العدد 1377 - الثلثاء 13 يونيو 2006م الموافق 16 جمادى الأولى 1427هـ

الزرقاوي وورطة «إخوان» الأردن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيبقى الموقف من مقتل الأردني الزرقاوي علامةً دالةً على ما وصلت إليه عقلية بعض شرائح المجتمع العربي من انحطاط، وما تعانيه من ازدواجية وتناقضات في المواقف. ففي الوقت الذي تسبّب هذا الرجل الفظيع في مقتل خمسة آلاف عراقي، وجرح ثلاثة أضعاف ذلك العدد، وتيتّم آلاف الأطفال، وترمّل آلاف العراقيات، إلا ان كل ذلك يظل مبرراً و«شرعياً» وجهاداً... عند هذه الشرائح الفوضوية المتناقضة.

ليست المسألة مسألة مقتلِ رجلٍ ارتكب كثيراً من الجرائم بحق شعبٍ عربيٍّ تحت الاحتلال، وإنما اختلال المفاهيم واضطراب القيم، وفوضى المصطلحات، التي باتت تتحكم في هذه الأمة. ومن البديهي أن تنتهي هذه الفوضى إلى استسهال إزهاق الأنفس وتفجير الآمنين في الشوارع وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث. كل ذلك يتم باسم الإسلام والجهاد، بينما ينهى رسول الأمة (ص) عن المثلة «ولو بالكلب العقور»، ويغلّظ القرآن الكريم على جريمة قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق. ولكن إذا عميت البصيرة وزادت جرعات الحقد الديني والطائفي، لم يعد الإنسان يبصر شيئاً، فيتحوّل إلى وحش من الضواري.

وقصة الأردن فيها عِبرةٌ كبيرة، إذ كان الرأي العام يرقص طرباً يوم يسمع عن تنفيذ عملية «جهادية»، تقضي على حياة عشرات العراقيين في الشوارع «من عملاء الاحتلال الأميركي»! واستمر هذا الرقص حتى أرسل الزرقاوي مجموعته الانتحارية قبل أشهر إلى فنادق عمّان لتقتل «عملاء الموساد الاسرائيلي». ولكنه بدل أن يقتل العملاء قتل أردنياً، وجرح أكثر من مئة، ولو نجحت الانتحارية ساجدة الريشاوي لزاد عدد «شهداء الفنادق» على ذلك بكثير.

هذه الجريمة أيقظت النيام من غيبوبتهم وأحدثت انقلاباً في الرأي العام الأردني، فليذبح ما يريد من العراقيين، لكن أن تصل متفجراته إلى رقاب الأردنيين، فهذا ما لا يجوز شرعاً! الاستثناء الوحيد في الأردن هو موقف «الأخوان المسلمين»، الذين وجدوا أنفسهم مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. يريدون أن يجمعوا بين النار والماء، في بيئةٍ عشائريةٍ بدويةٍ لا تنسى جراحها بسرعة وتفكّر بعقلية التشفّي وأخذ الثأر.

بالإمكان أن تتفهم إقامة عائلة الزرقاوي مجلس عزاء أو حتى «حفلة عرس» ابتهاجاً ببطلها «الشهيد»، ولكن من الصعب أن تستوعب موقف تيارٍ إسلاميٍّ له امتداده العالمي من القتلة والإرهابيين، فيقوم أربعة من نواب «جبهة العمل الإسلامي» بتعزية عائلته، ويتجرّأ أحدهم على وصفه بـ «المجاهد الكبير». وعندما انتقد الناس الزيارة برّرها أحدهم بقوله: «انه حقٌ شرعي وسُنــّةٌ نبوية وعرفٌ اجتماعي». هذا «المفتي» لم يجد من يسأله للأسف: هل من السنة النبوية مواساة قتلة الأبرياء والمدنيين وزيارة عائلةِ قاتلٍ مازالت تتمنى أن يرسل الله إلى العراق من هو مثل ابنها العاق؟

هؤلاء النواب، انتهت بهم حماقتهم إلى السجن، واعتبرت عائلات ضحايا الفنادق موقفهم مستهجناً ويشكّل إساءةً بالغةً لمشاعرهم وأرواح قتلاهم، وتدارسوا رفع دعوى قضائية ضدهم. الكتل النيابية الأخرى أصدرت بيانات شديدة اللهجة تندّد بكتلة «الأخوان المسلمين»، وطالبت بمحاسبتهم لخروجهم عن الإجماع الوطني.

ترى... لو جاء الإمام البنا (ره) اليوم، هل كان سيصطحب النوّاب المنتسبين له في زيارةِ عائلة الزرقاوي ليقوم بـ«واجب» العزاء؟ أم انه كلما بعُد الفرعُ عن الأصل زاد الانحراف؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1377 - الثلثاء 13 يونيو 2006م الموافق 16 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً