العدد 3230 - الإثنين 11 يوليو 2011م الموافق 09 شعبان 1432هـ

الشعب يريد «إسقاط» الطائفية (1)

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

عندما بدأت أولى جلسات الحوار الوطني مساء الثلثاء الماضي، كان على رأس المحور السياسي المطروح للنقاش «ملف» الطائفية في العمل السياسي وهو أحد المحاور الفرعية «للجمعيات السياسية» الذي شمل أيضاً تطوير شروط تأسيس الجمعيات السياسية وتمويلها المالي، وكذلك الاتصال الخارجي للجمعيات، إلى جانب محاور أخرى يتعلق بعضها بمزايا وعيوب العمل في ظل قانون الجمعيات السياسية الحالي.

وعندما كنت أفكر في صياغة مداخلتي في هذا الموضوع، للتعبير عن وجهة نظر «التجمع القومي الديمقراطي» في هذه القضية الشائكة والحساسة، وبينما كان التفكير منصباً على كيفية إبراز وجهة النظر هذه بطريقة تساعد على تجاوز الحاضر المقلق والمخيف، والذهاب إلى المستقبل بعيداً عن غلواء وسيطرة الأجواء الطائفية الراهنة، التي تشحن القلوب والنفوس وتعمق الكراهية والخصومات، في هذه الأثناء برزت أمامي حادثة تاريخية ذات صلة وثيقة بالموضوع، تعود إلى فترة تاريخية مهمة في حياة البحرين السياسية والاجتماعية، وهي مليئة بالدلالات، والدروس التي كان يمكن استخلاصها، لتكون عامل قوة وتوحيد في بناء حياة اجتماعية وسياسية أكثر وعياً وأكثر نضجاً واستقراراً للبلد. ولكن كما هي دائماً بعض الأحداث والتطورات الكبيرة، تأخذ معها الكثير من القيم والأسس وترمي بها في غياهب النسيان، وهو ما يعني حرمان الشعب من التعلم والتطور في صيغته التراكمية والطبيعية.

والحادثة المذكورة تكشف في أحد جوانبها عن حقيقة سعي القوى والدول الاستعمارية الطامعة إلى «توظيف» الاختلافات المذهبية في بناء استراتيجياتها وتحقيق مصالحها، دون الالتفات أو الاهتمام بمصالح البلد المستهدف، وطموحات شعبه.

وتتلخص تفاصيل تلك الحادثة التي تعود إلى القرن السادس عشر ميلادي، وبالتحديد إلى العام 1529م، وهي الفترة التي كان «الخليج العربي» يعيش فيها أوضاعاً مضطربة، ويشهد مواجهات وحروباً تنافسية بين دول إقليمية ودولية أقطابها الرئيسية الدولة الصفوية في إيران والدولة العثمانية، والقوى الاستعمارية البرتغالية، وكانت البحرين بحكم حجمها الجغرافي والسكاني، هي في الواقع أسيرة للظروف السياسية المحيطة ولميزان القوى الإقليمية والدولية، شأنها شأن كل الدول الصغيرة، في المنطقة التي ستبقى دائماً بحاجة إلى بناء تحالفات استراتيجية خليجية وعربية لمواجهة التحديات الخطيرة التي تتعرض لها.

في ذلك العام (1529م) قام أحد الأشخاص يدعى «حسين بن سعيد» وهو شيخ بني جابر، عندما كانت البحرين خاضعة لمملكة هرمز، وقاد حركة تمرد شعبي في البحرين وقتل الحاكم البرتغالي، في أعقاب سيطرة البرتغاليين مرة أخرى على البحرين بعد القضاء على حركة حاكم الإحساء «مقرن بن زامل» الذي كان قد أنهى الوجود البرتغالي والهرمزي فيها. وحاول حسين بن سعيد بعد ذلك الاستقلال بالحكم في البحرين، إلا أنه واجه صعوبة بالغة من قبل القوى الكبرى في المنطقة، فعاد مرة أخرى إلى التحالف مع البرتغاليين الذين ثار عليهم، ومكنهم مجدداً من توطيد أقدامهم في البحرين، ولأن البرتغاليين كانوا يخططون لبسط سيطرتهم الدائمة على البحرين، قاموا بدراسة أحوال المجتمع البحريني الطائفية في محاولة منهم لإحداث الفرقة وتعميق الخلافات بين الطوائف في البحرين وبالشكل الذي يساعدهم على تحقيق أهدافهم الاستعمارية.

وهكذا قاموا بوضع وتنفيذ مخطط استعماري «خبيث» حيث لجأت السلطات البرتغالية إلى خلع حاكم البحرين و»تعيين» بدلاً منه حاكماً «فارسياً» «سنياً» وهم يعرفون بأنه لا يمكن أن يحظى بقبول أو تأييد سكان البحرين العرب من الشيعة والسنة الذين يمثلون غالبية سكان البحرين، وبذلك يضمنون (البرتغاليين) عدم انضمام حاكم البحرين إلى أية حركة احتجاجية وطنية تقوم ضدهم، كما كان واضحاً في تفكيرهم بأنهم لم يكونوا يخشون «اصطفاف» أو «تحالف» السنة العرب مع الحاكم الفارسي السني لمجرد انتمائه المذهبي، أو أن يلجأ «الشيعة العرب» إلى الدولة الصفوية لمجرد ادعائها بأنها دولة شيعية. هذا فضلاً عن ضمان عدم ولاء حاكم البحرين للدولة الصفوية الحاكمة في فارس بحكم انتمائه للمذهب السني.

هذه الواقعة كما غيرها من الوقائع الكثيرة تفصح عن مدى خطورة «الانقسامات المذهبية» في اللحظات المصيرية التي يواجه فيها البلد تهديداً يمس الوجود والهوية، كما تكشف عن حقيقة استغلال القوى الاستعمارية والطامعة هذه «الاختلافات» في خدمة مصالحها وأهدافها، كما أوضحنا قبل قليل، وفي المقابل نجد كيف أن المجتمع يمكن أن ينشطر، بل ويتصدع لحسابات وأجندات لا ناقة له فيها ولا جمل! عندما يتم رهن البلد لصراعات التنافس بين دول المنطقة الإقليمية والدولية، والسباق بينها في احتلال الموقع الأول في المنطقة، ما يجعل الوطن رهينة لهذه المعادلة، التي يمكن أن تتغير في أية لحظة بمجرد اختلال ميزان القوى، خصوصاً عندما تتعرض المنطقة كما هو حاصلٌ الآن، إلى تغييرات هائلة واحتمالات تبديل الظروف، ما سيؤدي حتماً إلى تبدل السياسات وموازين القوى، وعند ذلك لا يمكن الرهان سوى على «الوضع الداخلي» وعلى الإجماع الوطني الذي يبقى هو الرهان الرابح الوحيد والدائم.

وبمغادرة سجل التاريخ، والعودة إلى حاضرنا الراهن، وبالتوقف عند محطة الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد منذ فبراير/ شباط الماضي، سوف تلحظ الحضور القوي والمدمر للطائفية في الواقع البحريني، وكيف يمكن أن تكون هذه الطائفية عائقاً كبيراً أمام تقدم وتطور البحرين بصورة سلمية ومتوازنة، فبالرغم من مشروعية الحراك الشعبي وقانونية الحركة المطلبية فقد كانت بعض «العناوين» ذات الصبغة الطائفية المستفزة قد أساءت إلى هذا الحراك، وساهمت في خلق الأجواء والذرائع للالتفاف على مطالب الناس المشروعة، وإجهاضها بصورة عنيفة وقاسية. كما أنها على الجانب الآخر قد هيأت الأرضية لخلق ردود فعل طائفية حادة ومرعبة، قادت في نهاية الأمر إلى خلط الأوراق وضياع فرصة تاريخية كان يمكن أن تتيح لشعب البحرين أن يبني تجربة ديمقراطيه «نموذجية» في ظل حكم سياسي متطور وتعايش اجتماعي متحضر، الأمر الذي يجعل المتابع أو المعايش لتلك الأحداث التي مرت بها البحرين، يخرج بنتيجة مؤلمة، وهي أن الطائفية السياسية في البحرين كأنها «فعل» و»مظهر» تاريخي واجتماعي متجذر وليس فعلاً عرضياً أو نزعة نفسية مؤقتة، أي أنها حالة متأصلة في بنية هذا الشعب، وهذا خلاف للواقع ولما نؤمن به. فكيف يمكن لنا أن نفسر بعض تلك السلوكيات المتطرفة والمنافية لقيم الوطنية، وللمبادئ الخلقية، فقد حدثت مقاطعة متبادلة للمحلات التجارية، وحدثت قطيعة بين أصدقاء وزملاء في العمل وفي مناطق السكن، وسيطر الخوف والتوجس من القيام بزيارات إلى بعض المدن والقرى المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك، بل ورأينا كيف تطوع البعض للوشاية بزميله (أو زميلتها) في العمل.

وكانت النتيجة التوقيف أو الفصل من الوظيفة، دون التفكير في عواقب مثل هذا العمل غير الإنساني، سوى أنه يستجيب لتلك الغرائز الطائفية المنفلتة، ويتجاوب مع بعض ردود الفعل الحاصلة بسبب الأحداث، التي قد نتفهم أو نعذر بعضها، إلا أنه بأبسط المعايير الإنسانية لا يمكن قبول قسوتها وحدتها التي تجاوزت كل حدود العقل والمنطق.

فالطائفية إذاً هي في نهاية المطاف سلوك وممارسة اجتماعية وسياسية من صنع الناس (طبعاً ليس كل الناس). وسواءً كان من يمارس هذه الطائفية إنساناً عادياً أو عالماً دينياً، أو رجل سياسة، فالمقصود هنا أن جميع أفعال هؤلاء تتم بوحي هذه الطائفية وبتأثير مباشر وغير مباشر منها.

لذلك عندما نريد أن نواجه الطائفية أو نحد من أخطارها على فعلنا الاجتماعي وعملنا السياسي، يجب ألا نكتفي بذكر مساوئها أو محاربتها عبر الخطب والشعارات، كما سمعنا في الجلسة الأولى للحوار الوطني التوافقي، فالمظهر الاجتماعي أو التاريخي لا يواجه بالشعارات، بل بالتفتيش عن أسبابه وتفاعلاته

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3230 - الإثنين 11 يوليو 2011م الموافق 09 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:47 م

      فعلتها

      فعلتها قبل البرتغال والان تفعلها الشيطان الاكبر كما يقولون

    • زائر 7 | 5:49 ص

      التاريخ

      نعم كل واع ومثقف بحريني يرغب في دحر الطائفية وإزالتها وليس إسقاطها فقط ، ولكن في نفس الوقت ضد أي نوع من محاولات نقلها من خلال تبريرات ورواسب الماضي القريب إلي التاريخ القديم وإدخالها من خلال القصص الخيالية والخرافات التي تدحضها القراءة والتحليل العلمي الصحيح للوثائق والمستندات المورثة من الماضي ......!؟ الدلموني

    • زائر 5 | 3:40 ص

      إسقاط الطائفية

      نعم أستاذ محمود الشعب يريد إسقاط الطائفية البغيضة ، لقد دمرت المجتمع بشكل لا يطاق ............

    • زائر 2 | 2:06 ص

      الطائفية سم البلدان

      من يريد لبلد التقهقر والتخلف فما عليه سوى زرع الطائفية وما من شعب رضي بالصراع الطائفي فإن هذا الشعب يساهم في انتحار بلده
      على الطائفتين الكريمتين الإنتباه لخطورة الموضوع وإلا
      فسوف نشهد هذا البلد يركس في القاع
      مستحيل أن يكون هناك تقدم ولو بذلت كل الأموار والإستثمارات والطائفية متغلغلة فلن يتحرك الوطن
      قيد انملة للإمام
      من يعي الدرس

اقرأ ايضاً