العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ

غراميات الفن التشكيلي والفلسفة

المنامة-هدير البقالي 

تحديث: 12 مايو 2017

"كل إنتاج ذي قيمة عالية يخرج عن سلطان الفرد وينبع من قوة شيطانية مزودة بقدرة عالية تفعل بالإنسان ما تريد، فيتنازل لها الإنسان لا شعوريا عن نفسه". الشاعر الألماني غوته تشكيل عملية الإدراك في الفن التشكيلي، ما هي إلا عملية إبداع للجانب الحسي، في محاولة للإحاطة بمداعبات نقوش محسوسة، تستقوي فيما تستقوي به باستنباط الدلالات الفلسفية والجمالية هنا وهناك، وصولا لابتكارات تتعدد كمفردات فنية لصور وأشكال متناغمة تبرز رؤى فكرية وبصرية محددة، هذه الأشكال مترابطة التطلعات، وتتمثل من تراكم الآثار الفنية والقيم الجمالية، والتي لا تنتجها الأنا السطحية من الذات السطحية وحدها، بل من مزيج العمل الفني للأنا الشعورية واللاشعورية، والتي يتكون منها العالم الفلسفي للفنان. للمتأمل في الفن التشكيلي أن يستشعر إيقاعات فلسفة الثراء المتصوفة، بإشارات الألوان المتعددة الإيحاء، هي إيقاعات يعدها ويصقلها الفنان من معزوفة فكرية الى معزوفة بصرية تحتضن سمات الكون المتواشجة عمقا وعلوا، نحو خرق الذات البشرية من تقلبات العقل المتضاربة في تيسير الحركة الفنية الكامنة، عبر المرور بلحظات باتت التيارات المعاصرة تستنشق غيها أقراصا لألوان شتى، تختلف باختلاف النقائض العقلية وارتجالتها العاطفية المتبلورة. في حين يقول مانويل دوفايا... "كل ذي صوت سوداوي، إلا ويسكنه روح مبدع". يتناول الفن التشكيلي فكرة فلسفية، محاولا التعبير عنها تعبيرا صريحا أو سرياليا متجاوزا أسلوب الواقع الملموس إلى الرمز الذي يتصل بعالم الرؤى والأحلام، لمعرفة خفايا النفس المكبوتة. والخطوة الأولى والفاعلة في سباق "الأنا الابتكارية". يشرحها كانط قائلا "إن هذه الأنا قد يمكن أن تؤخذ على معنيين، الأنا من حيث هو الإنسان، والأنا من حيث هو عقل. الأنا من حيث أنا الإنسان هي موضوع للحس الباطن والظاهر. أما من حيث أنا عقل ، فالأنا موضوع للحس الباطن فحسب". في حين تتفاعل الأنا بحدس وخيال الإنسان الآخر عقليا عن طريق السيطرة على الأذواق الفكرية والجمالية للفن، ساعية لامتلاك مساحة العاطفة والإثارة، تعكس روحية السيطرة والانفتاح في عصر الأنزيحات والتبادلات في الإبداع. وإذ إن الفن التشكيلي من كونه البوابة الأسهل والأخطر لاختراق العقول. فقد تتوغل الفلسفة بذلك لصوغ قوانينها للقضايا العقلية وفقا لبوابة الفن، وفي تعرضها هذا تسوق الأدلة والبراهين وترتب الأفكار منطقيا من خلال منهج معين لمقدمات ونتائج من شأنها إما أن تقتحم معاقل الفن تارة، أو أن تتجسد عالم الأحاسيس والانفعالات، لتكون محللة وشارحة في تذوق تجربة شعورية تستند إلى الوجدان والعاطفة والميول الذاتية. ساعية بجهدها لترسي أسس الجمال الفني على ركائز من المنطق والبرهان والتعليل، محاولة أن تنشأ من وراء ما يسمى بعلم الجمال "فلسفة الفن". تسعى الفلسفة بتعطش شديد سائغ للمسائل الفنية، كاشفة بذلك عن خضوعها لروحها وطرقها، خضوعا تاما فلا تسلم سوء النتائج والعوائق من تلقيحها. كما أن الفن لا يلبث أن ينفر منها ويتماحك من وهجها، إلا أن للبحث الفلسفي قيمة متكاملة ومتآلفة في التشكيل خلاف الرؤية الجمالية للفن. ولذلك كان بول فالييري يقول "ولد علم الجمال ذات يوم من ملاحظة وشهية فيلسوف!"





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً