العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ

الأسماء المستعارة وآليات مقصاة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا ألتفت كثيرا الى كاتب النص... المقال... الرواية... القصة القصيرة. ما يلفت انتباهي هو المتن. هل الكاتب هامش بهذا المعنى؟ طبعا لا... لكنه في النهاية ليس المتن أيضا.

ظاهرة الأسماء المستعارة ينزعج منها كثيرون، وهو انزعاج يكاد يكون وقفا على العرب دون سواهم من الأمم. الاختبارات الأولية في هذا الصدد كثيرة؟ عدد كبير من الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي العربي، عمد الى إرسال بعض اسهاماته بأسماء مستعارة، وكانت النتيجة تعادل 30 إلى 40 في المئة من رفض نشر الاسهامات، فيما عمد آخرون الى إرسال اسمائهم الصريحة مذيلة بنصوص البدايات التي لم تنشر، وكان أصحابها يشعرون بحرج وخجل شديدين من نشرها، وقوبلت بما معدله 60 الى 80 في المئة من الترحاب والاحتفاء، فيما تبقى العشرون في المئة حصرا على عدد من المحررين الذين لم يصابوا بعدُ بهوس الأسماء.

ما المراد من تلك المقدمة؟ ببسيط العبارة، كنا نتمنى من الذين يتمترسون خلف الأسماء المستعارة أن يكونوا على ذلك القدر من الرصانة والانتباه، بحيث يحدثون نوعا من «الخضة والرجّة» في الوسط الذي طلعوا فيه على الناس. بمعنى أن ما يتم طرحه في عدد من الأعمدة كان يمنّي النفس في أن يكون تبرير أصحابها المتمترسين وراء أسمائهم المستعارة، مقنعا وذا جدوى، لكنك مع شديد الأسف تكتشف أنه لم يعد لذلك التمترس ما يبرره، اذا ما كان مفتقدا وخاليا من إلماعة وحضور فذ واستثنائي. مع التأكيد انني على خلاف كثيرين لست ضد الكتابة باسم مستعار، على اعتباره حقا طبيعيا من جهة، من دون أن اشغل نفسي كثيرا في تبرير وتفسير أسباب ذلك اللجوء، مادامت الكتابة تسهر وتحرص على أن توصل اليّ قيمة معرفية وفكرية وأدبية ما.

لست ضد لجوء «قناص» أو «رنين» أو «ظما الوجدان» وغيرهم، الى التمترس وراء تلك الأسماء، بقدر ما هو الاحباط الكبير الذي لا يمكنني اخفاؤه، على رغم أن الكاتبين لم تبدر منهما اساءة - على الأقل تجاهي - بل على العكس من ذلك، اذ تم الاحتفاء بي لأكثر من مرة، وبدرجة غامرة بدت لي أنها مبالغ فيها أو أنني لا أستحقها. وجه اعتراضي يكمن في أن الكاتبين العزيزين لديهما من الامكانات الشيء الكثير، ويمسكان بأدوات جيدة تمكّنهما من أن يضخا الكثير من السهر والتعب ومحاولة الخروج بكتابات وقراءات وتسليط الضوء على اشكالات وقضايا كثيرة، وليس حصرها فقط في دائرة الاستفزاز أو ما يشبه الاستعداء، كما انهما قادران على قراءة وتحليل أوضاع الساحة بمنهج يملك آلياته واستخلاصاته، ويستطيع ايضا أن يقترح الحلول للإشكالات المتراكمة في الساحة. من دون أن نطالبهما بتقديم حلول في جانبها المعجز والعصي. ومع هذا لا أخفي اعجابي بلغة وأسلوب الكاتبين، لكن ذلك لا يكفي للتعامل بواقعية مع حقيقة ومآل الأوضاع في الساحة.

لإثارة الاشكالات مداخل وآليات لا يمكن لها أن تغيب عن المهتم والمتصدي لها، ومتى ما حاد وتجنب تلك المداخل والآليات - فيما يشبه التخبط - تصبح المحصلة من وراء تلك الاثارة: صفرا. أولا لأنها لم تدن بشكل حقيقي، ولم تلامس واقع ذلك الاشكال والاقتراب منه، ومن ثم محاولة فهمه، علاوة على انها عمدت الى اثارة من دون جدية تذكر لتسخير ما تملكه من امكانات ومفاعيل تمكّنها من الاقتراب مما يشبه الحلول، ولا أقول الحلول، اذ الحلول ليست هي عصب المسألة ولبّها، كي لا تتداخل الاهتمامات في هذا المجال. وربما من هنا يجب أن يكون مصدر الانزعاج العربي من تفشي ظاهرة التمترس وراء الأسماء المستعارة، لكن واقع الأمر وحقيقته يشيران الى خلاف ذلك.

قبل أن اختتم مقالي هذا، أتمنى بصدق ومحبة أن يستمر الكاتبان «قناص» و«رنين» في التمترس وراء اسميهما، مع ضرورة العمل على التعاطي مع اشكالات الساحة بقدر من العمق والمسئولية، وبعيدا عن الاستفزاز والاستعداء.

ذكرت ظما الوجدان باعتبارها شاعرة، وشاعرة جميلة واستثنائية، ولا علاقة بالاسقاطات التي طرحتها بتجربتها، باعتبارها مقلة في مقالاتها، وهي مقالات تتجنب في معظمها الاستفزاز والاستعداء الذي اشرت اليه، مع التأكيد أنني لست ضد تواريها وتمترسها وراء اسم مستعار

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً