على رغم مرور نصف قرن على رحيل الكاتب الألماني برتولد بريشت فإنه يظل في مقدمة المسرحيين الأكثر حضورا في العالم العربي والاكثر تعرضا لسوء الفهم.
ويذهب الناقد المصري أحمد سخسوخ في كتاب صدر بمصر هذا الاسبوع الى أن بريشت عانى مما اعتبره تفسيرا خاطئا له ولاتجاهه المسرحي منذ مسرحيته الاولى «بال أو بعل» العام 1918 حتى رحيله مرجحا أن الكاتب لايزال وهو في قبره يعاني من نقاد لا يفهمون أن نظريته في المسرح كانت دائما في حال تطور تلائم منهجه الجدلي في التفكير واكتشافاته المتطورة في علم الجمال.
وحمل الكتاب عنوان (برت بريشت... النظرية والتطبيق مسرحيا وسينمائيا) وأوضح المؤلف أن برت هو الاسم الذي كان بريشت يفضل أن يناديه به الآخرون أو الاخريات وخصوصاً المقربين والاصدقاء.
والكتاب الذي يقع في 331 صفحة كبيرة القطع أصدرته أكاديمية الفنون بالقاهرة.
وقال المخرج السينمائي رئيس الاكاديمية مدكور ثابت في مقدمة ان أعمال بريشت (1898 - 1956) تعد كنزا متجددا لمئات المسارح في العالم.
وأضاف أن شراح بريشت ونقاده يعتبرونه الان حاضرا بأكثر مما كان في حياته باعتباره «مخرجا ومؤسسا لافضل مسرح معاصر... يأتي مباشرة بعد (البريطاني وليام) شكسبير (1564 - 1616) و(الالماني) جوته (1749 - 1832) و(الألماني فريدريش) شيللر (1759 - 1805)».
وتضمنت مقدمة ثابت ببليوجرافيا في 50 صفحة عن مكانة بريشت في اللغة العربية وحفاوة العرب بأعماله ترجمة ونقدا.
وفي الببليوجرافيا تختلف ترجمة اسم الكاتب من باحث لآخر ويلاحظ أن الذين يترجمون عن الألمانية مباشرة وليس عن لغة وسيطة يحرصون على أنه بريشت وليس بريخت.
ويحفل الكتاب بعشرات الصور التي تؤرخ لمراحل مختلفة من حياة بريشت ولقطات من مسرحياته التي عرضت في برلين قبل صعود الحزب النازي في الثلاثينات ولقطات أخرى له مع الممثلين أثناء التجارب الأخيرة لبعض مسرحياته التي عرضت في السنوات الثماني الاخيرة من حياته.
وكانت الممثلة هيلينا فيجل زوجة بريشت بطلة لمعظم تلك المسرحيات.
كما يضم الكتاب صورة لبريشت مع الممثل الشهير شارلي شابلن العام 1947 أثناء تجارب مسرحية (جاليليو جاليلي) اضافة الى صور أخرى تشير الى السياق السياسي الذي عاش فيه بريشت منها صورة لجنود وجماهير في دائرة ينبعث منها دخان وكتب تحتها «حرق هتلر لكتب المبدعين والفنانين في مايو/ أيار العام 1933».
وأرجع المؤلف سوء تفسير النقاد لأعمال بريشت الى تجدد مفهومه للمسرح ولدوره فمسرحياته في المرحلة الاولى مثل (طبول في الليل) و(في أحراش المدن) تحمل سمات التمرد على النظام الاجتماعي القائم انذاك «ولكن من خلال منهج غير محدد فلقد نشأ بريشت ثائرا على الواقع ولكنه كان يفتقر الى منهج علمي في مواجهة هذا الواقع فكانت أعماله هذه تعنى بعزلة الفرد وتمرده على المجتمع الرأسمالي ولكن دون رؤية واضحة».
وأضاف أن بريشت في مسرحية (الإنسان هو الإنسان) التي كتبها العام 1925 يظهر أول عنصر من عناصر التغريب المسرحي متلمسا الطريق الى المسرح التعليمي - الملحمي.
وقال سخسوخ إن النقاد يعتبرون مسرحية (بال) أولى أعمال بريشت لكنه أشار الى أن له أعمالاً سابقة إذ كتب وهو في المرحلة الثانوية مسرحية بعنوان (التوراة) ثم كتب مسرحية (سبارتاكوس) التي أعاد كتابتها فيما بعد بعنوان (طبول في الليل).
وأشار الى أن بريشت اضطر لمغادرة ألمانيا بعد مصادرة أعماله الشعرية والمسرحية في بداية الحكم النازي للبلاد العام 1933 «بسبب قائمة الزعيم النازي (أدولف هتلر) السوداء» وأن بريشت هرب الى النمسا وسويسرا والدنمارك وفرنسا وفنلندا ثم اتجه الى نيويورك العام 1940 الى أن عاد الى برلين العام 1948.
وكتب بريشت في فترة المنفى أعمالاً منها (حياة جاليليو) و(بؤس الرايخ) و(محاكمة لوكولوس) و(الإنسان الطيب) و(الام شجاعة) و(السيد بونتيللا) و(دائرة الطباشير القوقازية).
وقدمت بعض مسرحيات بريشت في مصر وآخرها (الام شجاعة) التي ترجمها أستاذ الفلسفة المصري عبدالرحمن بدوي (1917 - 2002) وعرضت العام الماضي.
وعرضت (الام شجاعة) على كثير من المسارح الأوروبية قبل أن تنتجها السينما الألمانية العام 1961 في فيلم قامت ببطولته هيلينا فيجل زوجة بريشت أمام الممثلين أنفسهم الذين شاركوها في العرض المسرحي.
ومن أعمال بريشت في المسرح المصري (البلطجية) عن نص عنوانه (صعود وهبوط أرتورو أوي) إذ تربط حوادثها كما يقول المؤلف بين صعود ال كابوني في الولايات المتحدة وصعود هتلر في ألمانيا.
وفي التسعينات عرضت في القاهرة معالجة درامية لمسرحية (الإنسان الطيب) التي وصفها سخسوخ بأنها من أنضج أعمال بريشت إذ يوجه فيها صرخة ضد المجتمع الرأسمالي الذي قال إنه يفرغ الانسان من انسانيته.
وحمل العرض المصري لمسرحية (الإنسان الطيب) عنوان (عجايب).
ولكن المؤلف اعتبر ما حدث لمسرحية بريشت نوعا من الاغتيال مشيرا الى أن «ناقلها أو معدها الذي يكتب للمسرح لأول مرة وهو الشاعر أحمد فؤاد نجم ينسب العمل الى نفسه تأليفا وهي سرقة أدبية يشارك فيها من ساهم في خروج العمل الى النور».
«أي كائن على علاقة بالمسرح يعرف جيدا أصل هذا العمل الذي يعتبر نقطة مهمة في تاريخ المسرح العالمي المعاصر. وبالطبع الموافقة على كتابة (تأليف أحمد فؤاد نجم) في الاعلانات والدعاية وبرنامج العرض مسألة مضللة وتدعو للتساؤل».
وأوضح أن نجم كتب أغاني المسرحية وأعد النص «ولكن من دون أن يذكر مصدره الاصلي وهو فعل كان يجب ألا يرتكبه شاعر مثله له ماض طويل»
العدد 1349 - الثلثاء 16 مايو 2006م الموافق 17 ربيع الثاني 1427هـ