العدد 3304 - الجمعة 23 سبتمبر 2011م الموافق 25 شوال 1432هـ

المواطنة ... الكأس البحرينية المقدسة

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هي كأس إعجازية... حيث تقول الأسطورة في الميثولوجيا المسيحية إن «Holy Grail» أو الكأس المقدسة، هي التي استخدمها يوسف الرامي، أحد تلاميذ السيد المسيح (ع) في العشاء الأخير، ليجمع فيها دم السيد المسيح الذي تساقط من جسده على الصليب. ما قيل عن تلك الكأس ورد لأول مرة في التاريخ أواخر القرن الثاني عشر للميلاد. فقد كتب روبرت دي بورون رواية أسطورية بعنوان: «يوسف الرامي» أوضحت العلاقة بين أسطورة الكأس المقدسة والرامي. ادعى فيها الراوي أن يوسف حصل على الكأس وجمع فيها دم المسيح بعد صلبه مباشرة ثم أرسله إلى أتباعه في بريطانيا، كما تم تغليف تلك الأسطورة بقوى خفية خاصة بها.

وعلى هذا الأسلوب، تكمل الرواية، أن يوسف أبقى تلك الكأس تحت حراسة سرية ومشددة في بريطانيا عند من يثق بهم من المقربين منه ومنهم جاءت سلالة حراس الكأس. وكان العثور على هذه الكأس هو هدف فرسان الدائرة المستديرة التي كونها الملك آرثر الذي حكم بريطانيا في نهاية القرن الخامس ومطلع السادس للميلاد، والذي بدوره دارت حوله الأساطير الكثيرة.

ولعب الفكر الأسطوري بالتشويق القصصي في براثن تلك الحادثة المرويّة أساساً بإقحام اسم مريم المجدلية مقابل اسم مريم العذراء، أم السيد المسيح، ليقال إن السيد المسيح قد تزوجها. ولذلك أضيف إلى تلك الأحداث القول بأن الكنيسة الكاثوليكية حاولت قتل كل بقايا السلالة الرامية أو حراس الكأس المقدسة، وكذلك حراس الهيكل (هيكل سليمان)، لكي تستمر في سيطرتها من خلال تتابع التسليم الرسولي عن بطرس الرسول وليس مريم المجدلية، التي قالوا إن المسيح أراد أن يضعها على رأس الكنيسة بدلاً من بطرس الرسول، باعتبار أن مريم المجدلية هي التي حملت سلالة المسيح الملكية.

وتشابكت الخطوط والروايات والغموض المتعمد بها وأضافوا أن للكأس علاقة رمزية وثيقة بعلم الخيمياء (وهو علم في القرون الوسطى ظاهره السعي إلى تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة، وباطنه التوصل إلى جوهر الإنسان الروحي وتحقيق الخلود).

لكن ما علاقة كل هذا بالكأس البحرينية التي ذكرتُها في المستهل؟

لأنها كأسٌ لا ككل الكئوس...فليست كما هي كأس يوسف الرامي التي حملت بداخلها كل أشكال الغدر والخيانة ممثلة لما حدث لرسول جاء يهدي البشر للخير ولمحبة الرب بلا عنف فحاولوا الفتك به بكل عنف ووحشية. فالكأس البحرينية... كأس طهور لا يعرف قاعها معنى للدم أو رائحة... لا تحوي أية طقوس للنفاق أو الخيانة... وليس عليها نقوش الوشم الأبدي لفرعون... شرب بها الجد الأول لهذه الجزر كل معاني الصدق والطهارة والنُّبل والعدالة واحترام الآخر وإن اختلف معك... فغدا طهوراً وأولد أطهاراً شرفاء...عيونهم كلؤلؤ البحر النقي بماء زلال عمق قاع البحر من «الجواجب»... جباههم خُط عليها صبر أيوب إذا مسه الضر... وحناجرهم لا يخرج منها إلا دعاء يونس في بطن الحوت ... وصدورهم وسواعدهم السمراء عارية تلفحها أشعة شمس الجزر فتزداد بياضاً... وأوصاهم أن يحفظوا تلك الكأس المقدسة عن عيون الغرباء... وألا يورثوها من الأبناء إلا لمن يعرف أسرارها ويقتدي بها ويحفظها من الضياع.

تلك الكأس تحوي من أسرار المواطنة الحقيقية والوفاء لها الشيء الكثير، ومن وصايا وروح الجد الأكبر، ما يصل لدرجة العشق والذوبان حتى تسليم الروح على مذبح هذا العشق السرمدي.

واليوم، أليس علينا جميعاً أهل الجزر من صلب طينها، أن نبحث بصدق وحكمة لا من باب «أحب أو أكره» أو «استفيد أو لا أستفيد مادياً»، ولكن بعمق أحاسيس المواطنة الحقيقية، عن تلك الكأس البحرينية المفقودة، ونتعرف على أسرارها، ما سيؤدي بالتأكيد إلى تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي وتربوي وثقافي كبير. ولعمري، أن هذا لن يتم، كما تخبرنا أسطورة الكأس البحرينية، إلا حين يعي الجميع أنه متى ما أصبح الدم مقدساً ولا يراق على ثرى الأرض الطهور بسبب مطامع الدنيا لأنه يورث البغضاء، فسنعثر بسهولة على الكأس البحرينية التي شرب بها الجد الأول لهذه الجزر كل معاني الصدق والطهارة والنُبل والعدالة واحترام الآخر وإن اختلف معك... وعندها سنعلم لماذا هذه الكأس مقدسة... مقدسة... مقدسة... وإن بحت الأصوات

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3304 - الجمعة 23 سبتمبر 2011م الموافق 25 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:40 ص

      نغم هم الغرباء عيونهم وبطشهم و وشم فرعون من اعتدى على الكأس الطهور فعدرا لك يا جزيرة جدي الطهور

      وصدورهم وسواعدهم السمراء عارية تلفحها أشعة شمس الجزر فتزداد بياضاً... وأوصاهم أن يحفظوا تلك الكأس المقدسة عن عيون الغرباء... وألا يورثوها من الأبناء إلا لمن يعرف أسرارها ويقتدي بها ويحفظها من الضياع.

      كلامات جميلة تلامس الوجدان و الروح والقلب وتعزي الدم المقدس المسكوب على الجزير بغذر ودنس الغريب الموتور .

    • زائر 3 | 4:16 ص

      مقال رائع وهادف

      شكرا للكاتب المحترم على المقال الهادف الى توحيد اللحمة اليحرينية لكل من شرب من ذلك الكأس ليروي قصص الوئام لجميع الناس دون تمييز للون أو العرق أو المذهب!!!!.

    • زائر 2 | 2:17 ص

      سكرتيرة التربية والآداب

      يسعدني ان أكون أول من يرد على هذه الكلمات الجميلة ولا يسعني القول الا سلمت هذه الأنامل التي كتبت هذه الأسطر

اقرأ ايضاً