العدد 3287 - الثلثاء 06 سبتمبر 2011م الموافق 07 شوال 1432هـ

النفعيون يحرفون نمو الاقتصاد نحو جيوبهم

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

ربما تكون قصة اختلقها أحد المدرسين لتلامذته، والقصة تقول إن الحاج خليل حائر أمام بكاء وغضب أبنائه الصغار، كلما زاد من وجبة الغداء ازدادت المشكلات، حتى اضطر أن يرفع عدد الدجاجات في الوجبة من دجاجتين إلى 10 دجاجات.

وحتى يتجنب بكاء وشكاوى ابنه الصغير، زاد وجبة الغداء إلى 26 دجاجة، إلا أنه في النهاية ثار الأبناء الصغار، وقالوا لأبيهم بصوت غاضب: «أنت ظالم، خالٍ من الرحمة».

صعق الحاج خليل من هول الكلمات، فقفز الأخ الأكبر يدافع عن أبيه، وشنَّ هجوما شرسا على إخوانه الصغار متهما إياهم بأنهم «عاقون، وناكرون للنعمة». ويجب أن يتم طردهم من المنزل فورا.

وبعد أن استمع لأقوالهم حكيم من الجيران باعتباره جهة مستقلة، قال: «ليست المشكلة في زيادة عدد الدجاجات في وجبة الغداء، بل في توزيع الدجاج على الأبناء»، إذ إن الأخ الأكبر يأخذ 26 دجاجة ولا يترك لإخوانه الصغار شيئا، والأدهى أن يفتري الأخ الأكبر بأن المشكلة في الأب، والأكثر عجبا أن الأخ الأكبر يأكل نصف دجاجة، ويعطي إخوانه الستة نصف الدجاجة الأخرى، ويقوم بتخزين 25 دجاجة ويتعفن عدد غير قليل منها، ومن ثم تلقى في مكب النفايات إذا لم يستطع الأخ الأكبر التهامها.

عندها فهم الحاج خليل، أن سبب تفتت العائلة، هو انحراف مسار التغذية نحو بطن الأخ الأكبر الذي يستقوي بعضلاته على إخوانه الصغار.

هذه القصة المتخيلة من أحد المدرسين، هي ما حدث في عدد غير قليل من الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية (الربيع العربي) على رغم أن بعضها حقق معدلات من النمو الاقتصادي الذي يعتبر ناجحا بمقاييس عامية، وهو ما يخالف المنطق حيث إن الثورات تكون في البلدان التي تشهد تراجعا اقتصاديا.

إن انحراف مسار التنمية الاقتصادية يتخذ أشكالا عدة، أكثرها خطورة سرقة وظائف آلاف المواطنين وتحويل مدخولها نحو الجيوب الخاصة.

وتعني سرقة الوظائف، أن يحصل من لديه معرفة برئيس شركة، مثلاً، على عقد لتوفير 100 عامل (في الغالب من الوافدين من دول ذات عمالة رخيصة)، بمبلغ 500 دينار عن كل عامل، ويقوم صاحب المعرفة الشخصية بالرئيس بإعطاء العامل راتبا شهريا يبلغ 200 دينار، ويضع في حسابه باقي المال كصافي أرباح... وكل ذلك باسم السوق الحرة «النيوليبرالية». ونعلم أن سوقا حرة مع فساد مستشرٍ تعني خلق طبقة من النفعيين غير المنتجين، وهؤلاء يحرفون مسار نمو الثروة من المواطنين بصورة عامة الى حساباتهم الخاصة خارج الوطن.

الانحراف الثاني الذي لا يقل خطورة عن الأول، هو احتكار الأرض وتحويل الوضع الاقتصادي إلى ما يشبه الإقطاعية في العصور الوسطى.

ويعني ذلك، أن النخبة يقللون المعروض من الأراضي، ومن ثم رفع الأسعار، وهذا يعني أن أي شاب يريد أن يؤسس مشروعا تجاريا عليه أن يدفع ضريبة إلى جهة ما (غير الدولة) تحت مسمى إيجار شهري وبأسعار مبالغ فيها.

وتزداد خطورته عندما يمس قطاع السكن للناس العاديين، ويقل المعروض ويرتفع سعر العقارات السكنية إلى مستويات تفوق قدرة الأسر على الشراء، ما يؤدي إلى أزمة إسكانية مرعبة لعدد كبير جدا من الأسر ذات الدخل المحدود، وحتى ذات الدخل المتوسط.

الفساد في قطاع المساكن ورفع أسعارها يعني أن على المواطن أن يعمل لمدة 30 سنة يجمع فيها المال، ومن ثم يسلمها على طبق من ذهب إلى جهة ما استحوذت على الأرض بشكل من الأشكال، فقط لكي يحصل على سكن يعيش فيه ما تبقى من عمره مع أبنائه.

هذه وغيرها من الانحرافات في مسار التنمية لها انعكاسات اجتماعية مباشرة، تؤدي في النهاية لتغذية اضطرابات سياسية تأتي بصورة مفاجئة وغير متوقعة

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3287 - الثلثاء 06 سبتمبر 2011م الموافق 07 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً