العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ

إطلالة مثقفين عرب على جمهور معبأ

الغيطاني وبكر في أمسية أدبية ببرلين

جلس جمع من الجمهور الألماني المهتم بالتعرف على الأدب العربي في قاعة بمبنى محطة "صوت ألمانيا" بانتظار المجهول. منذ وقت تنظم هذه المحطة المدعومة من قبل الحكومة الألمانية فعاليات ثقافية في إطار مشروع ثقافي يحمل اسم "الشرق الجديد" New orient الذي يرمي كما يقول المنظمون إلى تعريف الجمهور الألماني بالأدب العربي. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لوحظ كيف الألمان شعروا بحاجة ماسة لمعرفة ما لا يعرفوه عن العرب والإسلام بالذات. كانت هذه فرصة استغلتها دور نشر لأغراض تجارية بحتة ما أسفر عن خلط الحابل بالنابل. إذ تحولت عملية التعريف وتقديم الحقائق إلى هجمات زور ضد العرب والمسلمين وقبل كل شيء ضد الإسلام. من هنا فإن إطلالة أدباء ومثقفين عرب على الجمهور المعبأ بمعلومات منافية للحقيقة مسألة بالغة الأهمية. لكن من توقع أن تصدر عن ضيفي الأمسية الأخيرة تعليقات عن سوء الفهم القائم بين الشرق العربي والغرب المسيحي بسبب الحوادث التي غيرت العالم منذ تاريخ الحادي عشر من سبتمبر العام ،2001 فإنه كان على خطأ. وربما أحسن الضيفان التصرف. لقد أدان العرب والمسلمون اعتداء الحادي عشر من سبتمبر 2001 مثلما أدانوا قتل المدنيين في أفغانستان والعراق وفلسطين. ثم أن الجماهير العربية لم تحمل صور أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي ولا جورج دبليو بوش، ولا تلقى إيديولوجية"القاعدة" رواجا عند الناس في العالم العربي الإسلامي. هذه إطلالة جديدة لأدباء عرب بعد المشاركة الأدبية العربية الكبيرة التي تمت قبل عام تحديدا حين اختير العالم العربي ضيف شرف على معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهي فرصة استغلت جيدا من قبل دور النشر العربية والمؤسسات الثقافية العربية لهدف التعريف بالثقافة العربية في مرحلة يعاني منها العرب من ضعف في إسماع صوتهم للعالم. بعد عام على الفعالية المذكورة ليس هناك ما يوحي أنه تم استيعاب الدرس. إذ أهم نتيجة للمشاركة العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في العام 2004 كانت الدعوة الماسة إلى دعم مشروعات ترجمة الكتب العربية لتسهيل التعريف بالثقافة العربية في البلاد الناطقة بالألمانية وهي إضافة لألمانيا، النمسا وسويسرا. المشروع الثقافي الذي يحمل اسم "الشرق الجديد" خطة تسد بعض العجز العربي والغربي في التعريف بالأدب العربي. الحقيقة التي لا ينكرها أحد أن العرب يعرفون عن الغرب أكثر مما يعرفه الغرب عنهم. وحقيقة أخرى، ما يعرفه الغرب أو بالأحرى ما يتلقاه القارئ الغربي عن العرب في الغالب غير واقعي وملفق في صورة حملة مركزة لها نتائج مدمرة. من هنا فإن إطلالة كل مثقف عربي يكون لها صدى إيجابي. لأن دوره مثل دور الطبيب الجراح الذي يستأصل الورم القاتل وينقذ حياة مريضه من موت محقق. مثل المثقف الذي يستخدم القلم أداة لتصحيح الأحكام المسبقة التي تزرعها الدعاية المعادية للعرب والإسلام في عقول الغربيين. عودة إلى أمسية برلين التي استضافت الأديبين المصريين سلوى بكر وجمال الغيطاني اذ قرأ كل منهما أجزاءا من أعمالهما الأدبية مثل"زهرة المستنقع الوحيدة" و"الزيني بركات". بعد فوز الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، ظنت دور النشر المصرية أن هذا الفوز سيدفع دور النشر الغربية لترجمة كتب لغير محفوظ. لكن هذا لم يحصل وهذا عائد لطبيعة سياسة دور النشر الغربية المختصة بترجمة الكتب العربية. إذ إنها تسعى لتحقيق الأرباح، ما يجعلها تعتمد على أعمال المؤلفين المشهورين في الغرب، ولا تهتم بأعمال الذين لم يسبق للغرب أن سمع شيئا عنهم. كانت قراءة أجزاء من عمل الأديب جمال الغيطاني "الزيني بركات" بداية لإلقاء الضوء على حرية التعبير في مصر بصورة خاصة والعالم العربي بصورة عامة. فالأديب الغيطاني ألقى نظرة على الأجواء السياسية في مصر على مدار الخمسين عاما الماضية، وكيف أن حرية التعبير كانت مقهورة لدرجة أنه عانى من السجن لمدة طويلة. وصفق الحاضرون مطولا حين أتى على جملة: الفقر نفسه نوع من القمع ويحد من حرية التعبير عن الرأي. إلا أن الغيطاني يضفي بصيصا من الأمل على الأحوال السياسية والاجتماعية الحالية في مصر ويبدي تفاؤله بأن الأوضاع في طريقها إلى التحسن وإن كانت ستحتاج إلى وقت طويل حتى تصل إلى مرحلة النضج. في النشرة الخاصة التي أعدتها الجهة المنظمة للأمسية الثقافية في برلين معلومات تعرف بالغيطاني. إذ تشير إلى أنه من مواليد العام 1945 في جهينة "جنوب مصر" وزار مدرسة للصناعات اليدوية، ثم عمل بعدها في تصميم السجاد في القاهرة. بدأ ممارسة الصحافة والأدب في العام .1963 ونظرا لاتخاذه مواقف معارضة للحكومة تم اعتقاله في العام 1966 وأطلق سراحه بعد أقل من عام ليشغل بعدها منصب سكرتير عام اتحاد الصناعات اليدوية في خان الخليلي. عمل الغيطاني مراسلا صحافيا في فترة الاضطرابات العسكرية 1969 حتى 1973 ثم مديرا للصفحة الأدبية في صحيفة "الأخبار". وهو يعمل اليوم رئيس تحرير للمجلة الأدبية "أخبار الأدب". ويشير المنشور أيضا إلى أنه سبق وصدرت ترجمات كثيرة لروايات الغيطاني إلى الفرنسية والألمانية ومنها: "الزيني بركات"، "وقائع حارة الزعفراني" و"كتاب التجليات". أما الكاتبة الثائرة على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مصر، سلوى بكر، فترى أنه إن كان هناك تحسنا في المجتمع المصري أو العربي فما هو إلا تحسن سطحي. وتقول: حركة كفاية ليست كافية. وصفت سلوى بكر نفسها بأنها كاتبة المهمشين، فهي كما أكدت لجمهور الحاضرين تكتب عن المهمشين في المجتمع المصري ومنهن المطلقات وخصوصا نظرة المجتمع إليهن. وتروي قصصا واقعية عن أحوال الفتيات والنساء وما يعانين منه من قهر وحرمان من التعليم الذي يبدو أن سلوى بكر تركز كثيرا على أهميته في إصلاح المجتمع وإدماج المهمشين. قالت الأديبة المصرية: على رغم أن مصر أول من اخترع الكتابة فإن الأميين في مصر يشكلون قاعدة عريضة من المجتمع لابد أن لا نغفلها ونعمل في وضع الحلول لمكافحة انتشار الأمية. فأمية الفرد تقود إلى أمية المجتمع. وترى سلوى بكر أن القمع وكبت حرية التعبير عن الرأي له أشكال وأنواع متعددة وإن كان في الوقت الحالي يمارس بطريقة خفية وخبيثة، فهي مثلا تعتبر نفسها مهمشة لا تلقى اهتماما في الساحة الثقافية، وحين يصدر لها كتاب، لا يذكر في الأعمدة الثقافية حتى يتعرف القارئ المصري على أعمالها. يشير منشور الأمسية إلى أن سلوى بكر من مواليد القاهرة العام ،1949 وهي حاصلة على ليسانس في إدارة الأعمال العام 1972 من جامعة عين شمس وعلى ليسانس في النقد المسرحي من المعهد العالي للفنون المسرحية العام .1976 عملت مفتشة حكومية للتموين من العام 1974 حتى العام ،1980 تفرغت بعدها للكتابة في مجال الصحافة وتعمل منذ العام 2001 أستاذة زائرة في الجامعة الأميركية في القاهرة. كما أنها عضو في المجلس الأعلى للثقافة في مصر، واتحاد الكتاب المصريين، وعضو لجنة تحكيم مهرجان السينما العربية الأول في باريس. ويذكر أنه صدر لها سبع مجموعات قصصية قصيرة وسبع روايات ومسرحية واحدة، وترجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية، الإسبانية، الهولندية، السويدية، الروسية، الفرنسية، الكورية والألمانية. من أعمالها المترجمة"مقام عطية"، "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" و"زهرة المستنقع الوحيدة". أجمع الأديبان على أن حركة ترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأجنبية قليلة جدا وهذه انتكاسة للأدب العربي إذ ينبغي أن يولى اهتمام أكبر وتمويل حركة الترجمة لأنها عبارة عن حركة تصحيح للمفاهيم وتنور عقل القارئ الغربي وتطرد الأحكام المسبقة عن العرب من رأسه. ثم أن انتشار كتب مؤلفين عرب في العالم يساعد في لفت انتباه لجنة نوبل وغيرها من اللجان والمؤسسات التي تمنح جوائز ثقافية. ألم يكن نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب يعتمد في إطعام أسرته على العمل ككاتب سيناريو أفلام ومسرحيات رغم نشره روايات كثيرة، إلى أن أنقذته لجنة نوبل بمنحه جائزتها لتكفل له شيخوخة هنيئة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً