العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ

الاغتراب ليس عيباً!

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

الأرض أرض الله والناس عباده. يقول تعالى: «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه» (الانشقاق: )، والكدح ذهني وبدني، كدح العبادة والرزق والمعيشة، وليس يعيب الإنسان أن يتغرب من أجل رزقه وعياله، وتحسين مستوى معيشته ووضعه الاجتماعي، وتطوير مهاراته العملية واكتساب المعرفة والعلم، مادام كل ذلك مرتبطاً بالغاية والوسيلة المشروعتين. ولا يعيب «المصري» أو «الآسيوي» أو «البحريني» الاغتراب من أجل ذلك؛ بل ويعتبر عدم الاغتراب وتفويت فرص الرزق شيئاً غير مستحب دينياً أو اجتماعياً، وكم من إنسان فوت عليه فرص الترقي وتحسين معيشته واكتساب مهارات جديدة. والإنسان الذي يفوِّت عليه الفرص، يعتبر بأبسط تعبير رافضاً للرزق الذي منحه إياه الرزاق الكريم، وإلا هل يأتي الرزق من سهل العيش أم من مصارعة ومغالبة الظروف وتحمّل ذلك بإرادة المتوكل المحتسب، واستجلاب الرزق ليس طمعاً وإنما من تحمل مسئولية الأهل والعيال.

ليس الاغتراب مذمة، بل عمل يجب أن يكرم فاعله على صبره وعزيمته ومغالبته لآلام الغربة، ومشقات الهجرة. والإنسان السوي هو من يقتنص الفرصة، والعاقل الرشيد هو من يفكر في مستقبله ومستقبل عياله وأهله... ولا يدع العاطفة تجنح به إلى الركون إلى السهل من الحياة الأليفة؛ فالدنيا مصارعة للظفر بأفضل النتائج، الوصول إلى أرقى المناصب شريطة اقتضاء مسلك حلال الله واجتناب حرماته... والقوي من ينتصر في ذلك على نفسه أولاً، وعلى ظرفي الزمان والمكان والحال الاجتماعية.

لو تفكرنا قليلاً، فسنجد أن من يرفض الرزق ربما يكون جنى على ذريته من بعده، فكم حدثنا أجدادنا وآباؤنا عما كان لديهم من فرصة لشراء الأرض الفلانية أو امتلاك الأشياء العينية، ولكن لترددهم وعدم تفكيرهم بصورة سليمة في المستقبل، لم يوفروا حياة معيشية وتعليماً راقياً لأبنائهم. وكم من الآباء يتمنى لو اقتنص هذه الفرصة أو تلك لكي يكون قد أفاد أهله وذريته في حياته أو مَنْ بعده، فيكونون من الشاكرين والمستغفرين بحرارة له، ويأنسون بذكره وذكر خيره عليهم، وإسباغ نعم الله عليهم، سيالة متدفقة؛ في وقت موارد الرزق شحيحة، وبالكاد يكفي ما نعصره عصراً من أدمغتنا، وأبداننا، لسد رمقنا وعيالنا به! ولقد أنشد الشعراء الكثير من الأبيات في تفضيل الغربة على الوطن إذا كان الوطن جائراً، أو كانت اليد الممسكة بمقاليد الاقتصاد مغلولة، وموازين العدل أصابها العطب والخلل الكبير، فقال أحد الشعراء:

لعمرك ما الغريــب بعـيد دار عن الأهلين وهو جميل حال

ولكن الغريب قريـــــــــــــب دار من الأهــلين وهـو قلــيل مـال

اغتراب الشاب - مرحلة الشباب هي فترة إنتاجية الإنسان وعطائه - عن مسقط رأسه ومفارقة أهله وناسه، الذين عايشهم وخالطهم؛ إنما هو نتاج إرادة فولاذية جسورة. وفي الغربة، تكون الحياة سهلة طيعة؛ إذا كانت للاغتراب أهداف سامية، ومآرب نقية صافية، والأرض المغترب إليها قريبة تضاريسها وشكلها العام من أرضك، و«ناسها» هم الأقرب إلى طباع أهلك، وتقاليد وأعراف ناسك... فهنا يكون سد باب الرزق ليس في محله ألبتة

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً