين أفراده، كي يحافظ على وحدة المجتمع، وتكافل أعضائه، طوعاً، من أجل بناء مثل هذا المجتمع الذي نتحدث عنه.

لذا نرجو أن نعطي النعيمي ثقتنا التي هو في أمسّ الحاجة إليها. هذا إن أردنا أن نؤسس مجتمعاً معافى يحكمه القانون، وينسج وشائج علاقاته الاجتماعية عقد اجتماعي معاصر، ماذا وإلا، فسوف نكتشف أن دورة الانتقام ستتسع، فتتمدد أفقياً في صفوف فئاته الاجتماعية، وعمودياً في أروقة مؤسساته المدنية، كي توصلنا في نهاية المطاف إلى مجتمع، يبدو متماسكاً من الخارج، لكنه، في حقيقة الأمر، منخور وممزق من الداخل وفي الجوهر، ولا يملك أيّاً من مقومات الحياة التي يحتاج إليها، والقدرة على التطور الذي لا يستطيع أن يستغني عنها. حينها لا يعدو ذلك المجتمع أن يكون أكثر من سياج جغرافي واهٍ يحتضن كتلة بشرية متنافرة. عندها سيفاجأ من يدعو للانتقام اليوم، أن دورة الانتقام تكاد أن تكتمل، وقد باتت قاب قوسين أو أدنى منه، في وقت لا ينفع فيه الندم، من آفة الانتقام

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3184 - الخميس 26 مايو 2011م الموافق 23 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً