العدد 3342 - الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي الحجة 1432هـ

تونس: دلالات نتائج انتخابات المجلس التأسيسي

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تداعى المحللون على المشهد السياسي التونسي بالمُدارسة والتحليل يستشفون أبعاده ويقرأون ما خفي من معاني الحدث السياسي الأبرز في تاريخ تونس الحديث ألا وهو انتخاب المجلس الوطني التأسيسي بشكل ديمقراطي شهد بنزاهته العالم بأسره.

ولعلّ السؤال الحارق للمتابع العربي كيف حقق الإسلاميون هذا النجاح الباهر وهم المُغيَّبون منذ أكثر من عقدين؟ ولماذا يتوجس البعض خيفة من وصولهم إلى المجلس التأسيسي؟ ثمّ ماذا ينتظر من القوى السياسية التقليدية التي لم يحالفها الحظ في الوصول إلى المجلس التأسيسي؟

لقد تلقى الشعب التونسي الرسالة التي مفادها أن الثورة لم تكتمل بعد ولابد من يوم مجيد مثل 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 لاستكمال الفصل الثاني من الثورة ولا يكون هذا الاكتمال إلا بالإقبال الكبير على صناديق الاقتراع فكان أن استجاب الشعب لنداء الشهداء وكان إقبالهم ذلك تعبيراً واضحاً على وفائهم لدماء الشهداء التي سالت في سبيل تحقيق هذا المكسب التاريخي ألا وهو انتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة.

هذه الانتخابات من حيث نتائجها أكدت ما كان متوقعاً وهو فوز ساحق لحركة النهضة الإسلامية والتي تفسر فوزها على لسان عضوها الناشط سمير ديلو بحسن تنظيم حملتها الانتخابية بفضل الاتصال المباشر مع الناخبين. لكن من الأسباب الجوهرية الأخرى التي بانت للعيان هو التشتت الحزبي على الساحة السياسية التونسية وكثرة عدد القوائم داخل الدائرة الانتخابية الواحدة وهو ما شتّت عدداً كبيراً من الأصوات. زد على ذلك عدم إقناع اليسار السياسي التونسي بمشروعه على رغم وجاهته على أكثر من صعيد إلا أن التونسي وكأنه – من جهة علم النفس – ينتقم من عقود الاضطهاد السابقة فيعطي جل أصواته لأشد أعداء النظام السابق.

لكن يبقى من الأسباب الموضوعية الأخرى هذه الجماهيرية والثقة الكبرى التي تحظى بها حركة النهضة التي عملت طيلة مشوارها العلني منذ أن تحصلت على تأشيرة العمل بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني على احتواء جيل الشباب الذي لم يعاصرها أيام اضطهادها من قبل النظام السابق فالشباب الذين هم من مواليد 1985 فما بعد لم يواكبوا النهضة في نشأتها ولا في صراعها مع السلطة بل ولا حتى في مرحلة القضاء عليها ضمن سياسة الرئيس المخلوع المعروفة «بتجفيف منابع الإرهاب». لذلك عملت الحركة من خلال كوادرها ومنتسبيها الذين سرعان ما عادوا والتفوا حولها بعد الحصول على التأشيرة القانونية ونجحوا في استقطاب هؤلاء الشباب نظراً لما يتمتع به خطابهم السياسي من مرونة، فضلاً عن الغطاء الأخلاقي الذي قد يفتقر إليه بعض خصومهم. ولاشك في هذا السياق أن للخلفية الدينية دوراً رئيسياً في منح الناخب التونسي البسيط والمتوسط والشيخ والعجوز و... صوته لمرشحي النهضة.

لكن بقدر ما كشفت النتائج عن القاعدة الجماهيرية العريضة للنهضة فإنه وبالمقابل أبان عن خلل في عمل كثير من الأحزاب الأخرى وخاصة تلك التي عولت على المال السياسي بحجة أن المال قوام الأعمال حيث اندحرت هذه الأحزاب سواء منها الوليدة بعد الثورة المشكوك في مصادر تمويلها وفي علاقاتها (الحزب الوطني الحر)أو العريق القديم في الممارسة السياسية (الحزب الديمقراطي التقدمي) كما فشل اليسار من خلال القطب الحداثي وعلى رأسه حزب التجديد وفشل أيضاً حزب العمال الشيوعي ممثلاً في قائمته البديل الثوري وقلما نجحت قائمة مستقلة من اليسار في الوصول إلى المجلس التأسيسي.

إن هذه النتائج المخيبة لآمال أنصارهم تدعو تلك الأحزاب جميعاً إلى مراجعة استراتيجية عملهم استعداداً للاستحقاقات الديمقراطية القادمة (البرلمانية الرئاسية البلدية...) كما تفرض عليهم هذه المرحلة الجديدة العمل من خارج المجلس التأسيسي بالضغط على أعضائه بالوسائل الديمقراطية المشروعة فالعمل من خارج المؤسسات أحياناً كثيرة يكون ذا جدوى وفاعلية.

إن على الحركة اليسارية السياسية بتونس اليوم أن تراجع خطابها وذلك بالنظر إلى المشاركة المكثفة للناخبين الذين مارسوا حقهم الانتخابي في مناطق كثيرة من دون تأطير إذ انتخبوا بعفوية وهذا ما يعني استعداد التونسي للانخراط والمشاركة في العمل السياسي القاعدي وهو ما يفتح باباً واسعاً للأحزاب السياسية حتى تعمل أكثر فأكثر بحكم الأرضية التي صارت تتوافر عليها الساحة السياسية التونسية. لكن بالمقابل ما المطلوب من النهضة للمحافظة على هذه الجماهيرية؟

تبدو الحركة الإسلامية المتموقعة ايديولوجياً في اليمين السياسي في موقع قوة وهو ما سيدفعها إلى اختيار من تتحالف معه لكن المنطق سيدفعها إلى التحالف مع قوى الوسط والاعتدال للتوصل إلى الوفاق المنشود داخل المجلس التأسيسي ولتحصل على عدد كبير من الأصوات وهو ما يفرض عليها الذهاب إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المنصف المرزوقي وحزب التكتل بقيادة رئيسه مصطفى بن جعفر. هذا سياسياً أما اجتماعياً فكثيراً ما نعت الخصوم خطاب النهضة بالازدواجية خلال الحملة ما جلب تخوفات كبيرة لدى الطبقة الوسطى خاصة حول حرية المرأة ومكتسباتها، فضلاً عن الحريات الشخصية في السلوك. والحقيقة أن لهذه التخوفات ما يبررها لكن ليس ما قيل وأُشيع من ازدواجية في الخطاب لدى رموز النهضة وإنما كون هذا الحزب غير معروف لدى عدد كبير من التونسيين ثم فجأة يبرز كأكبر حزب على الساحة وهذا ما دفع برموزه إلى إرسال رسائل طمأنة إلى الخارج والداخل، مؤكداً حفظه لتعهداته سواء في مسألة تعدد الزوجات باستبعادها أو حرية عمل المرأة ومشاركتها في الحياة الاقتصادية والسياسية بالتأكيد عليها ودعمها وجعلها أكثر فاعلية وتشاركية.

إن حركة النهضة التونسية حزب سياسي وكأي حزب فيه حركية وتحول يتدعم بتحالفات معينة حتى تتخلص من الموروث الشعبي المتمثل في الخوف من الأحزاب وهو مشروع عمل عليه القائمون على السلطة في تونس منذ الاستقلال ولابد من جهد حثيث للنهضة وخصوصاً ولكل الأحزاب عموماً لكي تنزع هذه الرهبة من التونسي في الانخراط داخل أحزاب سياسية معارضة أو حاكمة

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3342 - الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:43 م

      القاعدة الجماهيرية العريضة للنهضة

      هل تعتبر النهضة كما يقال عنها صورة مصغرة من الاسلام السياسي التركي المعاصر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      وهل تقدم نموذجا جديدا وناجحا للثورات العربية؟؟؟

    • زائر 7 | 7:25 ص

      التحالفات

      ليس من السهل نجاح في التحالفات فاليمين والبسار كقثيرا ما يصطدمون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 6 | 7:17 ص

      الازدواجية

      عذرا أختلف معك ففي خطاب النهضة كثير من الازدواجية أو لنقل هو تكتيك ورغم تطميناتهم فلن يطمئن لهم التونسيون

    • زائر 5 | 4:55 ص

      كان متوقعا حقا

      هذه الانتخابات من حيث نتائجها أكدت ما كان متوقعاً وهو فوز ساحق لحركة النهضة الإسلامية

      نعم كان جد متوقع بل سمعت أنه كان متوقعا أكثر من هذه النسبة

      عموما أشاطر الزائر 1 هو عصر الاسلاميين

    • زائر 4 | 4:32 ص

      أين هي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ظ

      الحركة اليسارية السياسية بتونس اليوم يجب أن تراجع خطابها

      لا نرى لها أثرا فعليا في الواقع السياسي العربي

    • زائر 1 | 11:39 م

      عصر الإسلاميين

      إنه عصر الأسلاميين يا أخي
      تداعت كل الشعوب العربية لحل يستمد جذوره من الإسلام
      نسأل الله التوفيق لهم
      والسداد لمشروعهم

اقرأ ايضاً