العدد 3251 - الإثنين 01 أغسطس 2011م الموافق 01 رمضان 1432هـ

«أنتم» و «نحن»... «نحن» و «أنتم»

شوقي العلوي comments [at] alwasatnews.com

.

مقال جميل للأخ الكاتب فواز الشروقي أوحى لي بكتابة هذا الموضوع. المقال في غاية الجمال والتعبير عن معانٍ كثيرة لواقع وطني مؤلم أخذ ينخر في نفوسنا وعقولنا وقيمنا ومبادئنا وسلوكنا وطريقة تفكيرنا.

«أنتم» ضمير للمخاطب في صيغة الجمع و «نحن» ضمير للمتكلم في صيغة المثنى والجمع. لقد جعل كل فرد منا نفسه متحدثاً باسم المجموع ويخاطب الفرد الآخر بأنه يمثل المجموع المتوجه إليه بالخطاب.

كنا نستخدم هذه الضمائر في أحاديثنا مع بعضنا على سبيل المزاح للتعبير عن رفضنا لـ «نحن» و «أنتم» بالمفاهيم الطائفية البغيضة. كنا نعبر بهذه الضمائر عن رفضنا للتشطير والتمزيق، عن رفضنا الحقيقي لـ «نحن» و «أنتم»، كانت تخرج منا هذه الألفاظ لتعطي معنىً معاكساً لمعناها اللغوي. كنا نقصد بها «نحن» هم «أنتم» و «أنتم» هم «نحن». الآن أصبحت هذه الضمائر تعبر عن التشطير والتمزيق، بل عن الكره والحقد والاحتقار بين مكونات المجتمع.

إحدى الزميلات العزيزات كنت أتبادل معها هذه الألفاظ على سبيل المزاح وكنا وقتها بكل تأكيد في علانية مواقفنا وقرارة أنفسنا نرفض هذه الألفاظ واستخداماتها إذا كان المراد منها الفصل والتفريق بين مكونات المجتمع ووضع الحواجز بين هذه المكونات. وفي أول لقاء لي بها بعد فض التجمع في الدوار، وفي بداية حوارنا بشأن ما جرى من أحداث مؤلمة، وإذا بها وبكل جدية تخاطبني بـ «أنتم» وتعود لنفسها بـ «نحن». هذه المرة اختلف عندها المعنى الذي كنا نقصده عندما كنا نستخدم هذين الضميرين رفضاً للتشطير والانقسام، بل بقصد التهكم بمن يستخدمهما بقصد التمزيق والتشطير. هنا أصبح الضميران عندها يعنيان فهماً وقصداً جديدين بخلاف الفهم والقصد السابقين. المعنى هنا أصبح يعني ما يقارب السب والاتهام، وتعزيزاً للانقسام والتباعد والتباغض. تألمت وحز في نفسي ذلك كثيراً، قطعت الحديث، جلست معها جلسة حبٍ، عاتبتها وقلت لها: لا أقبل أن أكون ضمن أنتم وتكونين أنت ضمن نحن بالمعنى المتداول اليوم، ما بيننا أكبر بكثير من هذا التجزيء والتشطير اللذين يراد بهما خلق حالة من العداء بين مكونات الوطن. أنا من ضمن نحن ومن ضمن أنتم في آنٍ واحد وبالمعنى الإيجابي، وهكذا يجب أن نكون جميعاً، ما يؤلمك يؤلمني وما يسيء لك يسيء لي.

يبدو أن العمل والجهد كان يتم منذ عقود لتجزيء الناس وتشطيرهم، بل والعمل على خلق حالة من العداء بينهم. بالتأكيد ان الحالة الراهنة التي يعاني منها الوطن، وبالذات حالة «نحن» و «أنتم» ليست وليدة الأحداث الأخيرة التي مر بها الوطن، بل هي نتيجة لحالة من التأسيس لها، كان يُقصد بها تشطير الناس، والعمل على خلق نوع من المواجهة بينهم على أسس طائفية. حالة التأسيس هذه هي من مسئولية بعض أصحاب المصلحة في ذلك، وبعضها للأسف الشديد هي من مسئولية قوى مجتمعية وقوى سياسية سواء بوعي وقصد من بعضها أو من دون وعي أوقصد من البعض الآخر، ولكن كل هذه الأطراف ساهمت بشكل أو آخر في التأسيس لذلك، وهو ما جعلنا نصل إلى الحالة التي عليها الوطن اليوم، والتي أدت إلى حالة «نحن» و «أنتم». لسنا في حاجة للحديث عن أصحاب المصلحة في ذلك، لكننا في حاجة للحديث عن القوى المجتمعية والسياسية ومسئوليتها في التأسيس، وهي جميعها في أغلب خطابها الظاهر، أما أن توجه اتهامها لطرف مقابل لها، أو توجه اتهامها للسلطة، ولكن الحقيقة أن جميع هذه الأطراف تتحمل المسئولية في ذلك.

بداية نقول، إن تأسيس أي تجمع مقتصر على مكون طائفي، ومهما كانت أهداف هذا التجمع، فإن ذلك يؤسس لحالة «نحن» و «أنتم»، وهي حالة من التشطير والتمزيق، يساهم في ذلك بعض الأطراف المجتمعية، التي تمارس خطاباً تمزيقياً تحريضياً. وللأسف نقول إن بعض الأقلام الصحافية التي يفترض فيها أنها تحمل أمانة الدعوة للوحدة والتلاحم، نرى فيها عكس ذلك تماماً، فتعمل جاهدة لتعزيز «نحن» و «أنتم»، بل وجدنا حتى بعض العاملين في حقل الإعلام الرسمي يساهمون بشكل أو آخر في حالة التمزيق والعداء التي وصل إليها المجتمع.

«أنتم» تعني «نحن» و «نحن» تعني «أنتم»، كلنا جسم واحد لا يقبل القسمة على اثنين، القسمة تعني هلاك هذا الجسم وتفتيته. علينا جميعاً رفض هذا التقسيم وفضح كل من يعمل على هذا التجزيء والتشطير. عزتنا وكرامتنا في وحدتنا وفي حبنا لبعضنا بعضاً. خير هذا الوطن وكرامته وعزته وازدهاره ونموه ومنعته، كل ذلك مرهون بوحدة أبنائه وحبهم لبعضهم البعض، فمن أراد الكرامة والعزة والمنعة فعليه أن يتخلص من وهم «نحن» و «أنتم».

المواطنة وحقوق المواطنة وواجباتها هي العناوين التي تجمعنا. لا يمكن للوطن أن يستقر وينمو ويزدهر ويرتفع عَلمه دون المعالجة الحقيقية والصادقة لأزماته، ومن دون القفز على الحقائق ودفن الرؤوس في الرمال، وكل من يعتقد خلاف ذلك فهو واهم، بل هو يعمل ويساهم في عدم الاستقرار وفي بقاء الوطن في أمراض مزمنة يستعصي علاجها. المطلوب إعادة الحسابات لدى كل من لديه حساب وأجندة

إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"

العدد 3251 - الإثنين 01 أغسطس 2011م الموافق 01 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:17 ص

      بداية التأسيس

      يأتي بداية التأسيس (أو الغير تأسيس) منذ القبول أو الموافقة على تأسيس الجمعيات السياسية الطائفية والتي أرست بقصد أو دون قصد بداية خط الفصل تحت غلاف المطالب الديمقراطية والسياسية ، التي لا يمكن بدورها (أى المطالب) أن تتوافق إمكانيات تطبيقها في أجواء محاولات تجذير أو تعميق شق المجتمع على أساس ديني ...مع التحية ..الدلموني

    • زائر 5 | 3:42 ص

      اختلاف البشر سنة إلهية واستغلال الإختلاف للفتنة سنة بشرية

      هكذا جبل البشر على أن يكونوا شعوبا وقبائل تلك إرادة الله لحكمة
      ولكن استغلال هذا الإختلاف لشق الصفوف وبث الفتن
      فإن ذلك شر كبير
      وقد حذر القرآن كثيرا من هذه الفتن ووصفها بشتى انواع الصفات. مرة بأنها اكبر من القتل ومرة أشد من القتل

    • زائر 4 | 2:24 ص

      عجبي

      عجبي ممن أعمته طائفيته وقرر أن الوطن لا يحتاج إلى الآخر، ياجماعة البحرين طير جميل لا يمكنه إلا أن يطير بجناحين ، جناحان قويان عزيزان كريمان.

    • زائر 3 | 1:32 ص

      وهذا ماحدث من الكثير من الوشاه الذين رغبوا بتصفية الحساب انتقاما وتشفيا من اخوة يشاركونهم الهم والاوجاع

      وفي أول لقاء لي بها بعد فض التجمع في الدوار، وفي بداية حوارنا بشأن ما جرى من أحداث مؤلمة، وإذا بها وبكل جدية تخاطبني بـ «أنتم» وتعود لنفسها بـ «نحن». هذه المرة اختلف عندها المعنى الذي كنا نقصده عندما كنا نستخدم هذين الضميرين رفضاً للتشطير والانقسام، بل بقصد التهكم بمن يستخدمهما بقصد التمزيق والتشطير.. واقول تعقيبا بانه تقصدك وانت المعروف بمواقفك الوطنية وزواجك المختلط بانك اصلا من المذهب الفلاني؟؟؟وهذا عيب السطحيين الذين تأثروا بالهجمة الاعلامية سواء من بعض الجرائد والتلفزيون الرسمي؟؟؟؟

    • زائر 1 | 1:20 ص

      لفتة جميلة-مواطن مغترب

      شكرا للكاتب على لفتته الجميلة
      حقيقة ذلك موضوع يثير الاشمئزاز كونه يشير الى التجزئةوالتشطير بين موكونات المجتمع والذي بلاشك نتيجته ليست مؤلمةوحسب بل تمييرية للكيان المجتمعي وقيمه الحضارية
      ومثل ما اثارك هذا القول اغضبني انا ايضا عندما قالت لي احد الخليجيات التي تربطني بها علاقة ود واحترام (انتم)...؟ وكان ذلك كافيا لان اجيب عليها ومن انتم لتناقشو امور هي اكبر من ثقافتكم وتفكيركم.؟
      وزبدة القول هل نحن في حاجة الى هذا الجدل والفهم العقيم.؟
      اتصور نحن في حاجة الى مراجعة الذات والتاريخ معا

اقرأ ايضاً