العدد 3334 - الأحد 23 أكتوبر 2011م الموافق 25 ذي القعدة 1432هـ

على مشارف الحج... في ذكرى أبي الأنبياء

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

هكذا مرت الأيام عليهم قاسية، فمن امتحان إلى آخر، ومن ابتلاء إلى ابتلاء جديد، عائلة كاملة من المعيل إلى الأم ومرورا بالولد الذي كان شريكا لعائلته في البلاء منذ كان صغيرا لا يقدر على المشي، لكنها عائلة أصرت على النجاح فنجحت بالتسليم لأمر الله والثقة به، والانقياد له وطاعته، وهي العناصر التي جعلت تلك العائلة ترتبط ارتباطا وثيقا بعبادة كبيرة وعظيمة عند الله سبحانه وتعالى.

ولا يمكن لأي حاج أن يفهم الحج ويدرك معانيه من دون النظر إلى الآيات القرآنية المباركة التي تحدثت عن تلك العائلة، ودون النظر إلى الروايات التي بينت إيمانها وتسليمها لله سبحانه وتعالى.

الحج نسك عظيم، والحديث عن عظمته يقتضي استدعاء أماكنه وذكرياته وأحداثه، والشخصيات التي أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تكون معلما واضحا في العديد من مناسكه وأعماله ومقاطعه.

عائلة نبينا إبراهيم (عليه السلام) هي معلم واضح من معالم الحج ودرس عميق من دروسه التي يستفيد منها كل حاج يقصد البيت العتيق، ففي البيت الحرام وقريبا من الكعبة المشرفة هناك مقام لأب الأسرة مقام إبراهيم، وهناك حجر لنبينا إسماعيل (ع)، وهناك السعي بين الصفا والمروة والذي يذكرنا بهاجر أم إسماعيل، وهناك بئر الخير والبركة زمزم المرتبطة بقدم ذلك الصغير.

وبالبعد قليلا عن المسجد الحرام هناك محل الفداء «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» (الصافات: 107)، وهو الموقف الثاني الذي يضحي فيه ذلك الرجل الطاعن في السن بابنه، بعد أن يرمي الشيطان الذي تمثل له في ثلاثة مواقف ليثنيه عن تنفيذ الرؤيا والتضحية بولده.

لقد كان يتحسر ويطلب الولد من الله سبحانه، ولكنه تركه مرة وهو صغير مع أمه في واد غير ذي زرع «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» (إبراهيم: 37)، وأراد التضحية به مرة أخرى حين رأى في المنام أنه يذبحه «قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» (الصافات: 102).

تحدثت مع بعض الحجاج القاصدين لبيت الله الحرام في هذا العام أن يكرسوا بعض وقتهم لقراءة سيرة النبي إبراهيم، والتعرف عليها من قرب، والوقوف على المفاصل التي مرت بها، والتأملات التي قادتها إلى ذلك النضج الإيماني والتسليم لإرادة الله سبحانه.

من لا يدرس الأحداث التي مرت على إبراهيم وأسرته ستضيع منه بعض أسرار الحج، وسيفقد الصلة بين ما يؤديه من أعمال واجبة في الحج وبين المعاني التي توحي بها، ولن يستطيع أن يتصيد الدرر الثمينة والنفائس الغالية التي أتاحها الله لقاصدي بيته الحرام.

المعرفة بإبراهيم وآل إبراهيم بعمق ودراية وتأمل، هي التي تمكن الحاج من اغتراف المزيد من دروس الحج ومعارفه.

إبراهيم الذي يذكر بالاسم مباشرة أكثر من 65 مرة في القرآن الكريم، ويعبر عنه القرآن الكريم في بعض الآيات بتعابير تحتاج إلى قلب يعيها مثل قوله تعالى: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ» (الممتحنة: 4)، «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» (آل عمران: 33)، «كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»(الأنعام: 75)، «إنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ» (هود: 75)، «وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ» (الأنبياء: 51)، «سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (الصافات: 109).

من أجل انفسنا ولحسن إسلامنا ولمعرفتنا بالحج أكثر نحن بحاجة لدراسة إبراهيم وقراءة سيرته وسيرة عائلته قبل وحين وبعد الذهاب للحج

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 3334 - الأحد 23 أكتوبر 2011م الموافق 25 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:12 ص

      العلماء ورثة الأنبياء

      بالأمس البعيد كان الأنبياء يبتلون بشتى أنواع البلاء من إطهاد و تعذيب و تكذيب...إلخ

      و اليوم نجد العلماء ورثة الأنبياء في زماننا هذا يقاسون بعض ما قاساه الأنبياء حيث يتم الزج بهم في السجون و يتم تلفيق التهم الباطلة التي لا أساس لها و يقاسون الوان العذاب في السجون و ترى عبيد السلاطين فرحين مستبشرين بما قد جرى على أخيهم من ظلم بدل أن يكونوا أحرار و يساندوه في محنته و لكن في النهاية لا بد أن يستجيب القدر و لا بد للقيد أن ينكسر

اقرأ ايضاً