العدد 3356 - الإثنين 14 نوفمبر 2011م الموافق 18 ذي الحجة 1432هـ

ليبيا اليوم... تحديات واستحقاقات

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

خفتت حدّة الاهتمام الإعلامي بالشأن الليبيّ بعد انتصار ثورة 17 فبراير/ شباط وانهيار خيمة العنكبوت التي احتمى بها القذافي، ذلك الذي صار شيئا من الماضي، ولم تبق إلا بعض كلماته الشهيرة حينَ خطابٍ توعّد فيه بتعقب المنشقين عنه «شبر شبر دار دار زنقة زنقة فرد فرد»... ولكن، انقلب السحر على الساحر وكان مآله ما تمناه لشباب آمنوا بحقهم في الكرامة والحرية.

ويعتبر الكثير من المحللين أن هذه النهاية جاءت نتيجة طبيعية للسياسة الفاشلة التي حكم بها شعبه؛ سياسة الحديد والنار لأكثر من أربعين سنة، وكذلك نتيجة طبيعية لسياسته الخارجية المشوبة بالقلاقل؛ حيث لا يخفى على أحد وقوف ذلك الرجل وراء عدد من الاضطرابات؛ ولاتزال الوثائق تكشف تورطه في أكثر من بلاد، ولن ينسى له التونسيون مثلا موقفه من ثورتهم السلمية حيث كان أول الساعين لِوَأدها وكان أول المتباكين على سقوط نظام ابن علي في تونس.

لكن ماذا ينتظر ليبيا من تحديات في الفترة اللاحقة؟

يجزم الكثير من المحللين لوقائع الأحداث على الساحة الليبية أن الطريق لن تكون سالكة أمام المجلس الانتقالي الليبي، ولا الحكومة المرتقبة، وخاصة في ضوء التدخل العسكري الغربي في الثورة. فليبيا تحتل موقعا جغرافيا حساسا قد يغري الغرب بالاستيلاء على ثرواتها النفطية بأشكال مختلفة، ولا يتصور عاقل أن الحلف الأطلسي، وبعد دوره الكبير في الإطاحة بالقذافي، سيغادر في النهاية ليبيا من دون أن يحصد غنائم تفوق أضعاف أضعاف مجهوده ودوره الذي لا ينكره أحد في انتصار الثورة الليبية. لذلك يبدي كثيرون تخوّفهم من عملية تقسيم الغنائم على الطريقة العراقية من خلال مكافأة دول الأطلسي بصفقات نفطية وتجارية تحت غطاء إعادة إعمار ليبيا، وربما التدخل عبر عَصَبِ الاقتصاد في الشئون السياسية للبلاد وربما حتى في صوغ نظام ليبيا السياسي الجديد لمزيد الاستفادة أكثر فأكثر من هذه البلاد النفطية. وقد يصل التخوف بالبعض إلى حدّ احتمال إمكان عمل الدول الغربية على زرع الفوضى والانقسامات بين القوى السياسية في البلاد حيث تنشط داخلها تيارات ليبرالية وأخرى قومية فضلا عن التوجهات الإسلامية للكثير من الجماعات بفهم مختلف للإسلام السياسي بين جماعة وأخرى وغير ذلك من الجبهات من دون أن ننسى بعض فلول القذافي الذين لايزالون خارج إطار السيطرة التامة.

ولاشك أن القيادة الليبية تدرك مخاطر الهيمنة الغربية في ليبيا، وبالتالي لن يكون الأمر بهذا القدر من السهولة، وها هي القيادة الحالية اليوم ترفض إبرام أي صفقة نفطية إلى حين تشكيل الحكومة المقبلة، وتؤكد تمسكها بالعقود القديمة لكن مع إعادة النظر في كل صفقة استثمار نفطي قديمة تشوبها شبهة فساد أو احتيال على أموال الشعب.

كما أن الشعب الليبي لن يفرّط في حقه في تقرير مصيره، بعدما قدّم من تضحيات لأجل حريته وكرامته والسيطرة الذاتية على ثروات وطنه... ومن هنا جاء تأكيد الكثير من المختصين في الشأن الليبي على ضرورة عزل ليبيا عن الأصابع الدولية.

حقاً إن الشعب الليبي أمام تحديات خارجية ليست أقلّ من التحديات الداخلية وأهمها جمع الأسلحة التي لاتزال بين أيدي ثوّار اجتمعوا على إسقاط القذافي على رغم تباينهم الفكري، إضافة إلى بعض أنواع الأسلحة الخطيرة المفقودة إلى حد الآن، هذا فضلا عن حجم الدمار الواقع في البلاد. ويزداد الأمر خطورة حين نعلم بنية المجتمع الليبي التقليدية وعقليته القبائلية والعشائرية... تحديات تفرض على الشعب الليبي العمل على تحقيق البناء الديمقراطي بإرساء دولة تقوم على الحرية والكرامة وذلك بدفن ضغائن الماضي والأحقاد والنعرات والعرقية.

والثابت أن الشعب الليبي الذي انتصر على واحد من أخطر أنظمة الاستبداد في العالم قادر على استكمال المسيرة والوصول إلى اللحمة بين أبناء الوطن.

لاشك أن عديد الأمور متصلة ببعضها، وأن ثورة تونس لعبت دورا كبيرا في إسقاط جدار الخوف. لكن ولئن كانت الغاية واحدة وهي مطالبة الشعوب بحقها في الكرامة والحرية، فإن ما جرى في ليبيا مسار مختلف عما صار في تونس ومصر ويختلف كذلك عما يجري في سورية واليمن، لكنه يبقى تجربة مليئة بالعبر، فهلا وضعت القيادات الرسمية في هذين البلدين تجربة ليبيا نصب أعينهم وسارعوا في تحقيق رغبات شعوبهم؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3356 - الإثنين 14 نوفمبر 2011م الموافق 18 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:11 م

      إلى الزائر 4

      سوريا غير يا خوي
      لازم تعرف كل الملابسات حتى تحكم

      ترى بتندمون لو سقط النظام السوري

    • زائر 4 | 6:26 ص

      وماذا بعد؟

      هاهي ليبيا تتخلص من ماضيها الأسود

      هاهي تطهر أراضيها من جيوب الفساد

      فلماذا لا تستوعب سوريا الدرس؟؟؟؟؟

      وهل تستفيد اليمن من نموذج ليبيا؟؟؟؟؟؟

      يالله الطف بعالمنا العربي المسلم

    • زائر 3 | 3:03 ص

      هذا الشعب العظيم

      نرجو للشعب الليبي الشقيق التقدم والازدهار كما نتوقع خيرا لأن أولئك الناس نحسبهم على خير
      وهم قادرون على مواجهة التحديات المذكورة في المقال

    • زائر 2 | 11:21 م

      مسخرة

      صار هذا الإرث الثقيل على الزعامات العربية مسخرة على وجه الدنيا
      وصدقت صاحب الموضوع في كلامك"وانهيار خيمة العنكبوت التي احتمى بها القذافي، ذلك الذي صار شيئا من الماضي، ولم تبق إلا بعض كلماته الشهيرة حينَ خطابٍ توعّد فيه بتعقب المنشقين عنه «شبر شبر دار دار زنقة زنقة فرد فرد»

    • زائر 1 | 10:36 م

      هذا أكيد

      فليبيا تحتل موقعا جغرافيا حساسا قد يغري الغرب بالاستيلاء على ثرواتها النفطية بأشكال مختلفة، ولا يتصور عاقل أن الحلف الأطلسي، وبعد دوره الكبير في الإطاحة بالقذافي،


      فعلا الخوف كل الخوف من امتصاص الثروات الليبية من الغرب

      استر يا رب

اقرأ ايضاً