العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ

المحكمة ترفض دعوى بعدم دستورية المادة (27) بشأن مزاولة الطب البشري وطب الأسنان

الوسط - محرر الشئون المحلية 

11 نوفمبر 2011

حكمت المحكمة الدستورية بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول2011, في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية برقم (د/ 1/ 08) لسنة (6) قضائية، برئاسة رئيس المحكمة سالم الكواري برفض دعوى الحكم بعدم دستورية المادة (27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989، بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، وألزمت المدعين مبلغ مئة دينار مقابل أتعاب المحاماة.

وتعود تفاصيل الدعوى إلى 6 أبريل/ نيسان 2008، إذ أودع المدعون صحيفة الدعوى الماثلة الأمانة العامة للمحكمة الدستورية، طالبين الحكم بعدم دستورية المادة (27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989، بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان.

ورفع الدعوى كل من أسماء عيسى عيسى سيف، جاسم محمد سعد سبت، وليد جاسم محمد سبت، رئيس مجلس الوزراء ضد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (بصفته)، وزارة الصحة، مستشفى السلمانية، سهير السعد، وكيلها المحامي محمد الفاتح مدني.

وعقدت جلسة المحكمة بعضوية القضاة أعضاء المحكمة الدستوري: محمد أسامة عباس عبدالجواد، وعباس الشيخ منصور الستري، وسلمان عيسى سيادي، وضحى إبراهيم الزياني، ومحمد المشهداني، ونوفل عبدالسلام غربال، وحضور أمين السر عبدالحميد علي الشاعر.

وقدم ممثل المدعى عليهما الأول والثاني، مذكرة طلب فيها الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا: برفضها.

وقدمت المدعى عليها الرابعة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات وقررت المحكمة النطق بالحكم لجلسة اليوم.

وبينت المحكمة «بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة، وإذ إن الوقائع تتلخص – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعين كانوا قد أقاموا ضد المدعى عليهم الثانية والثالثة والرابعة، الدعوى رقم (1462) لسنة 2005، أمام المحكمة الكبرى المدنية – الدائرة الأولى ابتغاء القضاء بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا للمدعين تعويضا قدره أربعون ألف دينار جبراً للأضرار المادية والأدبية التي أصابتهم من جراء الخطأ الطبي الذي وقع من المدعى عليها الرابعة».

ولدى تداول الدعوى أمام محكمة الموضوع دفع ممثل وزارة الصحة بإحالة المدعية إلى لجنة التراخيص الطبية للكشف عليها والاطلاع على ملفها الطبي وبيان مدى ارتكاب المدعى عليها الرابعة لخطأ طبي، فأحالت المحكمة المدعية إلى اللجنة آنفة الذكر، التي أودعت تقريرها بتاريخ 14 أكتوبر 2007.

وبجلسة 6 يناير/ كانون الثاني 2008، قدم المدعون مذكرة طالبوا فيها بوقف سير الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية نعياً منهم على المادتين (5) و (27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة الطب البشري وطب الأسنان، مخالفتهما للدستور.

وبجلسة 30 مارس/ آذار 2008، قررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلى تاريخ 22 ابريل / نيسان 2008، وصرحت للمدعين بإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية، فأقاموا دعواهم الماثلة معفاة من الرسوم.

وإذ إن ممثل الحكومة دفع بخلو التوكيل الصادر عن المدعين من حق إبداء الدفع بعدم الدستورية أو حق رفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية، فإن هذا الدفع مردود بما نصت عليه المادة (20) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية من أن «يجب أن تكون لوائح الدعاوى المقدمة إلى المحكمة موقعاً عليها من محام مقبول للحضور أمام محكمة التمييز ومرفقاً بها سند الوكالة»، ولئن لم يتطلب النص إلا أن يكون المحامي الموقع على لائحة الدعوى مقبولاً أمام محكمة التمييز، فإن ذلك لا يغني عن صدور توكيل من الطاعن للمحامي، بدليل أن النص اشترط إرفاق سند الوكالة بلائحة الدعوى الدستورية.

ولما كان الثابت من التوكيل المرفق بلائحة الدعوى أنه يتضمن توكيل المدعين لوكيلتهم المحامية – المقبولة للحضور أمام محكمة التمييز – في الدعاوى المرفوعة أو التي ترفع منهم أو عليهم والحضور عنهم كمدعين أو مدعى عليهم أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وكانت هذه الصيغة العامة في التوكيل تكفي – وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – للدفع بعدم الدستورية والتوقيع على لوائح الدعاوى الدستورية وتمثيل الخصوم أمامها، بما مؤداه تحقق ما أوجبه نص المادة (20) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية سالف الإشارة.

وحيث إن كلاً من ممثل الحكومة ووكيل المدعى عليها الرابعة دفع بعدم قبول الدعوى الدستورية الماثلة من وجهين:

- الأول: عدم اتصالها بالمحكمة الدستورية على النحو الذي رسمه القانون، على سند من القول بأن حكم محكمة الموضوع المصرح للمدعين بإقامة دعواهم الدستورية قد جاء خلوا من المنطوق مخالفا بذلك النموذج القانوني الذي أفرغه المشرع للأحكام القضائية ولا يفصح بوضوح عن قرار قاضي الموضوع الفاصل في الترخيص، بما يوصمه بالبطلان المنحدر إلى حد الانعدام، ويحظى معه اتصال المحكمة الدستورية بالدعوى الدستورية قائما على إجراء باطل.

- الثاني: انتفاء مصلحة الطاعنين على سند من القول بأن مؤدى حكم محكمة الموضوع بجلسة 30 مارس 2008، أن المحكمة حسمت مسألة إمكانية إحالة المدعية الأولى إلى لجنة طبية غير لجنة التراخيص المنصوص عليها بالمادة (5) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، برفض الطلب. وإذ إنه يمتنع على قاضي الموضوع أن يعدل عما قضى به حتى لا يخل بحجية الحكم فإن مصلحة المدعين في الدعوى الماثلة تكون غير قائمة لعدم وجود موضوع يمكن إنزال قضاء المحكمة الدستورية عليه، وتنتفي بالتالي أية مصلحة لهم في الفصل في دستورية النصوص التشريعية المرتكنة إليها طلباتهم بعد أن حسمت سلفاً في الدعوى الموضوعية.

ومن حيث إنه عن هذا الدفع في وجهه الأول، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن ولايتها في الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة في المادة (18) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية التي تنص على الآتي: ترفع المنازعات الخاصة بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:

أ- ...، ب- ...، ج- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت هذه المحكمة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعادا لا يجاوز شهرا واحدا لرفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد اعتبر الدفع كأن لم يكن، ومؤدى هذا النص أن المشرع لم يطلق الرقابة القضائية على الدستورية من الضوابط التي تنتظمها، بل أحاطها بأوضاع محددة لا تقام الدعوى الدستورية إلا من خلالها، ومن بينها الدفع، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقا لها.

وإذ إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفع بعدم الدستورية يكفيه – لاستنهاض ولاية محكمة الموضوع لتقدير جديته – أن يرد على نص أو نصوص بذاتها عينها المدعي وحددها باعتبارها نطاقا لدفعه، تعييناً يكون محدداً بذاته لماهيتها وكاشفا عن حقيقة محتواها، كي تجيل محكمة الموضوع بصرها في النصوص المطعون عليها لتقدر جيدة المطاعن الموجهة إليها من وجهة نظر أولية لا تسبر أغوارها، ولا تعتبر منبئة عن كلمة فاصلة في شأن اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليها، كما يتعين دائما لاتصال الدعوى بالمحكمة الدستورية عن طريق الدفع الفرعي، ألا يكون هذا الدفع مبهما وأن يكون تقدير محكمة الموضوع لجديته تاليا لبيان مضمونه، دون أن يقتضي المشرع شكلا بعينه تفرغ فيه محكمة الموضوع تقديرها لجدية الدفع.

لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الدعوى الموضوعية أن المدعين قد دفعوا أمام المحكمة الكبرى المدنية بعدم دستورية نص المادتين (5) و(27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، فقررت المحكمة بجلسة 30 مارس 2008 – على ما يبين من محضر الجلسة – تأجيل الدعوى لجلسة 22 أبريل 2008، ورخصت للمدعين برفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية، فبالتالي تكون محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع الذي أبداه المدعون طعنا على ذينك النصين، وأصدرت في شأن هذا التصريح قرارها بالجلسة نفسها بما يدل بذاته على أعمال مقتضى نص الفقرة (ج) من المادة (18) سالفة البيان، ومن ثم يضحى الدفع بعدم قبول الدعوى من هذا الوجه وارداً على غير سند، مفتقراً لما يظاهره، متعين الرد.

وإذ إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى في وجهه الثاني، فمردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في المسائل الدستورية، يقيد محكمة الموضوع في المسألة الدستورية التي فصل فيها، طبقا لما اقتضته المادة (31) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، ويتحتم بالتالي على محكمة الموضوع إذا ما قدرت جدية الدفع، أن توقف نظر الدعوى وتتربص قضاء المحكمة الدستورية – باعتباره قولا فصلا مستعصيا على الجدل أو التعقيب – ومن ثم لا تتقيد في سبيل تطبيقه بأي حكم تكون قد أصدرته أثناء نظر الخصومة. بما مؤداه أن صدر حكم محكمة الموضوع برفض عرض المدعية الأولى على لجنة غير لجنة التراخيص الطبية لا يجوز أن يكون عقبة تعرقل جريان آثار حكم المحكمة الدستورية كاملة دون نقصان. بحسبان أن كل عائق أو عارض بهذا الشأن – وإن كان حكما قضائيا – لا يعدو أن يكون عقبة مادية هي والعدم سواء.

لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى بالاكتفاء عند بحث شرط المصلحة في الدعوى الدستورية بالتحقق من أن الحكم الذي صدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، وكانت محكمة الموضوع قد صرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية الماثلة للطعن على نص المادتين المشار إليهما وأوقفت نظر الدعوى تربصاً منها لحكم المحكمة الدستورية، فإذا ما ألغتهما هذه المحكمة أو أقامت حكمها بشأنهما على معنى تستخلصه من مقاصد المشرع، يكون عاصما لهما من الإبطال كافلا للمدعين بلوغ الترضية القضائية التي ينشدون، فسوف يتاح السبيل من جديد أمام الطاعنين لإثبات الخطأ الطبي المدعى به بكافة طرق الإثبات، بما مؤداه توافر المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين في دعواهم الدستورية الماثلة لارتباط ما سوف يصدر فيها من حكم بطلباتهم في الدعوى الموضوعية.

ولا ينال من توافر مصلحة المدعين في دعواهم الماثلة، صدور القانون رقم (38) لسنة 2009 بإنشاء «هيئة المهن والخدمات الطبية» المنشور بالجريدة الرسمية عدد (2904) بتاريخ 16 يوليو / تموز 2009، - وأيا كان وجه الرأي في أن النص الطعين قد ألغي بمقتضى القانون الجديد أم لم يُلغ -، ذلك أنه لما كان دستور مملكة البحرين المعدل قد نص في المادة (124) منه على أن: «لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ...»، وكانت المادة (6) من القانون المدني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2001 تنص على أن «تسري في شأن قبول أدلة الإثبات وحجيتها أحكام القانون المعمول به وقت حصول الوقائع أو التصرفات المراد إثباتها»، وكانت المسألة الدستورية المثارة في الدعوى الماثلة تتعلق باختصاص لجنة التراخيص الطبية بشأن التحقق من الخطأ الطبي وتتمحض بالتالي – على النحو المستخلص من الأوراق – نزاعا حول قبول دليل من أدلة الإثبات وهي من المسائل الإجرائية المتعلقة بالخصومة القضائية، وكان الإجراء الذي اتخذته محكمة الموضوع بإحالة المدعية على اللجنة المنصوص عليها في النص الطعين يتعلق بوقائع حدثت في ظل سريان المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989، فإن مفاد ذلك أن النصوص الطعينة تظل هي التي تحكم النزاع الموضوعي، بما مؤداه أن مصلحة المدعين في دعواهم الماثلة تظل قائمة ومستمرة. ومن ثم يضحى الدفع بعدم قبول الدعوى من هذا الوجه غير قائم على سند صحيح، وارداً على غير أساس، حريا بالرفض.

وإذ إن المادة (27) من المرسوم ذاته بقانون تنص على أن: «لا يكون الطبيب مسئولا عن الحالة التي وصل إليها المريض، إذا تبين انه بذلك العناية اللازمة، ولجأ إلى جميع الوسائل التي يستطيعها من كان في مثل ظروفه لتشخيص المرض وعلاج المريض، ولكنه يكون مسئولا في الأحوال التالي:

أ- إذا ارتكب خطأ أدى إلى الإضرار بالمريض نتيجة الجهل بأمور فنية أو عملية يفترض في كل طبيب الإلمام بها.

ب- إذا لحق ضرر بالمريض نتيجة لإهمال الطبيب أو تقصيره في العناية به.

ج- إذا أجرى على مرضاه تجارب أو أبحاثا علمية غير معتمدة من قبل وزارة الصحة، وترتب على ذلك الإضرار بهم.

وتختص اللجنة المنصوص عليها بالمادة (5) من هذا القانون بتقرير حدوث الأخطاء المشار إليها».

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع في حدود تصريحها للمدعين بإقامة دعواهم الدستورية بعد تقدير جدية هذا الدفع، وفي إطار طلباتهم الواردة في صحيفة الدعوى. وإذ إن المدعين دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادتين (5) و (27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، فصرحت لهم المحكمة بإقامة دعواهم الدستورية في هذا النطاق بيد أنهم أقاموها، على ما يبين من طلباتهم الختامية الواردة صلب صحيفة دعواهم الدستورية، طالبين الحكم بعدم دستورية المادة (27) من المرسوم بقانون آنف الذكر، فيما نصت عليه من اختصاص لجنة التراخيص الطبية بتقرير حدوث الأخطاء الطبية، وهو ما جرت به الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة ولم تمتد المناعي المدعَى بها إلى غيرها من فقرات المادة، فمن ثم يتحدد نطاق الدعوى الماثلة في الفقرة الأخيرة من المادة (27) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989، بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان.

وإذ إن المدعين ينعون على النص الطعين أنه، إذ اختص اللجنة سالفة الذكر بتقدير حدوث الأخطاء الطبية، فإنه أوكل إلى وزير الصحة، وهو خصم في الدعوى، أمر تحديد خطأ تابعيه عبر اللجنة المشكلة من تابعين له، ما يمثل إهدارا لمبدأ المساواة، وإخلالا بحق التقاضي، ومساسا بمبدأي فصل السلطات واستقلال القضاء، بالمخالفة للمواد (4) و (18) و (20/ و) و (32) و (104) من دستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002.

وحيث إنه من المقرر أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملا، ولا بالصورة التي فهمها بها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها على الأعمال التشريعية جميعها، والتي أسند الدستور اختصاص الفصل فيها إلى المحكمة الدستورية دون غيرها.

وإذ إن الدستور جعل مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون أساساً من أسس المجتمع التي تكفلها الدولة، وذلك بنص المادة (4) منه التي جرت على أن: «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، كما حرص الدستور على أعمال هذا المبدأ العام في شأن مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، فنص في المادة (18) منه على أن: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

وإذ إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في دستور مملكة البحرين في المادتين المشار إليهما، والذي تردده الدساتير المعاصرة، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة كافة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، سواء كان ذلك – حسبما نص عليه الدستور – بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، أو بسبب أي صور أخرى من صور التمييز التي لم يذكرها، على اعتبار أن مبدأ المساواة وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق غايات بذاتها من خلال الوسائل التي حددها كافلا وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز هذه الغايات.

متى ما كان ذلك، وكان المشرع فيما أوكله من اختصاص للجنة المنصوص عليها بالمادة (5) من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 – والتي تتمحّض لجنة فنية خالصة تتولى في حدود الفقرة الطعينة من المادة (27) من المرسوم بقانون ذاته، إبداء الرأي الفني المتخصص بشأن الأخطاء الطبية المبينة بالنص الطعين – إنما كان يستهدف بذلك غاية مشروعة، مفادها إيجاد حلول للمنازعات التي تثور حول هذه الأخطاء في مهدها بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لهذه المنازعات وما تستوجبه من خبرات فنية متخصصة، دون أن ينال ذلك من حق أطراف هذه المنازعات في عرضها على القضاء والطعن أمامه على أعمال وقرارات تلك اللجنة التي لا تعدو أن تكون جهة خبرة في مجال إثبات الأخطاء الطبية. فمن ثم فلا وجه للقول بأن النص الطعين يقيم، اعتسافاً، تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بين أطراف منازعة تتعلق بإثبات الخطأ الطبي وغيرهم من المتقاضين الذين يتداعون لإثبات ضرر يدعون حصوله في مسعاهم لنيل الترضية القضائية التي ينشدون. بما مؤداه أن النعي على هذا النص مساسه بمبدأ المساواة يغدو قائماً على غير أساس حرياً بالرفض.

وحيث إن المادة (20/ و) من الدستور المعدل نصت على أن: «حق التقاضي مكفول وفقا للقانون»، ونصت المادة (32/ أ) منه على أن:

«أ- يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقا لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، ويمارس وفقاً لقانون التفويض وشرطه».

كما نص الدستور في المادة (104) على أن:

«أ- شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم وضمان للحقوق والحريات.

ب- لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم.

ج- ...

د- ...».

وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي هي سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً، حَدُّه في ذلك أن يكفل للخصومة القضائية عدالتها بما يصون مبادئها ضماناً ألا يكون الفصل فيها بعيداً عن أدلتها أو نابذاً الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأدلة، فلا يكون بنيان الخصومة متحيفاً حقوق أحد من الخصوم بل مكافئا بين فرصهم في مجال إثباتها أو دحضها استظهارا لحقائقها واتصالا بكل عناصرها، وصولا إلى ترضية قضائية منصفة هي – بافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – تشكل ركنا ركينا من حق التقاضي، وترتبط بالأغراض النهائية التي يعمل لبلوغها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن استقلال السلطة القضائية أمر لازم لضمان الخضوع للقانون، وقد كفل الدستور المعدل للسلطة القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل في أعمالها أو التأثير في مجرياتها أو إرهاقها بقيود تستنفد ولايتها باعتبار أن القرار النهائي في شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو بيد أعضائها، لا سلطان عليهم في ذلك لغير القانون.

وحيث إن النص الطعين قد ورد خلوا من كل ما من شأنه أن يستقيم موطئا لقالة مصادرته سلطان القاضي وحريته في تقدير الدليل المستخلص من تقرير لجنة التراخيص الطبية آنفة الذكر يستنفد به سلطاته المقررة باعتباره القاضي الأعلى في الدعوى، كما لم يغلّ هذا النص يد القاضي عن تكليف خبير آخر غير لجنة التراخيص الطبية، بعد إيداع هذه اللجنة لتقريرها، استيفاء لعقيدته في النزاع بالاستناد إلى الدليل الذي يركن إلى وجاهته. ومن ثم فلا سند للقول بإخلال النص الطعين بحق التقاضي وبمبدأي استقلال القضاء وفصل السلطات، لا من حيث محتواه ولا من حيث مقاصده، ويضحى النعي عليه بهذا الشأن، قالة مرسلة مفتقدة لما يساندها، مقحمة في دائرة لا تتعلق بها، متعين رفضها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص الطعين غير مشوب بالمناعي المدعى اعتواره بها وغير مخالف للدستور من أي وجه آخر، فإن الحكم برفض الدعوى يكون متعيناً.

فلهذه الأسباب: حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعين مبلغ مئة دينار مقابل أتعاب المحاماة

العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً